قصائد في العنصرية *

النقل عن الفرنسية مع التقديم : إبراهيم محمود
 التقديم
” العنصري هو من يقول بالعنصرية ” العبارة التي قالها أحدهم ذات يوم، ولكنها العبارة التي نشهد تداولها في مستويات مختلفة، وبصيغ مختلفة في أدبيات العالم مذ  وجد. العنصرية في كما وكيفها، في شكلها، ولونها، وطرق التعبير عنها، وفي مجسّدها، تشكل تلوينات لافتة بخلفياتها الاجتماعية، السياسية، الفكرية، الفلسفية، الدينية، النفسية والأخلاقية، بمقدار ما أنها محسوسة في العلاقات اليومية، وحتى في الأحاديث العادية، في الحركات والإيماءات، وتلك الإشارات التي يعرفها من يعيشها أو يدقّق في بنيتها، من أصناف السخرية، الهزء، والتهكم، وفيما نقرأه في طيات الكتب، ونلتقطه من أخبار، ونتعرف عليه في مواقع التواصل الاجتاعي، في ” التيك توكات ” وما يُضخ من صور وتعابير وأصوات ودلالاتها في اليوتوبيات المتعددة المصادر، وفي الصفحات الفيسبوكية، وفي اللباس الذي يرتديه أحدهم، أو طرف ما، تعبيراً عن انتماء معين، من باب التمايز، وما يسهل التعرف عليه في أصول اللغات البشرية وتبايناتها، وكيفية العمل بها.
حتى في تلك النصوص المعتبَرة أدبية، أو ملحمية، أو جمالية، أو ثقافية يُعتد بها، وفي فنون مرئية وموسيقية وغنائية واسكتشات، وسيمفونيات لها صداها، يمكن للمتابع أن يتلمس حضوراً صادماً لها فيها.
ما الحرب، ما الدسيسة، ما أشكال التطرف بأبعادها الهائلة، إلا ضروب متنامية من العنصرية عينها.
وعالم اليوم، جرّاء متغيراته هو الأكثر شهوداً بذلك وعلى ذلك، جرّاء تنقلات حدودية، وهجرات، ومعايشات على أصعدة مختلفة، تعبيراً عن مؤثرات شاهدة على هذا الانتشار  المتعدد المرامي.
أكثر من ذلك، ولكي نكون على بيّنة لها حقيقة ربما لا نعيرها انتباهاً يليق بها، هو أن العنصرية تسمّي الآخر في انتمائه الجنسي، النوعي، الديني، الطائفي، المذهبي والقومي…إلخ، بمقدار ما تسّمي المجتمع البشري الواحد في نطاق قومي معلوم، أو معتقد ديني، أو سياق حزبي، أو تنظيم سياسي، أو ثقافي، أو حركة اجتماعية، أو على مستوى جامعي، أو مدرسي، أو مؤسسة تربوية، أو مركز بحثي…إلخ، جهة التراتبيات في العلاقات، وتلك النمطية في بنية العلاقات هذه وأنسابها العائلية والاجتماعية وغيرها..
إنها حالات من التعرية المرة والموجعة، نتلمسها فيما بيننا، نحن ” أخوة الدم الواحد” كما يقال، في أوجه التفرقة والتفريق القائمة والموجهة، ومن خلال التوترات التي تترجم في حياتنا هنا وهناك.
ما هذه النصوص الشعرية التي نقلتها عن الفرنسية، إلا نماذج تتصادى وتتآخى معاً، في مرجعياتها الاجتماعية، السياسية، العرقية، الدينية، واللونية وغيرها، ربما لمعايشة المتعة الجمالية فيها، وفي الوقت نفسه، ولمن يمتلك ذلك الشعور المفعم بالثراء النفسي، التعرف على جانب من الحضور لهذه العنصرية التي نعيشها، نسقطها على الآخر، وربما على أقرب المقربين إلينا في لحظة ما، ونغفل عنها في قولنا وفعلنا، في مضمار أهواء النفس، ميولها، تصرفاتها، وتخيلاتها، والنظرة إليها وتقويمها، وفي أكثر الحالات الداعية إلى الصفاء النفسي والسلام الأهلي، ومصادقة الذات وصراحتها.
