يوم « السَّفْرة »

إبراهيم محمود

تنويه :ما هو مكتوب هنا، في عدة عناوين يكون في نطاق المسمى بـ ” الإخوانيات ” وما في الكلمة هذه من توادد وانفتاح على الطبيعة، ومرح ودعابة. هي حالات متسلسلة، أردتها تذكيراً بما عشناه في هذا اليوم، حيث ” السفْرة ” تقابل” النزهة، أو بالكردية ” Seyran ” ومن خلال أصحاب وزملاء العمل والثقافة في مركز بيشكجي للدراسات الإنسانية- جامعة دهوك، وبحضور البروفيسور الدكتور والباحث التاريخي الكردي المعروف عبدالفتاح بوتاني ضيفاً عزيزاً . وثمة ما هو طريف أردته مؤثّراً في كتاب نص يضفي على السفرة جمالية أخرى” حدث بنشرة دولاب سيارة زميل لنا قبل الخروج من دهوك، وتأخرنا لبعض الوقت “. ومتابعة الطريق إلى النهاية والعودة مساء “
إليهم أهدي ما هو مكتوب هنا:
في الحديقة
” كتب هذا النص في حديقة كلية العلوم الصحية، قبل الانطلاق، وقد تجمعنا هناك، ومن خلال شعور نفسي معين، وأنا أخاطب صديقاً عزيزاً لم يعد موجوداً “
” في حديقة كلية العلوم الصحية “
شجر يمد ظله إلي
ظل شجر يصافحني بنعومته
نعومة تمتد بي إلى الذاكرة 
ذاكرة تمد جسرها بيني وبينك
كيف أصلك وأنت لم تعد أنت؟
في الحديقة عصافير تفكّه سمعي بزقزقتها
زقرقات تضفي على الهواء بهجة
بهجة يانعة تحلق بي صوبك
كيف أمد قلبي إليك
وهو في سبات أبدي ؟
” صورة جماعية في الوسط البروفيسور الدكتور عبدالفتاح بوتاني يساره د. صلاح هروري، رئيس مركز بيشكجي للدراسا ت الإنسانية، يميناً الباحث ولات توفيق، في الصف الأخير، من اليمين، الزملاء : دلوار، ديندار، عرفان، بردل، أنا، مصلح، شمَال ..والذي صوَّر: آراز “
في الحديقة فراغ يناغم السماء
سماء تموّج مشاعر عالياً بزرقتها
زرقة تصلني ببحر 
علَّمني حكمة الأعماق
أعماق تصلني بك
كيف أصل إليك
وكنت ذات يوم ضحيتها؟
مع الدكتور عبدالفتاح بوتاني 
في الحديقة عشب يضحك نداوة طازجة
نداوة تخيّم على روح سايرتني كثيراً
تخييم يمضي بي 
إلى حيث يشع اسمك
كيف أشد اسمي إلى اسمك
واسمك أغلِق محضره الروحي إلى الأبد؟
في الحديقة جدران تشدني إلى كآبة
كآبة تسكنني رحيلك المستدام
كيف أحوّل غد الأمس
وأنت لم تخرج منه؟
في الحديقة رأيتني وحدي
يا وحدي الذي أضناني كثيراً جداً
أمهلْني فرصة
كي أمد وحدي إلى آت
لا أعود فيه وحدي
كهذا اليوم الذي حلِم
بي البارحة ؟
***
2-تبنشر الدولاب 
” في نصف سوق دهوك “
تبنشرَ الدولاب
ثمة طارىء
ماالذي أقلق المطاط لنصف ساعة عكرة؟
لست المعني بكم!
