خزيمة علواني و مشروعية إستحضار مخلوقات طويلة الأجل

 

غريب ملا  زلال

” هذا أنا، لا يمكن لأحد أن يملي علي ما ينبغي رسمه، أنا أرسم و بإمكانكم بالتالي نقد لوحاتي، لكنه سيأتي متأخراً و لا محل لها من الإعراب لأني عبرت عما أريد و أرغب، و عملي سبق رأيكم و ولى .. ” مقولة لمان ريه يرددها خزيمة علواني في أكثر من مكان و كأنها تلخص موقفه من العملية الفنية و بلهجة فيها اللامبالاة من رأي الآخر، الأهم أنه الخالق و على الآخر أن يبدي رأيه بمخلوقاته كما يشاء، ولن يلتفت إليها مهما قيل، فهو يطرح نفسه كصاحب معايير خاصة في عملية الخلق و بمقاييس متجاوزة لرؤية مسبقة كانت متداولة جداً في الوسط التشكيلي، فهو يعبر عن إتجاه مختلف و بأسلوب مختلف تمكن القارئ من تشكيل فكرة ما عن فنه و عن مخلوقاته و عن مدى سيطرته على ذاكرته، فأعماله تحظى بإدهاش المتلقي مهما كانت سويته، لا بد أن يقرأها بلغته التي يتقنها هو لا الفنان، و إن كان الفنان هنا يستأثرها وفق إيقاع غرائبي تنبعث منها دوائر من اللاوعي الإنساني تدور حوله و به حتى في أقصى درجاتها، 
فخزيمة يجعل من عمله عمليات الدفاع عن قيم ظلت تعيش سجينة الذاكرة التي باتت في خلخلة قد لا تستجيب في الحياة الطبيعية و لا على عتبات المرحلة، بل في السياق غير الآني و ببعض التفاصيل لحركات مخلوقاته التي يحتاجها خزيمة لإعادة تقييم أدوار العلاقة بين إبداعه و تحولات مشروعه الإنساني، فمن الواجب هنا أن نضيفه إلى قائمة العناوين المهمة في المشهد التشكيلي السوري فإن كان من مؤسسيها ومن روادها فهو أيضاً من أهم الفاعلين في تحريكها و من أهم الإمكانات المؤثرة فيها و في الكثير من الأسماء التي باتت بيارق على إمتداد الجهات .
و يمكننا أن ننتبه قليلاً و نحن نفتح الأبواب على مخلوقات خزيمة، فهي تتكىء على إحتمالات منجزاته بوصفها بيئة بحثه و أحد أسباب خياراته و على وجه الخصوص حين يعزز فعله الفني في الأداء و التحريك معاً ضد القبح الإنساني الذي حوله يدور كل إشكالياته و إشكاليات مخلوقاته، و هنا يستوقفنا تلميحات خزيمة الكثيرة و البالغة الأهمية و بأن خيالاته المنشطرة عن ملخصات مخلوقاته ماهي إلا إعادة ترتيب لتفاصيل سرودها، البصرية منها، و الموحية و المشجعة على البحث بدقة و بعمق لكل عناصر مشهده و لكل تفاصيلها التي تحكي الفعل الإبداعي بإنتقالات الزمان و المكان و بأشكال أسطورية حاضرة بتعاظم في شريطه البصري الذي يتأرجح بين سيريالية تؤكد تقاطعها بتجارب تركت أثرها في المشهد التشكيلي الإنساني و بين رمزية تُعيد إلينا ذاكرة بعلامات تحت سيطرة التأويل المفتوح و بين تعبيرية تمنحه كل مشروعية إستحضار مخلوقات طويلة الأجل .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

قبل أيام، أعلمتني رفيقة دربي، أن السيدة ستية إبراهيم أحمد دوركي، وهي والدة الصديق والحقوقي فرمان بونجق هفيركي، قد وُدّعت من دنياها. قبل يومين، أعلمتني ابنتي سولين من ألمانيا، أن صديقتها نرمين برزو محمود، قد ودّعت هي الأخرى من دنياها، لتصبح الاثنتان في عالم الغيب. في الحالتين ثمة مأساة، فجيعة. هما وجهان يتقابلان، يتكاملان،…

أحمد آلوجي

من بين الشخصيات العامودية التي تركت بصمة عميقة في ذاكرتي، أولئك الذين منحوا فنهم جلَّ اهتمامهم وإبداعهم، لا سيّما في المناسبات القومية واحتفالات نوروز التي كانت دائمًا رمزًا للتجدد والحياة. ويبرز بينهم الراحل الفذ مصطفى خانو، الذي أغنى المسرح الكردي بعطائه وإحساسه الفني الرفيع، فاستطاع أن يجذب الجماهير بموهبته الصادقة وحبه الكبير…

آهين أوسو

لم يكن يوما عاديا ،نعم فترة من التوتروالقلق مررنا بها.

إنه آذار المشؤوم كعادته لايحمل سوى الألم .

استيقظت صبيحة ذاك اليوم على حركة غير طبيعية في أصابع يدي ،ماهذا يا إلهي ،أصابعي تتحرك كأنها مخلوقات حية تحاول الهروب من تحت اللحاف ،هممت بالجلوس في فراشي اتحسس يدي ،نعم إنها أصابعي التي تتحرك لاشيء…

(ولاتي مه – خاص):
على امتداد أكثر من خمسة عقود، يمضي الفنان والمناضل شفكر هوفاك في مسيرة حافلة تجمع بين الكلمة الثورية واللحن الصادق، ليغدو أحد أبرز الأصوات التي عبرت بصدق عن آلام الشعب الكردي وأحلامه بالحرية والكرامة.
منذ انخراطه المبكر في صفوف الحزب الديمقراطي الكردستاني في سبعينيات القرن الماضي، ظل شفكر وفيا لنهجه…