الطريق إلى معرض أربيل الدولي للكتاب

إبراهيم محمود

الطريق يمتد بين إحداثية مكانية وأخرى. العلاقات مسافات قائمة بين إحداثيات مكانية لها معانيها ودلالاتها. في معرض أربيل الدولي للكتاب، ثمة طريق يبعدني عنه مسافة، تستغرق قرابة ساعتين. الساعة علاقة زمانية، تستغرقها أفكار وتصورات. بالنسبة للمعني بالكتاب، لذي يعيش أوجاعه ومتاعبه، ويقدّر دسمه وزبدته، يعرف العلامة الفارقة له جهة المكانة.
انطلاقتي من دهوك التي انسكنتُ بها منذ إحدى عشرة سنة. بصمة مرئية في القلب. في الطريق المؤرَّخ له نيسانياً، وحيث السماء تحفّز على النظر في الجهات الأربع استجابة لرغبات الروح.
هذه الإحداثية المأخوذة بالمسافة تمنح المسافر في الطريق المعبَّد بصورة مريحة، تدشّن في واعية المسافر أفكاراً، رؤى مستقبلية، حوارات ذاتية، وصفاء المحيط اللامرئي يبارك بدعة العلاقة هذه.
أبتعد عن دهوك، وأقترب من هولير” أربيل ” التحرك المكاني صورة شعرية لعلاقات، أو معايشة مع مفارقات تثيرها الأجسام المرئية على الطريق وعلى جهتيه .
أحياناً تكون الأحاديث الجانبية مع السائق والركاب مثيرة، ولافتة، وتترك بصمتها هي الأخرى في الذاكرة، بمقدار ما تولّد لدى المنفتح بكامل روحه على حالات كهذه، ما ينمّي فيه روحه بعمق.
الاستراحة
ثمة دائماً استراحات على الطريق. متباينة في مواقعها، أشكالها، محتوياتها، مستواها الخدمي. حيث تتنوع الأطعمة والأشربة” شاي، قهوة ” والمعجنات والعصائر والماء المعلب. هناك إمكان لالتقاط الأنفاس، لإراحة الجسم أحياناً، وتنفس الهواء. 
إنما لا بد من الحذر الشديد، في الانفتاح على الاستراحات هذه، بالنسبة لمن يجدون شهية في تناول الطعام أو تناول الحلويات فيها. لا بد من التدقيق في المأكول والمشروب. كلمة” استراحة ” قد لا تكون ضامنة لمعناها. في حالات الذهاب والإياب الكثيرة، لكم استغربت من أولئك الذين يتناولون الأطعمة هنا بشهية فائقة. دون أي حساب للتبعات. كما لو أنهم يحملون بكتيريات خاصة تمارس دورها على أكمل وجه في الحيلولة دون التسمم أو التعرض لأي خطر جرّاء هذه الشهية المرئية.

