الرسالة الخامسة والستون.. لماذا الحبّ؟

فراس حج محمد

أسعدت أوقاتاً، وأتمنى أن تكوني بخير، كم كان مثيراً لمخيلتي عندما تحدثنا بالهاتف آخر مرة، وقد أخبرتني أنك للتو دخلت البيت، وأنك بحاجة إلى أن تغتسلي، كان مثيرا بالفعل هذا الحدث، أصبحت مخيلتي مكتنزة بالتصور الحيّ وأنت تحت الماء بكامل عريك الذي أشتهيه. آه لو تعلمين كم أشتاق أن أغلغل كلي في كلك الشهيّ.
يأخذنا الحديث بعيدا لنناقش الرسالة الرابعة والستين بعد أن أحجمت عن الرد عليها، وعلى سابقتها، بدعوى أن فيها تهديدا مبطناً. يا للتعاسة! أيهدد حبيب حبيبته؟ وكيف؟ إنه ليس حباً إن وقع مثل هذا التهديد. ربما لم يعجبك أنني أشتهيك، وأطلب ممارسة الحبّ معك، وتخافين ذلك، لماذا تخافين من الكتابة إلي وممارسة الحب معي؟ فهل ستجعلك الكتابة هامشاً وحواشي كما توقعت. إنك أهم متن في مشروع الكتابة فكيف تتحولين إلى حاشية هامشية. هل فعلا تحبين الحواشي والهوامش؟ لا أظن، فامرأة مثلك تمتلك كل تلك المقومات الفكرية والموهبة الشعرية والبحث والتقصي والجمال لن تكون هامشا أو حواشي. 
بدا لي أنك لن تدخلي في زاوية المرأة التي يستغلها الآخرون جنسيا من أجل الحصول على مكسب ثقافي أو مادي، لأنك محصنة تحصيناً قويا ضد هذا العفن المصابة به الساحة الثقافية، أعرف أن هذا الموضوع مقلق لكثيرات من الأديبات. إحداهن تعترض على إحدى المقالات التي أعرج فيها على هذه النقطة وأنني أعمم. 
لا أعتقد أنه يوجد امرأة مهما كان حظها من الجمال متواضعا أم فائق الحسن إلا وحاول أحدهم أن يتحرش بها جنسيا بالثقافة المفخخة بالجنس والعبارات المعبأة بالشهوة. لكن ليس كلهم تحقق له الأديبات رغبته. هذا الهاجس الذي عبرت عنه في حديثنا الأخير لن يصيبك منه شرر أو ضرر لأنك أنت كما أنت لست بحاجة الذكور في مثل هذا الوسط العفن. إنك مكتفية بذاتك وبمواهبك، بل كثيرون يحتاجون إلى ثقافتك وقلمك واهتمامك، فلا تظني أن جمالك “لعنة” بل إنه هبة ربانية لأنعم به، وأنا حبيبك الذي أنتظر مجيئك على أحر من الجمر.
أعتقد أنه قد حان الوقت لتفكري بالأمر الثاني الذي تخافين منه، فالحب لا يكتمل إلا بممارسة الجنس، وليس كما يرى الآخرون. هذه مسألة ملتبسة سبق وحدثتك عنها. الحب أولا، ثم الرغبة الجنسية ثانيا، فهل يحتاج الحب إلى الجنس ليؤكده، يبدو ذلك صحيحا، لذلك جاء السؤال لماذا يحدث الحب؟ أعتقد كما تعتقدين أنه سؤال كبير. هل نحب من أجل الجمال والجنس؟ وهل نحب من أجل القيم والروح؟ أظن أن العامل الحاسم في الحب ليس الجمال، لذلك لا علاقة للجمال بالرغبة في ممارسة الحب، وإلا لاشتهى الرجال كل امرأة جميلة يصادفونها. الحب شعور بالرغبة في الاتحاد والالتحام رمزيا مع الحبيب وبوابته الجسد. فلم يخلق الجسد على هذه الهيأة دون أن يكون له دور فيما هو أهم وأعقد وأجمل.
على أي حال فإن أفكاري واضحة تماماً وأنت تفهمينها جيدا، ولن يكون إلا ما ترغبين به، ليكون لهذا الفعل تجلياته الروحية التي تفيض توردا في الوجه ونشوة في الفعل والإحساس. ألا تشعرين بالرغبة لتكتملي معي؟ ألا تشتاقين إلى ذلك الفعل الحميم لتفعليه معي؟ أظن أنني صرت أقرب كثيرا مما تتخيلين إلى مثل هذا الفعل.
بعيدا عن هذا الاستطراد الذي- ربما- سيشعرك بالضجر، أخبرك أنني شبه غارق في موسم الزيتون، أساعد أحيانا في القطف، هذا الموسم يبدو وفيرا والحمد لله، سيكون الأمر مفرحا جدا إن استضفتك على أكلة “مسخّن” شعبية. سأكون سعيدا جدا، سترين قريتي ومكان عزلتي، وفوضويتي وكيف أعيش وأين أكتب. لن أخبرك أي شيء سترين ذلك بنفسك. أتمنى أن يعجبك هذا العالم شبه البدائي.
الحبيبة المجنونة والمشغولة دائماً، حدثيني إن استطعت، وتصدقي عليّ ببعض الوقت لأسمع صوتك على أقل تقدير، فالقليل منك يكفيني ويغنيني ويشبع خاطري ويجعلني منتشياً أكاد أطير من الفرح.
أحبك أيتها اللذيذة فلا تطيلي الغياب! أخاف أن يباغتك موعد السفر ولا تأتين، يا لحظي السيئ إذاً، لو بقي الوعد لغوياً  على الشفاه وعلى الورق.
الخميس 28/10/2021

