في رحاب كردستان التي نحلم بها ؟

سيامند إبراهيم*
      
بنظرة متأنية لهذا الموروث الذي سما بنا إلى درجات أثارت في قلوبنا الحميمية, هذه الحميمية الزائدة عن المنطق, تلك التي أبعدتنا عن الموضوعية قليلاَ في تحليل ذلك التاريخ الموسوم في الذاكرة الجمعية, حسب البعض أننا لا زلنا أولئك النسور والصقور التي لا تنزل من العلياء إلى السهول الفسيحة لملاحقة الطرائد السهلة الصيد
رسمنا على هامات التاريخ التليد أجمل أبهة تختال في ساعات الصحو المتقد كإنبلاج الصبح المشرق بالآمال المرجوة  إلى الدفىء, دفئ جبال كردستان التي حضنتنا لآلاف السنين, في آهات الصباح  كم زرعنا الخيلاء في نفوسنا التي قفزت فوق كل الوقائع الحقيقية لمجرى هذا التاريخ, لكن هل قلنا الحقيقة, ونحن نسترجع هذا التاريخ في أجمل لحظاته؟
هل جانبنا الصدق والحقائق, هل قرأنا قصيدة شاعرنا الكبير جكرخوين  (kîne em) هذه الملحمة الرائعة التي تروي الوقائع التاريخية لكفاح شعب عاش الظلم على مدى عصور من الزمن لتختلط فيه الوقائع, يرسم الحياة الكوردية بأدق تفاصيلها, رسم وسطر قوة الإرادة الكوردية وعنفوانها, لكن أوصمان صبري كان يعترض على هذه القصيدة في ساعات الغضب, وهو يتذكر الخيبات الكوردية, ويقول نحن لسنا كما رسمه شاعرنا الكبير, لقد شحنت النفوس بالكبرياء والغطرسة أكثر من اللزوم, نحن نحب الكبرياء!     
       يجب علينا أن نكون واقعيين مع أنفسنا, صحيح أننا صمدنا وشمخنا شموخ الجبال, وكُللتْ هاماتنا بالغار في أكثر من موقعة على بطاح هذه الأرض والسهول, لكن يجب أن نكون أكثر تواضعاً, ولا ننفش أنفسنا كالطواويس كالشعوب التي عشنا معا وشربنا من كؤوسها نخب الانتصارات والأمجاد, ولكن أين هم الآن وأين نحن الآن, هل تلافينا أخطائنا, هل فكرنا في مصير شعبنا بتأنٍ وبعيداً عن الأنانية الحزبية الضيقة, هل منحنا الحب والود لرفاقنا ولشعبنا, هل حثنا بشكل جيد عن سبب تعثرنا في كل ثوراتنا, هل حللنا بشكل واقعي وشفافية عن أسباب السقوط والانكسارات, هل ابتعدنا عن الأنانية وأعترفنا بالأخطاء أم نحن ماضون كالنعامة نضع رؤوسنا في التراب ولا نأبه لشيء؟
     هل راجعنا كُتبنا؟ وما كتبه المستشرقون بصدد تاريخنا؟, خيباتنا وزهونا؟, هل حملنا باقات الورود وأسرعنا إلى شهداءنا, ووقفنا ملياً أمام أضرحتهم! كيف لي أن أعد لكم كم من (بكو عوان) تسلل إلى تاريخنا, كم مهلل لهزائمنا يلوك تاريخنا لكن لم يفكر أحد كيف ولج ذاك الأعرابي البدوي ديارنا, وكيف أصبح خالد بن الوليد فاتح كردستان؟!  وكيف دخل خالد بن الوليد رأس العين, سقيت بدم البداوة الأولى, كيف ارتكبت الجرائم الإنسانية في هذه الديار,  ,      
رقصنا على هزائمنا, قدسنا هذه الثقافة المتأتية من تخوم الصحراء الجدباء, رسمنا لها أجمل كلمات العشق ونسينا أصالتنا, حضارتنا , لغتنا, زينا صدورهم بأجمل باقات النرجس والياسمين, دافعنا بكل شراسة وقوة عن ديارهم, وفقدنا كل شيء, أذيبت شخصيتنا  تركنا الديار, وبحثنا عن الحروف المظلمة في أتون التاريخ المهزوم. تسوح في كردستان  ترى مظاهر الإسلام الأصولي وكأنك في القرون الأولى للإسلام, ومن المعيب والمخجل ونحن هنا  نتساءل كيف صَوتَ  البرلمان الكوردي قبل شهر بالإجماع على قبول  قانون نشر الثقافة الإسلامية في كردستان؟!
كيف سيتم نشر هذه الثقافة,  وإلى أية مذاهب ستعتمد في نشر الثقافة الإسلامية,  وما هي أسس هذا المنهاج الذي سيتم الاعتماد عليه, وكيف سيتم العامل مع الأقليات المسيحية؟ وهل سيعتبرونهم (أهل الذمة), ويأخذون الجزية منهم؟ وهل سنرجع إلى عصور التخلف الفكري, وسيف التسلط, والقتل بحد السيف؟! وهنا ثمة مسؤولية تاريخية على كل الذين أذعنوا, وصوتوا على هذا القانون الغريب عن ثقافاتنا عن شعبنا الكوردي المسلم والإيزيدي والمسيحي المتسامح والمتعايشين بكل معاني الأخوة والمحبة,  من هم يا ترى الذين يزرعون التعصب في عقول الشباب, تبنى المزيد من المظاهر الإسلامية,  ولتعلموا أن حلمنا  أن تتحول كردستان إلى منارة العلم والحرية والتقدم  
 —–
* رئيس تحرير مجلة آسو الثقافية الكوردية في سوريا.
عضو نقابة الصحافيين في كردستان العراق.
عضو حركة الشعراء العالمي.
Siyamend02@yahoo.com

