غريب ملا زلال
الميدان الذي يعوم فيه غفور حسين يحتاج إلى الكثير من المغامرة، فهو ميدان بات حكراً على مؤسسيه، فمهما اجتهد الفنان و مهما أبدع يبقى لسطوة الأب وخزها، و غفور دون شك يملك هذه المغامرة و بثقة عالية ينتقل بين ضفافها، و هو من القلائل الذي يشتغلون بهذا الأسلوب، أقصد السيريالية من بين التشكيليين الكورد (زورو متيني، آري بابان ……) فخوضها ليس سهلاً، و لا يقبل الحياد، و لا بد من إستثماره فكرياً، كما لا بد من قبول الإختلاف، فلا يوجد منطق طبيعي فيه، فكل المفاهيم تمضي في علاقات إعتباطية، أقصد ليست طبيعية أزلية إنما عرفية إصطلاحية، لا يترتب عليها غير الحرية التي يتمتع بها الفنان أولاً، و من بعده المتلقي ثانياً، أقول لو لم يكن غفور متمكناً من عتاده، و من أدواته و لو لم يكن كل شيء تحت سيطرته لما ركب موجة هذه المغامرة التي نسميها نحن، و التي قد يراها هو سيراناً أو فسحة لشم النسيم في حقل ما، فهو يؤكد على نحو دائم على الوظيفة الأداتية للغة / لغته بأبعادها المجتمعية و التواصلية و المعرفية و الجمالية، و لهذا فهو يصوغ خلاصاته خدمة لأغراض فنية و معرفية أولاً، و إجتماعية عاشراً، دون أن يثير أي إرباك في جوانبها المختلفة، و يحقق أهدافاً قيمية حين يضيف معنى آخر للمختلف،
و يمكننا ملاحظة ذلك في وقفة صغيرة بين منجزه، غير أن الجديد حقاً في طرحه هو فكرة المختلف ذاتها المرتبطة بإختلاف السياق، فلغته تتضمن أفكاراً و أصواتاً تجلب المعنى من ذاتها، و تخلق ردود أفعال تقوم بالأصل على تناقضات بعضها البعض، و التي تعكس الحالة الحضارية و الفنية للبيئة التي نشأت فيها، و إذا فحصنا على نحو أعمق منجزه سيثبت لنا صحة الإنطباع الذي خرجنا به و الذي يلخص بالكشف عن حضور عمليات أداتها الضوء، و الذي يستخدم لإختراق العمق، و لكسر العلاقة بين الشكل و المضمون، بين الخارج و الداخل، و ما إنتشار البقع المضاءة إلا تجانس بين فضاءاته، و بين المواقع اللونية التي تكسب المنجز بريقاً مندمجاً بخلاصاته المفترضة دائماً، الممنوحة صياغة لأنماط من علاقات تعاقدية يتم بناؤها وفق خيارات ستتحرك بتنقلات بطيئة و متواترة، و بطرق مترابطة و منتظمة، و كل علاقة من هذه العلاقات تحمل من الآثار العاطفية الخاصة المتعلقة بالمعنى ما يمكن أن يشكل وصفها الكلي موضوع بحث بحد ذاته .