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

 

ا. د. قاسم المندلاوي

 

عامودا:

مدينة الفن والحب والجمال، تابعة لمحافظة الحسكة، وتبعد عنها 80 كم. تقع في شمال شرق اقليم كوردستان الغربي، وعلى الحدود مع تركيا وقرب مدينة قامشلو. معظم سكانها من الكورد مع اقليات عربية ومسيحية. يمر فيها نهر باسم “نهر الخنزير”.

اسست المدينة على يد مهاجرين سريان هربوا من تركيا في اعقاب مذابح…

يسر موقع ولاتى مه أن يقدم إلى قرائه الأعزاء هذا العمل التوثيقي القيم بعنوان (رجال لم ينصفهم التاريخ)، الذي ساهم الكاتب : إسماعيل عمر لعلي (سمكو) وكتاب آخرين في تأليفه.
رفوف كتب
وسيقوم موقع ولاتى مه بالتنسيق مع الكاتب إسماعيل عمر لعلي (سمكو). بنشر الحلقات التي ساهم الكاتب (سمكو) بكتابتها من هذا العمل، تقديرا لجهوده في توثيق مسيرة مناضلين كورد أفذاذ لم ينالوا ما يستحقونه من إنصاف وتقدير في…

حاورها: إدريس سالم

 

في زمن الانهيارات الكبرى والتحولات الجذرية، لم يعد ممكناً التعامل مع القضايا المصيرية بمنطق الإنكار أو الاستخفاف؛ فالمشهد السياسي السوري، بكل تعقيداته وتناقضاته، بات يفرض على الفاعلين الكورد مسؤولية مضاعفة في إعادة تعريف أدوارهم، وترتيب أولوياتهم، وبناء مشروع وطني يتجاوز الاصطفافات الضيقة والانقسامات القاتلة، فالسكوت لم يعد ترفاً، ولا الشعارات تُقنع جمهوراً أنهكته…

فراس حج محمد| فلسطين

مقدمة:

أعددتُ هذه المادّة بتقنية الذكاء الاصطناعي (Gemini) ليعيد قراءة الكتاب، هذا الكتاب الشامل لكل النواحي اللغوية التي أفكّر فيها، ولأرى أفكار الكتاب كما تعبّر عنه الخوارزميات الحاسوبية، وكيف تقرأ تلك الأفكار بشكل مستقل، حيث لا عاطفة تربطها بالمؤلف ولا باللغة العربية، فهي أداة تحليل ونقد محايدة، وباردة نسبياً.

إن ما دفعني لهذه الخطوة…