رؤية نقدية لأعمال بافي طيار

بافي محمد

يعتبر المسرح أم الفنون دون أدنى شك وذلك ليس لكونها تظهر للجمهور مباشرة إمكانيات الفنان الإبداعية بل لأن المسرح كما يقول نجيب محفوظ : (هو الشكل الأدبي المناسب لأزمة العصر بحساب أن المسرح هو الشكل الفني الذي يرتكز أساساً على الجدل والحوار وصراع الأفكار) .
ومن هنا تكمن أهمية الفنون وبخاصة فن المسـرح ونحن كشعب كردي نفتقر كثيراً إلى هذا الفن الراقي وأن ظهر في الأعوام القليلة الماضية بعض المحاولات الحثيثة في هذا المجال وذلك للارتقاء بهذا الفن الراقي وتجلت تلك المحاولات في بعض الأسكيتشات التي قدمها الفنان جمعة أو ما يعرف ببافي طيار وعلى الرغم مـن تقديرنا الكبير لجهودهم المخلصة في هـذا الميدان إلا أننا نود هنا أن نسلط الضوء على بعض الجوانب السلبية في تلك الأعمال وغايتنا ليس الانتقاص من قيمة تلك الأعمال وإنما أبراز جوانب الخلل فيها بغية الوصول إلى فـن هادف وممتع فالحكم النقدي كما يقال ليست قيمة مطلقة فالفن يثرى بتعدد الآراء بل وبتصادمها أحياناً .

فهذه الأسكيتشات أن جاز التعبير أن نسميها بهذا الاسـم تفتقر إلى النص الجيد من حيث الموضوع الذي يدور حوله الحوار وتكرار اسـتخدام الألفاظ النابية بشـكل مفرط حيث كان على كاتب النص أو المخرج الاكتفاء بأسلوب الإيحاء بدلاً من استخدام تلك الكلمات التي تبتعد عن أسلوب الفن الراقي متناسين بذلك بأن هناك شرائح مختلفة الأعمار من الجمهور تتابع هذه الأعمال ولكل منهم خصوصيته أضف إلى ذلك أن تلك الأعمال تأخـذ منحى كوميدي هزلي ضاحك وتفتقر إلى الأسلوب التراجيدي الذي يعتبر الشطر الثاني المكمل للعمل المسرحي الناجح . ناهيك عن افتقادها إلى كوادر متخصصة في التصوير والديكور وآلات التسجيل اللازمة وأماكن تصوير تناسب طبيعة العمل وألبسة تتناسب مع دور الممثل . كما أن المشاهد يلاحظ بأن هذه الأعمال تتحول وبشكل تدريجي إلى مادة أعلانية للتجار حيث يقوم بعض التجار باستغلالهم للترويج عن بضاعتهم ويظهر ذلك جلياً في الأسكيتش الأخير الذي يعرف (ببافي طيار ومجموعة السيد علي) حيث إن هـذا العمل لايتعدى كونه دعاية لبيع السيارات فقط وبالتالي هي مجردة من أن تكون عملاً مسرحياً. ونحن بدورنا ندرك الصعوبات الجمة للعمل في مجال فـن المسرح من حيث ضعف الإمكانات المادية وعـدم وجود كتاب وفنانين ومخرجين ومصورين أكاديميين متخصصين في هذا المجال. وكذلك عدم توفر المعدات والضرورية من آلات التسجيل والديكور وغيرها مـن مستلزمات نجاح العمل الفني ومع معرفتنا بكل هذه الأمور إلا انه يجب عدم الانزلاق إلى مهاوي الربح الفاحش الذي يبعد الفن عن أصالته وغايته السامية على اعتبار أن المسـرح هـو تزاوج الأدب بالفن وليـس إحياء لأحدهما على حساب الأخـر فالمسرح هي كلمة وممثل وجمهور والفن الهادف الناجح يتطلب الحفاظ على هـذه المعادلة الصعبة والسهلة في آن واحد.

 

 

  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ادريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…