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالعزيز قاسم

(كان من المقرر ان اقدم هذه المداخلة عن “اللغة الشعرية في القصيدة الكردية المعاصرة ـ ڕۆژاڤا” في مهرجان فولفسبورغ للشعر الكردي اليوم السبت ٢٥ اكتوبر، ولكن بسبب انشغالي بواجب اجتماعي قدمت بطاقة اعتذار إلى لجنة إعداد المهرجان).

وهذه هي نص المداخلة:

من خلال قراءتي لنتاجات العديد من الشعراء الكرد (الكرمانجية) المعاصرين من مناطق مختلفة “بادينان،…

إبراهيم محمود

 

تلويح خطي

كيف لرجل عاش بين عامي” 1916-2006 ” وفي مجتمع مضطرب في أوضاعه السياسية والاجتماعية، أن يكون شاهداً، أو في موقع الشاهد على أحداثه، ولو في حقبة منه، إنما بعد مضي عقود زمنية ثلاثة عليه، دون تجاهل المخاطر التي تتهدده وتتوعده؟ وتحديداً إذا كان في موقع اجتماعي مرصود بأكثر من معنى طبعً، كونه سياسياً…

د. محمود عباس

حين يمرض الضوء، تبقى الذاكرة سنده.

قبل فترةٍ ليست بعيدة، استوقفني غياب الأخت الكاتبة نسرين تيلو عن المشهد الثقافي، وانقطاع حضورها عن صفحات التواصل الاجتماعي، تلك التي كانت تملؤها بنصوصها القصصية المشرقة، وبأسلوبها المرهف الذي حمل إلينا عبر العقود نبض المجتمع الكوردي بخصوصيته، والمجتمع السوري بعموميته. كانت قصصها مرآةً للناس العاديين، تنبض بالصدق والعاطفة،…

خالد حسو

 

ثمة روايات تُكتب لتُروى.

وثمة روايات تُكتب لتُفجّر العالم من الداخل.

ورواية «الأوسلاندر» لخالد إبراهيم ليست رواية، بل صرخة وجودٍ في منفى يتنكّر لسكّانه، وثيقة ألمٍ لجيلٍ طُرد من المعنى، وتشريحٌ لجسد الغربة حين يتحول إلى قَدَرٍ لا شفاء منه.

كلّ جملةٍ في هذا العمل تخرج من لحمٍ يحترق، ومن وعيٍ لم يعد يحتمل الصمت.

فهو لا…