يقولها الدولاب المطاطي وصنيعه
لعلها عملية حسابية
ألغت حساب الدولاب والاعتبار
لعل الدولاب كان لديه رد فعل
مهلاً:
يتبنشر الفكر أحياناً
الفكر دولاب يدور
يتعثر
أي يتبنشر
في حدود الزمن المستغرق
لا ذنب لدولاب الفكر
إن أشعل نار حرب
إنه حساب الطريق خارج السيطر
ينبهنا دولاب الفكر إليه
العلاقة دولاب كذلك
ثم تتبنشر
لا إثم للعلاقة إن أثقلت على القلب
إن أثيرت قضية خلافية
دولاب العلاقة لا يستجيب للدوران
لأن ثمة خللاً في بنية العلاقة
إن نفَّس دولابها مسمار
أو جسم ناتىء
أو لقدمه دور في ذلك
لا يُراعى كما يجب
هكذا ترفع العلاقة صوبها
***
لحظة مع ماء نُهير جار ٍ 
3-في الطريق
بين دهوك و” بهيرى” البقعة المقترحة
حيث تنتظرنا وهي تنبسط طربَ خضرة 
ثمة طريق لا يكف على الالتفاف 
طريق يراوغ كثيراً
طريق ماكر
ممتع وباعث على المتعة
هكذا رسمت مسارَه أيد ماهرة
على جانبي الطريق
يتعالى الشجر بأخضره متباهياً
كما يليق به
يتباهى العشب بأخضره
كما يليق به
سحر شجري لا يحاط به
الأخضر يمضي بطراوته إلى السماء
تنحدر الزرقة السماوية إلى حيث تستطيع، حباً بالأخضر
تستغرق الجهات في محيط دهوك بأخضرها
ليس من قصيدة تُقرَأ هنا
المرئي قصيدة لا تتكرر
وحدها العين تقرأها بصمت
تهلل لها الروح تعظيماً
***
4-في ملتقى ” السفرة “
ربما هي لحظة أخرى في رقعة جميلة بحق والنهير جار ٍ
حيث الماء بسقسقته
حيث الشجر بنبوغ عطائه البليغ خضرة
حيث التربة ناعمة
حيث الظلال تتناغم
أية موسيقا صامتة تحرّك أرواحاً
من أعماق سحيقة
نعد الطعام
الطعام مكوّن جمعي 
ثمة تناغمات بين الأيدي والمواد المعدة
هناك لحم يستجيب لحرارة النار في هيئات
في حالات
وما أكثرها أنفاساً في هواء المكان المفلتر
ما أكثر فنون طعمه
ووعوده الذوقية
اللحم متحول لا يستهان بأمره لحظة إعداده
والتفنن فيه
بمقدار تفهمه
يمارس إشباعاً بصيغ شتى
ثمة الخيار
صنف نباتي وحيد التحضير
لا يقبل التحول كغيره من سلالة الخضرة
أو الفاكهة
ليست البندورة هكذا
بحمرتها ذات المراتب
بجمعها بين الفاكهي والخضري
تكون نكهتها موزعة في الحالتين
كما هي في مأخذها الطبيعي
أو مع قبولها بمؤثر حراري
أو طبخي
مع ماء وزيوت وتوابل
ليكون الذوق أكثر تجاوباً مع المشتى
البصل بنوعيته 
مع إبريق الشاي الطبيعة المنبسطة
له قابليته في التحول
ينافس بلونه وطعمه البندورة أحياناً
أي متعدد أوجه التحول، كما قلت
لجعْل الذوق أكثر إفادة لرغبة الجوع وخلافها
للفلفل شهامته
جانب كراماتي
بدرجاته طعماً
وتأثيراً في اللعاب
في الوصل بين طعوم كثيرة
حال قريبه النباتي البصل
كم ينتشي اللحم متصاهراً مع سلالة مجاورة
حيث حصاد الذوق يضاعف لذة الاستساغة المعدية
النيء مع المطبوخ
يا للجمع الكريم بين الطبيعي والحضاري
مطبخ مفتوح في فضاء مفتوح
في يوم استثنائي
حيث يشعر كلٌّ منا أنه
مكوّن مزيج من الود والانفتاح على سواه
نحيل إلينا الطعام
برفقة أشربة:
شاي، عيران، ماء، عصير…
يتشكل تكوين مقدَّر
حيث تتفاغل روائح وطعوم
في صهرها مع الكلام المملح
والهضم الشهي
هوذا يوم السفرة 
في بدعته ذات المحطات
وحين نغادر المكان
وقد رأينا آثار من كانوا قبلنا
سيأتي من سيرى آثارنا
وهناك من سيرى آثارهم أيضاً
ربما سيكون يوم
لن يكون هناك من يقول
هنا جاء أحدهم وغادر ..!
لكن الذكرى ستمتد إلى الآتي والتالي بعده كتابةً..
الخميس 16-5/ 2024 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…