من العادة أن يكون تفسير التشكيلات الفنية حساساً يحتاج إلى مفردات عاطفية لتجاوزها، فكيف يكون و نحن أمام بناء من تشكيلات تخص تجربة غفور الذي يربط بينها جميعاً بصيغ مختلفة هي الخاصية الأكثر جمالاً التي يستهلكها غفور و بإفراط بتحريض الآثار الشعورية التي تجعل الترتيبات الصيغية حساسة تصارع و تصالح في الوقت نفسه، فلا مشاهد جاهزة لديه، و لا مسميات، فكل شيء عنده يوحي بوجود تقدير لمعناه أو لمعانيه، و إن كانت عصية على التفسير في أكثر الأحيان، فهو يبدأ بريئاً، يحدق في بياضه، يرافقه في ذلك الغضب حيناً، و الإنجذاب في حين آخر، و إن كان يحاول أن يكون لا مبالياً بكل ما حوله و ما فيه، إلى أن يحين لحظة الإمساك بخيوط الإحتواء، فيغوص في هذا العالم المجنون إلى حد التفتت و الذوبان، منتشراً بأجزائه في دواخل الدائرة علّه يقبض على الروح الذي سيقوض كل المعاني، و يمتص كل الموضوعات دون أن يؤدي ذلك إلى أي إنغلاق أو إلى أية تسويات للمعنى، فيلخص كل ذلك بأمر يقوم على التعددية برمزية تمثيلية قابلة للقراءة لأنها قائمة على المفارقات أصلاً، فسواء كان غفور يؤكد بإستمرار على تغليب الدال على المدلول، أو يوارب للوصول لمنجز لا نهائي فهو يقر بإنغلاق العالم و تلوثه و هذا مرتبط إلى حد كبير بما يفعله من اختزال الفن إلى الحقيقة أو العكس، فكل حركة من عبثه كافية أن تطيح بكل الحقول المرجعية و ما فيها من هوامش و توقيعات، و لكن إصراره على وجود شبكة من الكلام اللا واعي و في اللاواقع و بمحتويات غير محدودة كافية أن ينهض بنصه / منجزه نحو التمايز، و ما كل الأطر و التقسيمات البارزة إلا لجعله كياناً مستقلاً و شيئاً مخصوصاً به و مميزاً في الوقت نفسه .
ثلاثة أعمال هي ما أنجزها غفور حسين في هذا الملتقى، في سيمبوزيوم السليمانية الثالث، ثلاثة أعمال شرع في إنجازها غفور على مدى ثلاثة أيام و هو يهب نفسه للمكان الذي سيجد فيه مخلوقاته، رافضاً التورط في أي نوع من المحاججة التي كانت ستحدد هي له مساراته و هو راقد فيها بإنتظار ما يكشف عنها النقاب، و لكن ركنه إلى الإطمئنان و الوثوق بريشته و بما يختلج في دواخله كبح ما أمكن السقوط في الوهم، واضعاً نفسه رهن فلسفة تخضع لفكرة أسبقية العلامات و الإشارات على المعنى، و هذا ينطبق على منجزه هنا، دافعاً بلاوعيه إلى الإرتقاء بلغته و بالتالي في مشهدية منجزه دون مراوغات لونية، و دون تلويث لأي أصول من أصول الحقيقة، و السؤال الحاسم الذي يدور في خلده من يخضع لمن، من أولاً، هل عليه إخضاع أفكاره و ما ينطوي عليها لضلالات التفسير المتضاربة، أم أنه يزدري بسلطته و يقيم لنفسه طرقاً بديلة للوصول إلى الحكمة الجمالية التي يبغي أي فنان الوصول إليها، فهو ينظر إلى الحركات الفاعلة في سيرورة الفكر نفسه ما هي إلا تمفصلات بلاغية توصله إلى مستوى ما من الكمال الطبيعي الذي لا يخلو من قدرتها على الإستفزاز و الإثارة، و من عملها لا كغرض وحيد، بل كمركز ينظم بإستمرار فوضاه و سيرورات الكشف عنها و عن حمولتها .
غفور حسين
من مواليد جاغر بازار – عامودا 1968 .
قدم أكثر من ( 75 ) معرضاً فردياً و جماعياً في سورية .
حاصل على عدة جوائز .
2006 – 2014 أقيم في تركيا، قدم خلالها عشرة عشرة معارض .
عمل مدرساً لمادة الرسم في ديار بكر .
2014 غادر إلى المانيا، و قدم فيها عشرة معارض :
2016 في ميونيخ .
2017 أربعة معارض في فايهايم .
2017 في بينسبيرغ .
2018 في بوخم .
2019 ثلاثة معارض في فايهام .
يدير مرسم و غاليري اكسفور في فايهايم .