أشياؤها الخمس [محاولة رثاءِ امرأةٍ ضاعت في جنون الحرب]

فراس حج محمد| فلسطين

أشياؤها الخمسُ التي جادت بها في هبة الأقدارْ
في هدأة الأسحارْ
ورسائل الجوالِ
وساعة الوقت المعارْ
والصورتان حبيبتانْ
تعطي وعود الانتظارْ
والصورتان هديتانْ،
صلبت شعورا في المدارْ
****
سيل من الكلمات في أحلى مساءْ
يروي الفؤاد بكأس لحن صائغ جملاً
تناديني تعالْ
أصواتها الخمسةْ
غنت بها أحلى أغاني الحب في وقت يسليني مع التذكارْ
يا صوتها الشادي بلابل أو كنارْ
يا صوتها المتهدل النادي شعاعا مستطارْ
يا ليلها العذب الشهي الكامل الأحلام في أهدى انبهارْ
يا فجرها المبتل بالسعد الجميلِ،
يقول ما يهدي الفراش إلى مسافات النهارْ
وتحوم في أفق الأشعة والمزارْ
****
منحت شقائي في المدى معنى جديدْ
صاغت تولهيَ القديمْ،
بجنونها أحلى قصيدْ
كانت تغيّر فيّ عاداتي بكل ثانية الوريدْ
كانت تعدّ أحلامي على بسط الجمال كأنها أبد الأبيدْ
كانت تقولُ، تكتبُ، تستهدي العبارةَ في النشيدْ
كانت تصوغ الحرف مشتركا 
فيحنو الصوت مشتاقا سعيدْ 
كانت تعد القادم الآتي بآمال الهوى،
وكأنها في يوم عيدْ
كانت وكانت
والفعل لم يحدثْ
لأنه وهم شريدْ
****
في هبة الريح الخفيفْ
نسفت سعود القلب والحب الرهيفْ
في حمأة الشر العنيفْ
هربت تسافر في المدى، 
فتشرذمت لغة المحب على الرصيفْ 
لملمت نفسي، واستعارتني الحكاية في مداها، 
فتمردت لغتي على مسافات الطرقْ
وتسالخت ريقا يجف النبعُ في 
سعف الومقْ
****
زمني تقهقر وانتكسْ
ما عاد يحملني النفسْ
وتشنجت لغتي، وأشعاري يبسْ
لم يبقَ منها غير أشياءٍ تراودني بهمسْ
وتختلس الرواية في الغلسْ
مفتحة على الذكرى، وذِكْرٍ قد درسْ
لم يبق منها غير أطياف تمرّ، 
فتطحن الأعصابَ، تذروني خريفا منكسرْ
****
لم يبق منها غير حلم منصهرْ
لم يبق منها غير وهم قاطع أسباب عمرْ
لم يبق مني غير قلب مثل “نخل منقعر”
لم يبق مني غيرها،
فَلَكَمْ أكذّب ما حدثْ
فلعله حلما يمرْ
هل يا ترى “كانت” تحولُ الفعل حبا يستعرْ
****
يا ليتني، يا ليتها
يكفي ضياعي المستمرْ
يكفينيَ المرّ الأمرْ
يكفينيَ اليأس الأحدُّ من الإبرْ
يكفينيَ الخطر الخطير، الخاطرُ
المسطور في أعتى قدرْ
يكفينيَ الموت الأشرْ
يا ليتني يا ليتها
نصلى بنيران المحبة في سمرْ
يا ليتها تحنو تعود إلى السهرْ
نحدو، نغني، نكتب الشعر المسيل على وترْ
يا ليتها يا ليتني، تعطي الضياء إلى القمرْ
لتقول آخر جملة في آخر السطر المضاء بلا خجل:
“تِسْلَمْ حبيبي، يا تاجَ عمري، ويا أحلى عمُرْ”
****
يكفي ويكفي أن ترد بكل يوم في عجالة أمرها
بـ “صباح خيْرْ”
يكفي ويكفي أن تمر وتبتسمْ
بملامح الوجه المورد كالزهرْ
يحيي مواتي واللظى يغدو سلاما منتشرْ
يكفي ويكفي أن أظل بقلبها 
حبا قديما يرتوي بعبير طهرْ

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

مصطفى عبدالملك الصميدي/اليمن*

تُعدّ ترجمةُ الشَّعر رحلة مُتفَرِّدة تُشبه كثيراً محاولة الإمساك بالنسيم قبل أن يختفي سليلهُ بين فروج الأصابع، بل وأكثر من أن تكون رسماً خَرائِطياً لألوانٍ لا تُرى بين نَدأَةِ الشروق وشفق الغروب، وما يتشكل من خلال المسافة بينهما، هو ما نسميه بحياكة الظلال؛ أي برسم لوحة المعاني الكامنه وراء النص بقالبه…

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

تَتميَّز الرُّوحَانِيَّةُ عِندَ الكاتب اللبناني الأمريكي جُبْرَان خَليل جُبْرَان ( 1883_ 1931 ) بِعُمْقِها الفَلسفيِّ، وقُدرتِها عَلى تَجاوزِ الماديَّاتِ ، والتَّعبيرِ عَن الحَنينِ إلى مَا هُوَ أسْمَى وأرْقَى في النَّفْسِ البشرية . وَهُوَ يَرى أنَّ الرُّوحَانِيَّة لَيْسَتْ مُجرَّد شُعورٍ أوْ طُقوسٍ تقليدية ، بَلْ هِيَ حالةُ وَعْيٍ مُتكاملة…

ابراهيم البليهي

من أبرز الشواهد على إخفاق التعليم الذي لا يقوم على التفاعل الجياش عجزُ الدارسين عن اكتساب السليقة النحوية للغة العربية فالطلاب يحفظون القاعدة والمثال فينجحون في الامتحان لكنهم يبقون عاجزين عن إتقان التحدث أو القراءة من دون لحن إن هذا الخلل ليس خاصا باللغة بل يشمل كل المواد فالمعلومات تختلف نوعيا عن الممارسة…

خلات عمر

لم يكن الطفل قد فهم بعد معنى الانفصال، ولا يدرك لماذا غابت أمّه فجأة عن البيت الذي كان يمتلئ بحنانها. خمس سنوات فقط، عمر صغير لا يسع حجم الفقد، لكن قلبه كان واسعًا بما يكفي ليحمل حبًّا لا يشبه حبًّا آخر.

بعد سنواتٍ من الظلم والقسوة، وبعد أن ضاقت الأم ذرعًا بتصرفات الأب…