في معرض الكتاب

الكتاب أمم وشعوب وملل ونِحل. أقوام، وجماعات، رغبات متفاوتة. أسواق أفكار، تدشّن لعوالمها في فسحة واحدة. لكل كتاب أفقه الفكري، النقدي، والمعتقدي.. المعرض حيادي من هذا المنطلق. إنه سوق مفتوحة، والتركيز على الطابع الثقافي المحض، والإفصاح عن وجود تنوير ثقافي إزاء إقامة معرض للكتاب، لا هنا ولا في أي مكان آخر، ليس في محله طبعاً. هناك توافقات، توازنات، حسابات، تدقيقات، وتعليمات، وحتى حالات تشدد، تخص المكان ومحيطه. جهة الكتاب وصنفه.
في مقدور المعني بالكتاب مكاشفة الكثير مما يخص الكتاب. ما يسهم في وضع كتاب على خلفية دورية لكل معرض، في مستجداته، وفي أنشطته، وأولئك الذين يترددون عليه، وطبيعة الكافتيريا والمطعم اللذين يخصان المعرض، بحسابات متفق عليها.
ما أكثر الذين رأيتهم البارحة ” الجمعة: 19 نيسان 2024 ” وهم يتحركون في الممرات أو الفواصل بين أجنحة المعرض، ويصخبون أحياناً، ويلتقطون من الصور الكثير. وفي جهة المطعم أو الكافتيريا، حيث علقت لائحة ” الكتاب والقهوة ” لأجد غياباً معلوماً للكتاب. ثمة بعد إعلاني هنا.
كما لو أن هؤلاء الذين تنفتح شهيتهم للطعام والمعجنات والاشربة والعصائر، وبأسعار لا يستهان فيها، يمارسون نوعاً من الكيدية مع الكتاب، والنظر إليه كما لو أنه مستَخف به .
يشعر الجالس هناك، حال شعوري، بمشاعر متناقضة، وهو في وسط جاء إلى هنا لينحّي فكرة المعرض ذات الصلة المباشرة بالكتاب بالمتوخى منه. الجلوس حالة اضطرارية. والأنشطة التي تتم بعناوينها الثقافية لا تحمل ذلك الثقل النوعي، وتشد الانتباه جرّاء هذا اللاتكافؤ في العلاقات.
دور نشر كثيرة لم أجدها في المعرض، لأسباب ذات صلة بالوضع المادي. هناك أجنحة تشهد إقبالاً لافتاً عليها ذات ميزة دينية. لا اعتراض على ذلك، إنما ماذا يجري في العمق بالمقابل؟
زرت بعض الأجنحة، ولم أتوقف فيها كثيراً. لكم واسيت واقع حال الكتاب، وما يتخوَّف منه تالياً.
محنة الكتاب محنة كل كاتب يقدّر مكانة الكتاب في التاريخ، وما أصعب أن يكون أحدنا كاتباً، ليعيش هذه المعاناة، وهو يسمع ما لا يُسمع كثيراً، كما لو مشاهدة مشارك ثقافياً بغية الفرجة فقط.
تُرى، كيف سيكون لقائي لتلفزيوني المشترك يوم الجمعة القادم ” 26 نيسان 2024 ” هنا في المعرض، وعلى منصة تحتل مساحة واسعة بجوار الكافتيريا والمطعم؟
لم يكن لدي ميل لرؤية من كنت أريد لقاءهم. لقاءات محدودة كانت.. 
رغم ذلك، وأنا أخرج من المعرض، وأنا أدير لظهري لأربيل الجميلة، لم أستطع تنحية فكرة الطريق إلى المعرض، وإلى الكتاب، وقادم الكتاب رغم كل الملاحظات. رهان مصيري في العمق!
الطريق الذي سلكته منذ عقود من الزمان، يظهر أنه سيمتد بي إلى حيث تكون الحياة وأبعد.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

فراس حج محمد| فلسطين

رواية “أنيموس” للكاتبة صفاء أبو خضرة، الصادرة في عام 2018 أول عمل روائي منشور لها بعد مسيرة إبداعية ركزت فيها على الشعر ونصوصه، ويعدّ هذا العمل السردي إضافة نوعية جريئة ومؤسسة في المشهد الروائي العربي المعاصر، ويتناول بعمق وألم قضية الهوية المفقودة والتشظي النفسي، متمحورة حول شخصية “تيم”؛ ذلك الطفل الذي يواجه…

فواز عبدي

بداية لابد من القول أن أية لغة تنشأ بنظام صوتي وإشاري بسيط يتطور تدريجياً. ومن اللغات ما تجد الأجواء المناسبة فتزدهر وتنمو كشجرة عملاقة، ومنها ما تتحول إلى لهجات متعددة وتتلاشى تدريجياً.. وذلك وفقاً للمجتمعات التي تتكلم بها..

أما عوامل تطور أو اندثار اللغة فليست موضوع بحثنا الآن. ما يهمنا هو وضع اللغة…

زاهد العلواني آل حقي

لي ملاحظة وتوجيه كريم إلى من يسمّون أنفسهم اليوم بـ “رؤساء العشائر”.

وبحكم الدور التاريخي للسادة العلوانيين آل حقي في جزيرة بوهتان منذ عام 1514م وإلى يومنا هذا، والدور الديني والاجتماعي والإصلاحي الذي اضطلعوا به بين العشائر الكردية في جزيرة بوهتان قديماً، وبين العرب والكرد حديثاً، في ظلّ الخلافة العثمانية التي حكمت المنطقة…

ا. د. قاسم المندلاوي

يؤكد علماء التربية على اهمية التعاون بين البيت والمدرسة بهدف النهوض الافضل بمستوى التلامذة. ولو تابعنا المشهد اليومي لوضع البيت والانشطة التي تجري داخل المدرسة لوجدنا اختلافا بين الجانبين.

هناك اتهام من قبل المدرسة على غياب اولياء الامور وابتعادهم عن المساهمة الجادة للجوانب…