1-جان بيير سيمون: الفْرق Jean Pierre Siméon :La différence
لكل واحد فم واحد وعينان ويدان ورجلان
لا شيء يشبه إنساناً أكثر من إنسان آخر
فبين الفم الذي يتألم والفم الذي يعزي
بين العيون التي تدين والعيون التي تنير
بين الأيدي التي تعطي والأيدي التي تأخذ
بين الخطوة التي لا أثر لها والخطوات التي ترشد
أين هو الفرق
الفرق الغامض؟
***
2-إدمون جابيس: قال لي : Edmond Jabès: Il m’a dit
قال لي :
عرقي هو العرق الأصفر.
أجبت :
أنا من عرقك.
قال لي:
عرقي أسود.
أجبت :
أنا من عرقك.
قال لي :
عرقي أبيض.
أجبت:
أنا من عرقك.
لأن شمسي كانت النجمة الصفراء
لاني قد غمرني الليل.
لنفسي مثل حجر الشريعة
يكون أبيض.
***
3-أمينة سعيد: لحاء النخيل الخشن: Amina Saïd : La rude écorce des paumes
يسعى إلى حدود العالم
خلف أنظار العدم المسكونة
ملاحظات لقصيدة
مفارقات الألوان النصفية
في كل لحظة
شخص يلوح
في أي وقت شخص ما
يواجه دواره
يكتشف نفسه في لحظة
في كل لحظة
شخص ما يراقب في الليل
وأحلم بزرقة الكلمات
في أي وقت شخص ما
السير في قصيدته
شخص يلوح
شخص يتردد بين مكانين
بجميع اللغات
يرتجف طائر مغادر
أو ربما سفينة
بجميع اللغات
الحب يفتح الأفق
***
4-أندريه شديد: أنت أنا Andrée Chédid : Toi-Moi
بوساطة كوكب الكون
الكون بأقصى سرعة
بوساطة عالم الطائرات بدون طيار
في كل خلية من خلايا الجسم
عبْر الكلمات الجاري إنشاؤها
بهذه الكلمة المخنوقة
من طليعة الحاضر
برياح الخلود
بهذا الميلاد الذي يمنحنا العالم
بهذا الموت الذي يراوغه
بهذه الحياة
أكثر ضجيجاً من أي شيء يتصور.
أنت
أيا كنت !
أنا أقرب إليك من الغريب.
***
5-المثل التبتي: بعيداً Proverbe tibétain: Au loin
نظرت بعيداً
رأيت شيئاً يتحرك
اقتربت
رأيت حيواناً
اقتربت مرة أخرى
رأيت إنساناً
اقتربت مرة أخرى
رأيت أنه أخي
***
6-رينيه فيلومبي: الإنسان الذي يشبهك  René Philombe: L””””homme qui te ressemble 
طرقت بابك
لقد طرقت على قلبك
لماذا تدفعني بعيداً؟
افتح لي يا أخي.
لماذا تسالني
سُمْك شفتي
طول أنفي
لون بشرتي
واسم آلهتي؟
افتح لي يا أخي.
لماذا تسالني
إذا أنا من أفريقيا
إذا أنا من أمريكا
إذا أنا من آسيا
إذا أنا من أورُبا؟
افتح لي يا أخي.
أنا لست أسود
أنا لست أحمر
أنا لست شخصًا أبيض،
أنا لست الإنسان الأصفر.
افتح لي يا أخي
ما أنا إلا إنسان،
إنسان كل السماوات،
إنسان كل العصور,
الإنسان ألذي يشبهك :
افتح لي يا أخي.
