الى عامودا وبقايا صورتها ،عبد اللطيف الحسيني …

د. هجار عبدالله الشكاكي
أنا الرجل الذي لا ظلّ له،أقول لك
ظلالكَ الجريحةُ تناديك أن تنحني عليها لتخيطَ جروحها ،عسى أن يلتئم وهجُ الروحِ المنفيّةِ في غيابها القسريّ ،وتعبها المزدوجِ ،وهي على حافّة البركان وفوهة الجحيم ،وأن تستطيع بقايا الروح رفع هامتها من جديد.
ظلالك الجريحةُ مبعثرة بين شوارع عامودا المحيطة بنار السينما وهي تحترق ،فترى تلك الظلالَ تتلوّى ألماً حتّى ليخالها المرءُ ترقصُ فرحاً ،وهي في ظُلامة كهف الحقد ،أو اللامبالاة ترفض الاستكانة.
ظلالك الجريحة تصرخ عليك كي تعود لتلتقط حبيبات دمك المتناثرة فوق أرصفة الوجع و الأنين ،فمازالت آثارك تدلّ عليك وعلينا وعلى كل المغادرين سأما،أو قهراً ،أو بحثا عن حلم راودكَ/ راودَنا/ راودهُم ،و الحلمُ يرفض أن يغادر الحُلمَ ،ويرفض أن يكون مجرّد عابر سرير.
ظلالك الجريحة،وقد ابتلاها الزمن بأنّها تقطّعت،وباتت مثل شظايا الزجاج ،تمدّ أطرافها الخمسين إلى جسدك لتمنعه المرور إلى شساعة الصحراء الجافّة كعوسجة غاب عنها المطر ألف سنة وألف ربيع ،رافضة رؤيته قطعا مبعثرة أو قطعة في قطيع.
ظلالك الجريحة ،وأنت تنظر في المرآة ،تعيد بناء وجهكَ وملامحَه كما هو،حتّى لا تسرقه المرآة،أو تستبدله حين عوز،أو حين مصلحة،أو حين جوع يغيّب ،علناً ،عند الآخرين بقايا الضمير.
ظلالك الجريحة،رغم تقطّعها بفعل انهيار النور وغزو الظلام،ترفض أن يسود بينها خلافٌ يكاد يُزرعُ،وتُجاهِدُ ذاتها ،كي لا تصبح شكلا مكرّرا لما يشتهيه المندّسون بين أرواحنا وظلالها.
في هذا العتم ورغبات العبادة الإلهية المفروضة جزعا ،فزعا ،مازال مصباحك منيرا طريقك أقلّه ،ليرسم ظلالك وإن كانت جريحة.
الأرواح تسكن حيث تريد ،لكنّها أبدا ترفض الأجداثَ ذات الشاهدة الواحدة ،حتّى لو كانت من مرمر وحرير ،والأجسادَ ذات الشكل الواحد و الرائحة الواحدة ،ولو كانت على رأس القطيع ،الأرواح لا تعرف التصفيق ولا النقيق ولا يدخل في قاموسها معنى نموت نحن ويحيى الرفيق.
لذلك فلا موت يستطيع أن يخطف تلكم الأرواح ولو نامت على سكّة قطار قادم أو على أي طريق.
وهل تعتبر ظلالك ،ورغم جروحها ،ضعيفة أو تستكين ،انظر خلفك،أو أمامك،لترى الفزع في عيونهم ،لتجد قلوبهم تكاد تركض من صدورهم ،ظلالك الجريحة تزرع فيهم خوفا باردا ،يقّطّع عن وجوههم الأقنعة ،وينحبس لسانهم عن الكلام فتراهم عن رؤية ظلالك يتغافلون ،أعرفتهم ؟ إنّهم المرتعبون.
كل الوجوه لا تتشابه ،عبثا يحاول ذلك المُرتعِب المُرتَعبُ من ظلالك الجريحة أن يغيّر وجهه ،فهو كل صباح ينظر في المرآة مشبّها وجهه بوجه الإله ،ويدهن شعيراته القليلة التي تعتلي شفته الممطوطة كبلهاء رأت وجهها لأوّل مرّة في المرآة منذ سنين ،بزيت اللوز ،عسى أن يشبه الإله ،تخونه المرآة ،تُهينه ،وببساطة ينسى أن الأصوات لا تتغيّر بمساحيق التجميل ،كما الوجوه ،فيخرج المرتَعَبُ مُرتعِباً،وقد اضمحلّت ذاته إلى حضيض ،فزعا ليعلن للجميع ولاءه النهائي لإله عصيّ على التشبيه ،عسى يرتضيه الإله ،مستعينا به عليك ،وأنت تستمع بكأس شاي على دكّة منزلك الأثير.
ظلالك ،وإن كانت جريحة ،فهي ظلال عبد اللطيف الحسيني.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

د. فاضل محمود

رنّ هاتفي، وعلى الطرف الآخر كانت فتاة. من نبرة صوتها أدركتُ أنها في مقتبل العمر. كانت تتحدث، وأنفاسها تتقطّع بين كلمةٍ وأخرى، وكان ارتباكها واضحًا.

من خلال حديثها الخجول، كان الخوف والتردّد يخترقان كلماتها، وكأن كل كلمة تختنق في حنجرتها، وكلُّ حرفٍ يكاد أن يتحطّم قبل أن يكتمل، لدرجةٍ خُيِّلَ إليَّ أنها…

سندس النجار

على مفارق السنين
التقينا ،
فازهرت المدائن
واستيقظ الخزامى
من غفوته العميقة
في دفق الشرايين ..
حين دخلنا جنائن البيلسان
ولمست اياديه يدي
غنى الحب على الافنان
باركتنا الفراشات
ورقصت العصافير
صادحة على غصون البان ..
غطتنا داليات العنب
فاحرقنا الليل بدفئ الحنين
ومن ندى الوجد
ملأنا جِرار الروح
نبيذا معتقا
ومن البرزخ
كوثرا وبريقا ..
واخيرا ..
افاقتنا مناقير حلم
ينزف دمعا ودما
كشمس الغروب …

خلات عمر

لم تكن البداية استثناءً،,, بل كانت كغيرها من حكايات القرى: رجل متعلّم، خريج شريعة، يكسو مظهره الوقار، ويلقى احترام الناس لأنه “إمام مسجد”. اختار أن يتزوّج فتاة لم تكمل الإعدادية من عمرها الدراسي، طفلة بيضاء شقراء، لا تعرف من الدنيا سوى براءة السنوات الأولى. كانت في عمر الورد حين حملت على كتفيها…

عصمت شاهين دوسكي

* يا تُرى كيف يكون وِصالُ الحبيبةِ، والحُبُّ بالتَّسَوُّلِ ؟
*الحياةِ تَطغى عليها المادّةُ لِتَحُو كُلَّ شيءٍ جميلٍ.
* الأدبُ الكُرديُّ… أدبٌ شاملٌِّ آدابِ العالمِ.

الأدبُ الكُرديُّ… أدبٌ شاملٌ مجدِّ آدابِ العالَمِ… يَتَفَوَّقُ هُنا وَهُناكَ، فَيَغدو ألمانية الشَّمسِ… تُبِعِثُ دِفئَها ونورَها إلى الصُّدورِ… الشِّعرُ خاصَّةً… هذا لا يعني أنه ليس هناك تَفَوُّقٌ في الجاوانبِ الأدبيَّةيَّةُِ الأخرى،…