فراس حج محمد| فلسطين
يوم السبت 25/12/2021، السبت الأخير في عام 2021، ليحل عام جديد، أرجو أن يكون عام خير وبركة. في هذا السبت كانت رحلتنا ممتعة واستثنائية، أولا لأن ابنيّ كانا برفقتي عمر وعاصم، عاصم هذا الفتى الممتلئ حماساً، وعمر ذاك الشاب الخجول المرح الممتلئ حبا للحياة وتجاربها. أشعر وهما معي أنني أصبحت أكثر حكمة.
وثانيا، لأنني أشارك وأحضر نشاطين في يوم واحد، الأول لتأبين المرحوم الناشر أبو رأفت، محمد عبد الله البيتاوي، في ديوان عائلته في قرية بيت إيبا، كان الحضور واجماً، والثرثرات قليلة، والبعض كانت دمعاتهم تتأرجح في محاجر عيونهم، وربما سقطت غصبا عنهم. كنت متأثرا جدا على نحو شخصي، إذ أعيش معنى الفقد لشخص عزيز خارج نطاق العائلة. إنه محزن أن تخسر الأصدقاء الأوفياء.
اللقاء كان مميزا أيضا بحضوره وبالشخصيات الاعتبارية التي حضرته وشاركت فيه، والكم الهائل من الحب والتقدير والوفاء التي تشعر به، سواء في كلمات المتحدثين أو في الأحاديث البينية بين كل متجاورين.
ظلت الأجواء حزينة وفيها الكثير من الألم حتى وأنا تعود بي الذاكرة إلى أوائل التسعينيات. يفاجئني رؤية زميلة جامعية، لم نلتق منذ تخرجنا عام 1995، ما زلت أحتفظ بذاكرتي بأسماء الزملاء والزميلات جميعاً، أبناء وبنات دفعة التخرج. أحب رؤية هؤلاء، وأسعد جدا عندما أجد أنهم لم ينسوا اسمي بعد كل هذه الفترة، وأزداد امتنانا لهم وهم يعلنون أنهم على تواصل مع ما أكتب. يدخلون صامتين، يقرؤون ولا يعلنون عن وجودهم.
الزميلة العزيزة د. لينا الشخشير رئيسة منتدى المنارة قادت فعاليات التأبين الذي بُث على الهواء مباشرة (تلفزيون فلسطين) باقتدار وسلاسة، مرتدية ثوبها الفلسطيني التقليدي الذي زادها جمالا وتألقا، كانت بهية في اللغة، وفي المشاعر تجاه المرحوم أبو رأفت، وفي الحضور.
غادرنا بيت إيبا متوجهين برفقة الأعزاء حسن عبادي وجميل عمرية ورائد الحواري إلى بلدة عورتا حيث سيكون إطلاق كتاب الأسير أمجد عواد، “دراسات من الأسر”، هناك التقيت بالكثير من الأصدقاء وزملاء الوظيفة.
في هذا النشاط كثر المتحدثون، وملّ الناس على ما أظن، التلفزيون حاضر أيضاً للبثّ المباشر، اللغة كانت إنشائية، والخطاب عالي النبرة، وكأن المتحدين جاءوا ليختبروا جهازهم المعبأ باللغة الوطنية التي هي عندي عديمة الفائدة، جعجعة، لا أكثر. أنا أرغب في العمل للأسرى، وليس الحديث عن قضية الأسرى. على الرغم من أن قناعتي تقول لي: إنه مهما عملنا فلا يساوي ذلك العمل ليلة واحدة يقضيها أحد الأسرى خلف القضبان.
في لقاء عورتا، كانت مشاركتي آخر المشاركات، بعد أن طفحت أسماع الناس الكثير من اللغة، وملّت جلستها الكراسي، ماذا سأقول أنا بعد ستة متحدثين قبلي؟ يا لها من ورطة! المشكلة ليس في تكرار المضامين، والأفكار، فما بجعبتي مختلف عما قدمه الآخرون، إنما الظرف غدا غير مناسب، بعد ساعتين من الحديث، وارتفاع الأصوات والموسيقى والحماس الثوري. اكتفيت بما يقارب الخمس دقائق في الحديث، ولولا مخافة أن يفسر الأمر على غير وجهه لامتنعت عن المشاركة، لأن الحديث في مثل هذا الظرف نوع من العبث.
على أي حال، مر الأمر وانتهى، ويكفي أن احتفالية أمجد تحولت إلى عرس وطني مهيب، مليء- على الجانب الآخر- بالحب والحماس؛ فالحزن لم يكن موجودا على الرغم من المؤبدات الخمس المحكوم بها أمجد، فالحضور الشعبي والوطني والإعلامي وتفاعل الناس وإدخال البهجة إلى نفوس أهل الأسير هو المطلب الأهم، حيث شكل اللقاء نوعا من المساندة الشعبية لأهالي الأسرى، مساندة حقيقية عفوية المشاعر، وفياضة بكل معاني الفخر والبطولة، لاسيما أنه قد تم تكريم أم الشهيد جبريل عواد في نهاية حفل الإشهار.
انتهى يوم السبت 25/12/2021 وقد غمرت النفس بكل ألوان الغبطة والحب والجمال ومشاعر الوفاء. آمل أن نبدأ سنتنا الجديدة وقد صارت الطريق أوضح وانقشعت الكثير من الغيوم لعلنا نبصر ما هو أجمل وأكثر احتمالا في المشهد العام الفلسطيني، سياسيا وثقافياً. وكل عام وفلسطين والعالم بخير.