ريبر هبون
اختار الكاتب لهذه الرواية خطاً درامياً واقعياً يكشف عن طبيعة الحياة وعن واقع الإنسان السوري في الخدمة
. الإلزامية والكردي بصورة خاصة عبر بوصلة الشخصية الرئيسة للرواية “جوان ابراهيم” الطبيب الشاب
الحقبة الزمنية ما بعد عام 2000م بعد موت الرئيس السابق حافظ الأسد ، مختاراً مسلكاً تقريرياً يجسد فيه الملامح
. النفسية لشخصية العسكري في القرقة 17 وعن حياة يشوبها القلق واللاستقرار
: السرد الدرامي*
من محاسنه أنه يضع المتلقي القارئ في حالة من تتبع واخزاً مكامنه عبر الإشارة إلى المكان والناس وطبيعة الحياة والسلوكيات التي تتأثر بمنظومة الحياة السائدة والمفروضة عبر سلطة استبدادية مخابراتية تتخذ من الإرهاب والتخويف أساسين ثابتين لحكم الجماهير، حيث اتّبع الكاتب زارا صالح السرد الحكائي من بداية الرواية لنهايتها، وهذا السرد يفيد في السينما والأعمال الدرامية كالمسلسلات حيث وظيفته تحقيق المتعة الفنية دون الخوض في الأفكار وكذلك يعتمد السرد الدرامي على التجسيد أكثر من إبراز ما لدى الروائي من مهارات في توظيف تقنيات
. جديدة وحديثة في تقديم الأحداث على نحو غرائبي ماتع
: العادية لا تعني الرتابة *
بما أن المذهب هنا واقعي قديم يعتمد على التقريرية وتسجيل الواقع تسجيلاً دقيقاً دون الدعوة لمناهضته، وكما أسلفت فإن الرواية العادية أي الواقعية لابد وأن تستخدم مقومات الحكائية التقليدية ولا ينقص ذلك من قيمتها لأن هذا النمط وظفته الدراما في حقبة التسعينيات من القرن المنصرم، حيث كانت تلك السردية جادة في تقديمها للحدث وتوصيفها للشخصية وإبرازها للمكان بحيث أنها تمس كيان كل من عاش تلك الحياة وخبرها، نذكر الروائي الروسي “دوستويفسكي” الذي قدّم الرواية بشقيها السردي والوصفي وهنا غاب الوصف قليلاً عن رواية الفرقة 17 لصالح
: بروز الحس الدرامي وصعوده ومن مزاياه
الإغراق في الدراما الوجدانية التي يكون فيها صعود الشخصية بوصفها شاهد عيان على عصر ثقيل يسوده الخوف-
.والمجهول والقلق من المستقبل
. التركيز على الاغتراب الفردي ودواعيه في ظل نظام شمولي قمعي قائم على الملاحقة والتنكيل والترهيب-
. الولوج لعوالم الشخصية وطبيعة العلاقات الإنسانية، لمعالجة الحقبة وفهمها-
.وصف المكان، أجزاؤه لتصعيد الطاقة الوجدانية المتمثلة في صلة الفرد بالبيئة وطبيعة الزمن السائد-
لقد توجه الكاتب زارا صالح نحو الشخصية الأنموذج ، وأسبغ طاقات من الحكمة، الفضيلة، التأني، الرهافة والحب على “جوان” وصلته بعائلته ، رفيقة دربه “جالا” فهذا أعطى للبعد الدرامي هالة مميزة يفهم القارئ عبرها مدى المعاناة الفردية وسطوة نظام الحكم، فالعادية تسهم في تفعيل إحساس القارئ بالمعاناة بشقيها الفردي والجمعي،
. ويمكن للسياسي فهم الحقبة استناداً على الراوية الواقعية الجادة
.برع الكاتب في الانتظار الرهيب في الفرع الأمني وخارجه وكذلك الصيت السيء للفرقة 17
: حول الفرقة 17*
هي احدى فرق الاحتياط في الجيش السوري وقد تأسست بعد مجيء القوات الأمريكية للعراق حيث تتكون من عدد من الألوية والأفواج المنتشرة في محافظاة المنطقة الشرقية الثلاث دير الزور والرقة والحسكة، حيث جسد الكاتب جانباً يتعلق بالعسكري الذي يخدم في الفرقة بحيث يعيش جواً كبيراً من العزلة فلا يخرج منها بخاصة بموت موت حافظ الأسد، وتقليل الإجازات فيه بشكل كبير، أما عن جوان ابراهيم فقط حالفه الحظ بسبب استدعاء الفرع الأمني له وتأجيل التحقيق معه عند كل مرة ، مما استطاع الذهاب والإياب وزيارة الأهل ، إن تجسيد ذلك اتسم بلاسته ومتعته وجعلنا نعيش الحالة، وهذه النقطة تحسب للرواية كونها اتسمت بسهولة الانتقال من حدث لحدث من مشهد لآخر
: ص130 ،لنتأمل هنا
كان الفطور استثنائياً في هذا اليوم الذي بدا هكذا بالنسبة لزوجته جالا، أيضاً وهي تنفطر حباً وحناناً وتجد نفسها “
وتجد نفسها في عالم آخر، عالم قامت هي مع جوان بسرقته من الزمن في لحظة ما وأرادت أن تعيشه بكل تفاصيلها، لقد حنّت إلى دور الزوجة ورفيقة الحب، إلى أنوثة تتقد بقدوم جوان، كانت تمتلك كل شيء في تلك اللحظة، أميرة وهي في منزلها تجوب غنجاً ودلعاً أمامه والذي كان يبادلها الشعور والإحساس، أضفيا نكهة وردية على مملكتها
” الصغيرة في غفلة الزمن
:خاتمة*
عبرت الرواية عن لوحات إنسانية صادقة ومثالية عن حقبة بائسة يسودها الخوف والقلق ، وكذلك بدا تأثر الكاتب بالمنهج الواقعي القديم واضحاً في إبرازه لهذا الواقع المتشظي من تاريخ سوريا، فالذي يتبع الرواية بعين المتفحص والمتذوق في آن سيستنبط بلا شك الكثير من الحقائق المتعلقة بعلاقات الناس وسطوة الجهاز القمعي ، هذا الحس الدرامي المتصاعد بلا ريب يمثل تفعيلاً بالإحساس بوطأة الواقع وكذلك يعمق من مدى صلة الفرد المرهف بالعالم
. الفني الذي بدوره عمّق الجسور ما بين الفن والحياة
24.12.2021