***
7-تشارلز إل أندرسون: سؤال:  Charles L. Anderson: Question
العم سام، أنا أسود من ولاية ألاباما
لقد طلبت مني أن آخذ هذا السلاح
من أجلك والحرية
لكن العم سام، ماذا عني؟
أنا رجل أسود من ألاباما
وإذا عدت من هذه الحرب من أجل الحرية
هل يمكنني أن آخذ بعضًا منه إلى منزلي في ألاباما؟»
تشارلز إل أندرسون
***
8-آلان بوسكيه: الرجل المتحضر: Alain Bosquet :L’homme civilisé
لقد قتلتُ يهوداً بالغاز: إنهم عرق فظيع،
وصرفتُ انتباهي بالاستماع إلى موزارت.
وأطلقتُ النار على الحزبيين: إنه غباء،
وشممتُ الورد بهذا الحب!
وشطَّرتُ العربيَّ: دابة الحمل،
ثم أضع هدايا حول رقبة كلبتي؛
ودفنت الأرمن أحياء: الأتراك
كان صحيحاً! ثم فكرت في تينتوريتو،
في فيلاسكيز، في زورباران. لقد استعدت
الزنجي: هل كان لطيفًا بصلصة نبيذه!
وعلى شاطئ البحر أعدتُ قراءة جان راسين.
وقمتُ برش الفيتناميين بهذا النابالم
مما يقللهم إلى ما هم عليه: عدد قليل من قمل الخشب،
وغنيتُ أغنية الرجل المتحضر.
***
9-ميشيل فواتورييه: من مكان آخر ومن هنا  Michel Voiturier: D’ailleurs et d’ici 
يتلعثم عليّ في لغته الفرنسية
يحلم  جوزيبّي بالشمس
يلوح كاسونجو بالتميمة
أماليا تضحك بشفتيها الفلفليتين
يتململ خوسيه السامبا
في الفناء
انفجروا في الضحك الواضح
على الحجلة المرسومة
وأنا بينوا
في زاويتي وحيدٌ
حيث الظل يصبح باردا
أنا بسْط مصاصة
لأن والدي
يعتقد أن الملوك هم من البيض
***
10-ليوبولد سيدار سينغور: أخي الكريم الأبيض
Léopold Sédar Senghor :Cher Frère Blanc  
عندما كبرتُ كنتُ أسود،
عندما أكون في الشمس، أكون أسود،
عندما أمرض، أكون أسود،
عندما أموت، سأكون أسود.
أمّا أنت أيها الإنسان الأبيض،
عندما ولدتَ كان لونك وردياً
عندما كبرت كنتَ أبيض،
عندما تذهب إلى الشمس، أنتَ أحمر،
عندما تكون باردًا، يكون لونك أزرق،
عندما تخاف، أنتَ أخضر،
عندما تكون مريضاً، يكون لونك أصفر،
عندما تموت، سيكون لونك رماديا.
لذا، نحن الإثنان بيننا،
من هو الإنسان الملون؟
***
11-خورخي كاريرا أندرادي: مفتاح النار:  Jorge Carrera Andrade :La clé du feu
أجناس من الناس الذليلين ممَّن يسكنون أرضي،
أجناس الكبرياء والشمس والبركان،
أجناس البرق أيضاً حتى متى تذل؟
السلالات الوديعة
النار العنصرية!
يمكنك الاحتفاظ بشرارة في الذاكرة
في كل فاكهة، في كل حشرة،
كل ريشة،
في الصبار حيث ينزف جرحه إلى الأقمار،
في أرقّ المعادن. قطعة
في الزهور، الثيران،
الديوك والخيول.
تتزلج عليك الشمس بسرعة
وجوه جميلة مع الجلد المطبوخ،
جافة ومتجعدة مثل الجدران.
سباق محترق بملامح صلبة ،
أنت عرْقي، أنت واحد
من النار.
لدي مفتاح النار الطبيعية السلمية.
أي أقفالها.
مفتاح الرمان، الحب، الخشخاش،
من الياقوتة البدائية والفلفل الكوني،
المفتاح السحري الذي يدفئ يدي، المفتاح الشمسي.
وأمدُّها إلى الإنسانية بلا حدود،
لمن يريد ذلك،
مفتاح النار.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…