أحبها .. فلماذا نظرتي لها حرام ؟!!

علاء الدين جنكو

سمح الإسلام بالنظرة الأولى من الرجل للمرأة ؛ لعدم احترازه منها ، لما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلى بن أبي طالب رضي اللّه عنه‏ :‏ يا علي، لا تتبع النظرة النظرة، فإنما لك الأولى وليست لك الثانية‏)‏‏.‏ وبالتالي ربما يقع الشاب في شباك الحب من هذه النظرة ، ثم يمد جذوره في قلبه عندما تصله أخبار وأحوال من وقع في حبها تباعا ..
وقع الحب

وبات القلب منشغلا بعواطف ومشاعر لا يمكن لصاحبه التحكم بها إلا من رحم ربك ، وتبدأ التساؤلات الأكثر رواجا ، كيف أغذي حبي الطاهر هذا من غير النظر للمحبوبة وأروي بذور العشق في قلبي بمشاهد من جسدها !!
وقبل الخوض بموضوع النظرة لا بد من وقفة هنا مع الحب الطاهر ، إذ يفهمه الكثيرون أنه التعامل الكامل مع الحبيبة تحدثا وملاقاة ، باستثناء مسها ولمسها جسديا وأعتقد جازما أن هذا ليس هو المقصود بالحب الطاهر العذري على الأقل من الناحية الشرعية ؛ لأنه ربما يتجاوز ما بين الحبيبين إلى ما هو أبعد من اللمس من خلال تبادل الحديث ، بل حتى من خلال النظرة وأحيانا أبعد من كل ذلك ، فربما السماع يهز كيان العاشق ، وفي هذا قال الشاعر قديما ، والأذن تعشق قبل العين أحيانا …
ويقف الحبيب الملتزم ويتساءل : كيف لي أن أحب وأعشق والنظر إلى محبوبتي حرام علي؟! فما فائدة حبي هذا ؟!!
هذا السؤال الذي يلازم هذا الشاب الملتزم المحافظ وأمثاله ، تؤدي بالمتأمل إلى مسألتين
الأولى : نظرة الرجل للمرأة بشكل عام ، وتصور الشريعة لهذه النظرة .
الثانية : الهدف من وراء هذا الحب الذي التهب في القلب
ولنأخذ المسألتين كلا على حدة
النظرة العاطفية الشهوانية :
وليست سواها ، هي موضوع حديثنا ، وعليه لا يمكن تصور النظرة المجردة من العواطف والشهوة بشكل عام أن  يأثم عليه الإنسان ، فلا يمكن تصور من يذهب إلى مؤسسة والموظفة التي أمامها طابور من عشرات الرجال ، أن يكون الحديث معها والنظر إلى جهتها بشكل عام هي النظرة الإبليسية التي نتحدث عنها ، أو يبحث عنها من غمر قلبه بتموجات الحب ..
وهذا ما قيده أيضا شيخ الإسلام ابن تيمية عند حديثه عن النظر إلى الأمرد فقال : ( والنظر إلى وجه الأمرد بشهوة كالنظر إلى وجه ذوات المحارم،والمرأة الأجنبية بالشهوة، سواء كانت الشهوة شهوة الوطء أو كانت شهوة التلذذ بالنظر،كما يتلذذ بالنظر إلى وجه المرأة الأجنبية‏:‏كان معلومًا لكل أحد أن هذا حرام ) .
فالنظرة نوع من اللذة ، بل هي من أهم  ثمرات الحب والميل العاطفي ..
ومن هذه الفكرة انطلقت فلسفة الإسلام وموقفها  من النظرة للحد منها والتشدد في خطورة الاستهانة بها .
وهنا أهمس في أذن الجميع وخاصة من يرون أن تعاليم الشرع قيود للحرية الشخصية ، هل للنظرة الجنسية المغرية من قبل الأنثى تأثير على الرجل أم لا ؟
فإن كان الجواب : لا .
فأعلنها بكل صراحة أني لست ممن يشملهم الجواب
وإن كان : نعم ، وأعتقد الجميع يعترف به
كيف يمكن للرجل أن يأخذ دوره في الحفاظ على حق المرأة في حفاظها على كرامتها وكيانها من أن تكون وسيلة إشباع للرغبات ومكانا لتفريغ الشهوات
الكثير من المنتقدين يتهمون هذه الفلسفة للنظرة أنها هي المتورط في هذه التهمة  بحكم النظرة الجنسية للمرأة وكل الرجال- في هذا المقام – لهم القدرة أن يحددوا في قرارة أنفسهم ، ولا داعي للتنظير : إن كانت المرأة تمثل بالنسبة للرجل مصدر إثارة للشهوات أم لا ؟؟!!

