كارت بلانش: كم نحن عنيفين .. كم نحن واهمين

  فتح الله حسيني

قبل عقود غير طويلة ، كنا صغاراً بعمر الشوك والورد ، نتهافت الى دخول دور السينما ، إذا كنا نملك “فلوساً ” ندخلها راضين مرضيين ، أما عكس ذلك كنا ندخلها عنوةً ، من فوق جدران الدور التي كانت واطئة كنفسيات الواقفين على بابها كحراس للريح ولنا ، فلا ندخل إلا لمشاهدة أفلام عنيفة ، مثل زمننا ، ونتسابق الى شراء التذاكر كصف واحد كأننا في درس “فتوة ”
وفي الصالة ، كنا نصفق ونهتف للبطل بروسلي وعنترة بن شداد ، وهرقل ، وبعد انتهائنا من صراعات الفيلم ، نمثل الأدور كل حسب عنفوانه ، فأحدنا يصبح بروسلي والثاني عنترة والثالث هرقل ، والبعض منا يتشبث بدور فريد شوقي الذي لم تكن أدواره تخلو من مشاهد عنف ، حيث “بوكساته ” تغمي العدو اللدود ، له .
منذ صغرنا ، ربتنّا السينما على العنف ، ولكن ما أن كبرنا قليلاً وولجنا الى الجامعة ، حتى بتنا رتيبين أكثر ، فلا ندخل الى عروض أفلام العنف ، بل نلج الى الأفلام الرومانسية ، ونأخذ بيد صديقتنا الى آخر الكراسي ، فنقبلها بهدوء كلما كان يقبل عادل إمام سعاد حسني ، أو فاروق الفيشاوي إلهام شاهين ، او تقبل مارلين مونرو أي حبيب لها ، فلم نعرف من هو حبيب مارلين بقدر ما كنا نعرف من يبوسها من شفاهها ، وتركنا عادة “فصّفصّة البزر ” في الصالة ، لأن شفاهنا كانت مشغولة بشفاه أكثر ملهاة من البزر وربّ البزر .
لم نكن عنيفين ، ولم نكن واهمين في نفس الوقت ، فقد كانت تستدعي الحاجة أن نكون عشاقاً وساسة وشعراء في الوقت عينه، ثم ما نلبث أن نكون سكّيرين في منتصف الليل والليالي، وعبثيين الى آخر درجات العبثية والمازوشية والرومانسية ، فكان يغني لنا أحد الأصدقاء ليعزف له الآخر بآلته الموسيقية ، ليرقص “الشباب” على أي نغمة تصادفهم الى أن ياتي الجيران وينبهوننا بأن أصواتنا عالية ، وأننا مزعجين ، فلا نهتم ، فيأتي المخابرات ليهتم .
نخرج من اجتماع حزبي الى رحلة حزبية ، الى احتفال حزبي الى مأتم حزبي الى حلقة شراب غير حزبية ، فالى فتاة تنتمي الى حزب آخر ، فبناتنا الحزبيات كُنّ حرام علينا ، هكذا كان يقول “الرفاق” ، فنظل نمجد مبادئ الحزب الآخر الى أن ننتهي من حزب الفتاة ، وشجنها وملهاتها وأباطرة مسراتها .
لسنا حجر ، نحن بشر ، نحترم الشجر والضجر ، فنحن باكورة زمن علمنا الألفة ، فغادرنا الخديعة طواعية .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبد الستار نورعلي

في دُجى الليلِ العميقْ:

“سألني الليلْ:

بتسهرْ لِيهْ؟”

قلْتُ:

أنتَ نديمي الَّذي يُوفِّى ويُكفِّى،

ويصفِّي..

منَ الشَّوائبِ العالقة..

بقفصِ صدري المليءِ بالذِّكرياتِ الَّتي

تعبرُ أفْقَ خيالي..

بارقاتٍ

لامعاتٍ

تَخرجُ مِنْ قُمْقُمِها،

ففيكَ، أيُّها الليلُ الَّذي لا تنجلي،

أُلقي صَخرةَ النَّهارِ عنْ كاهلي،

وأرفعُ صخرةَ الأيامِ والكتبِ والأقلامِ

والأحلامِ،

والكلامِ غيرِ المُباح،

وفي الحالتين أشهقُ..

وأتحسرُ

وأزفرُ..

زفراتٍ حرَّى،

تسمعُها أنتَ، وتعي،

فما فاتَ لمْ يفُتْ،

وما هو آتٍ آتٍ لا ريبَ فيهِ!

وأشتكي لكَ ولصمتِكَ المهيبِ؛

فأنتَ الشِّفاءُ،

وأنتَ…

عِصْمَتْ شَاهِين الدُّوسَكِي

بَدٍلْ لَا تَتَبَدَّلْ

بَدٍلْ اسْتَقِرْ لَا تَنْفَعِلْ

فَالْأَدَبُ أَنْ تَتَحَكَّمَ

فِي الْمَوَاقِفِ لَا تَتَعَجَّلْ

***

الْحَيَاةُ لَيْسَتْ مَنَاصِبْ

وَلَا كُرْسِيٌّ لَكَ مُنَاسِبْ

<p dir="RTL"...

رضوان شيخو

يا عازف العود، مهلا حين تعزفه!
لا تزعج العود، إن العود حساس..
أوتاره تشبه الأوتار في نغمي
في عزفها الحب، إن الحب وسواس
كأنما موجة الآلام تتبعنا
من بين أشيائها سيف ومتراس،
تختار من بين ما تختار أفئدة
ضاقت لها من صروف الدهر أنفاس
تكابد العيش طرا دونما صخب
وقد غزا كل من في الدار إفلاس
يا صاحب العود، لا تهزأ بنائبة
قد كان من…

ماهين شيخاني

الآن… هي هناك، في المطار، في دولة الأردن. لا أعلم إن كان مطار الملكة علياء أم غيره، فما قيمة الأسماء حين تضيع منّا الأوطان والأحبة..؟. لحظات فقط وستكون داخل الطائرة، تحلّق بعيداً عن ترابها، عن الدار التي شهدت خطواتها الأولى، عن كل ركن كنت أزيّنه بابتسامتها الصغيرة.

أنا وحدي الآن، حارس دموعها ومخبأ أسرارها. لم…