نظرة فابتسامة فسلام          فكلام فموعد فلقاء

ومن يدعي أن نظرته العاطفية للمرأة هي كنظرته العاطفية للرجل ، أعتقد أن فيه خللا فيزولوجيا !!
أو أن الخلل الفيزولوجي أنا المصاب به !!!!
لأن البشر على ما أعتقده قد جبلوا على هذه النظرة
حتى في أكثر المجتمعات انفلاتا في هذا الجانب لا تسلم المرأة من هذه النظرة ..
ربما البعض لا يتصور أن تصل حال المرأة في مجتمعنا إلى ما وصلت إليه مثيلاتها في الغرب لمجرد النظرة العاطفية !!
أعود بأصحاب هذا القول إلى الوراء يوم أن كانت المرأة الكردية تلبس الضيق من الملابس تحت ملابسها الرسمية ( الكراس والخفتان ) كان الأمر معيبا !! وتوصف من تلبس ذلك بقلة الحياء !!
وتطور الأمر بالتدرج حتى وصل الأمر إلى خروج المرأة بتلك الملابس ولكن بدون الكراس والخفتان ؟!!!!
إذن :
للنظرة العاطفية النابعة من ميل قلبي تأثيره على الإنسان ولا يمكن لرجل سليم جنسيا أن ينكر هذا !!
هذا التأثير قد يكون من أهم نتائجه تقديم المرأة ما يحتاجه حبيبها من لذة يؤذيها ، ثم التتابع في التنازل له إلى أبعد من النظرة ثم إلى حد الإشباع ، ثم التخلي عنها ليبحث عن نظرة أخرى أكثر لذة .
وإزاء هذا التصرف المدمر لحياة الفتاة القاتل لمشاعرها وعواطفها ، كان لا بد من أمر يحد من حيوانية الغريزة العاطفية التي تبدأ شرارتها من النظرة العاطفية في الإنسان ، ومن هنا كانت الحكمة التي انطلقت منها فلسفة الإسلام في النظرة والتشدد في الاستهتار بها ..
كل الحوادث مبدؤها من النظر        ومعظم النار من مستصغر الشرر

كم نظرةً فتكت في قلب صاحبها        فتك السهام بلا قوس ولا وتر

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماهين شيخاني

كانت الورشة ساكنة، تشبه لحظة ما قبل العاصفة.

الضوء الأصفر المنبعث من المصباح الوحيد ينساب بخجل على ملامح رجلٍ أنهكه الشغف أكثر مما أنهكته الحياة. أمامه قالب معدني ينتظر أن يُسكب فيه الحلم، وأكواب وأدوات تتناثر كأنها جنود في معركة صامتة.

مدّ يده إلى البيدون الأول، حمله على كتفه بقوة، وسكبه في القالب كمن يسكب روحه…

صدر حديثاً عن منشورات رامينا في لندن كتاب “كلّ الأشياء تخلو من الفلسفة” للكاتب والباحث العراقيّ مشهد العلّاف الذي يستعيد معنى الفلسفة في أصلها الأعمق، باعتبارها يقظةً داخل العيش، واصغاءً إلى ما يتسرّب من صمت الوجود.

في هذا الكتاب تتقدّم الفلسفة كأثرٍ للحياة أكثر مما هي تأمّل فيها، وكأنّ الكاتب يعيد تعريفها من خلال تجربته الشخصية…

غريب ملا زلال

بعد إنقطاع طويل دام عقدين من الزمن تقريباً عاد التشكيلي إبراهيم بريمو إلى الساحة الفنية، ولكن هذه المرة بلغة مغايرة تماماً.

ولعل سبب غيابه يعود إلى أمرين كما يقول في أحد أحاديثه، الأول كونه إتجه إلى التصميم الإعلاني وغرق فيه، والثاني كون الساحة التشكيلية السورية كانت ممتلئة بالكثير من اللغط الفني.

وبعد صيام دام طويلاً…

ياسر بادلي

في عمله الروائي “قلعة الملح”، يسلّط الكاتب السوري ثائر الناشف الضوء على واحدة من أعقد الإشكاليات التي تواجه اللاجئ الشرق أوسطي في أوروبا: الهوية، والاندماج، وصراع الانتماء. بأسلوب سردي يزاوج بين التوثيق والرمزية، يغوص الناشف في تفاصيل الاغتراب النفسي والوجودي للاجئ، واضعًا القارئ أمام مرآة تعكس هشاشة الإنسان في مواجهة مجتمعات جديدة بثقافات مغايرة،…