جيلبرت فافر وذاكرة المستقبل

إبراهيم محمود
جيلبرت فافر( 1945-…)، المرأة التي ترفع اسم زوجها المفكر والمناضل والشاعر الكردي نورالدين زازا ، بإحدى يديها، وبالأخرى تقاوم ثقل الزمان ، رغم التقدم في العمر، محافظة على نقاوة صورة الزوج الذي أودعها حبَّه الأتم، ومأثرة الزوجة التي أبقت هذا الحب في كامل وجدانها، كما لو أن لسان الناطق بأكثر من لغة، يصل ما بين ماض تزيده إشراقاً، ومستقبلاً يريده جِدة…
تلك هي صورة تلك المرأة الإنسانة السويسرية التي أثبتت بوفائها الزوجي الروحي أن الحب عابر للحدود، وينمّي رصيد ما هو إنساني أنّى اتجه، وأينما استقر. يا لندرتها المؤتلقة مكانة.
كلٌّ منهما يُسمي الآخر، ويُسمى به، في توأم كفاح إنساني لا أكثر منه سيرورة اعتبار بطولية.
أجدني منطلقاً بهذه الكلمات، والكلمات لم تكن يوماً مجرد كلمات، وهي تنبض بأكثر من روح، تبعاً للناطق بها، وبدافع الود والتقدير وردّ جميل الصديق الكاتب والشاعر والمترجم خورشيد عليوي، المقيم في سويسرا، الذي أبهج روحي بزيارة خاطفة هو ورفيقة دربه في الحياة( الخميس، 7-3/ 2024 )، وأهداني مجموعة شعرية ترجمها عن البلغارية، كتبت عنها حينها، وأهديته نسخة من كتابي( الصورة أكبر من إطارها: عن نورالدين زازا كورديّ القول والفعل ) ونسخة مقدَّمة لهذه الروح المتجددة حياة وامتلاء بالحيوية، أعني السيدة جيلبرت فافر، تقديراً لذخيرتها الثقافية، وقدرتها على متابعة هذا الطريق الماراتوني الشائك والشيق معاً،
وأنا أرى أن الراحل الكردي الكبير يمشي معها حيث تمشي، ويفكر معها حيث تفكر، وينظر إلى النجوم معها حيث تنظر، ويركز على المستقبل، وإن ودَّع الحياة منذ ثلاثة عقود ونصف العقد من الزمن حيث تركز طبعاً، وحتى يحلم معها، حيث تحلم بآت أجمل إنسانياً، وأنها تعيشه بنسيجها الروحي وذاكرتها التي تتقدم بها إلى المستقبل، ولها أكثر من بصمة تحفيز واعتداد في وجدان الراحل، وفي هذا الكتاب الذي أهديتها إياه عربون تقدير رمزياً، وبفضل مسجَّل من الصديق عليوي.
وما سطّرتُه هنا، شهادة على هذا الوفاء الأخلاقي والإنساني البازخ، وخصوصاً حين أرى كتابي بيدها يتعطر بها زمن مختلف، في ثقافة تستشرف أفقاً رحباً، وبجانبها صورة الصديق عليوي، وبي شعور أبعد من أن يكون مجرد فيض أحاسيس، إنما هو شعور زماني- ومكاني، وعابر للزمن، كما لو أن الحاضر الغائب زازا، خارج من الكتاب ويشارك زمردة روحه ابتسامتها ويضفي على الصورة سماء يُحتفى بزرقتها، وأرضاً يُحتفى فيها بروح تسمّيه ومن يتاخمه مكانة..
من هنا، للعزيزة بكاملها جيليرت ” أم شنكو الثمرة المشتهاة قيمة ” كل التحية والتقدير، وأرفق بهذا السلام والتقدير تحية محبة للصديق عليوي ورفيقة دربه.. ولا أخفي في اللحظة هذه، لحظة رؤيتي للصورة المرسلة إلي أن صفحات كتابي قد تناثرت بصورها وكلماتها التي تسميّهما ومن كانوا أحبة وأهلاً وأصدقاء أوفياء أوفياء لهما، حيث التاريخ يحفظ أسماءهم عن ظهر قلب وفي ذاكرة الآتي وأبعد، وأبعد من الأبعد..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماهين شيخاني

 

رجع “أبو شفان” إلى البيت في ساعةٍ متأخرة، يجرّ خطواته كما لو كانت أثقل من جسده المنهك. وجهه مكفهر، ملامحه كانت كمن ذاق مرارة أعوام دفعةً واحدة. ما إن فتح باب الدار، حتى لمح ابنه البكر “مصطفى” جالسًا في العتمة، ينتظره كأنه ينتظر مصيرًا لم يأتِ بعد.

– “أهلاً أبي… تأخرتَ الليلة”.

– “كنتُ في مشوار…

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

مَدرسةُ فرانكفورت ( 1923 _ 1970 ) هِيَ مَدرسة للنظرية الاجتماعية والفلسفةِ النَّقْدية ، مُرتبطة بمعهدِ الأبحاثِ الاجتماعية في جامعة غوتة في مَدينة فرانكفورت الألمانية ، ضَمَّتْ المُفكِّرين والأكاديميين والمُنشقين السِّياسيين غَير المُتَّفقين معَ الأنظمة الاقتصادية الاجتماعية المُعَاصِرَة ( الرأسماليَّة ، الفاشيَّة ، الشُّيوعيَّة ) في ثلاثينيات القرن…

عبدالاله اليوسف

 

لكن الهواءَ يحفظُ صوتكَ في الشقوق

بين تنهيدةٍ

ونَفَسٍ لم يُكمِلِ الطريق

 

قلبُكَ

ساعةٌ لا تُعيرُ الوقتَ اهتمامًا

تمرُّ عليها الأزمنةُ

ولا تشيخ

 

تخجلُ

من مرايا الوجوه

فتعيدُ تشكيلنا

كما تشاء

كأنك تصنعُنا من بُعدٍ

بحركةِ عينيك فقط

 

نلتفت

حولنا

أضيافك

نرتدي ظلالًا

ولا ندري

غريب ملا زلال

ليست سوى الحرب
تأكل أضواءنا
و رجالها
في دهاليز المملكة
يكيلون دماءنا
مُذ عرفت
أن الرب
في عليائه يستريح
كمحارب قديم
أتى تواً
من الجبل
و أحلامنا ..
آمالنا
تذهب في الريح
بحثاً عن أشلائنا
هل كانت الأمور
في السموات العشرة
على ما يرام
حين خلت المدينة
من أبنائها
إلا من بقي نائماً
تحت الركام
و زخات المطر
بعد القصف
هل كانت
دموع الرب في عليائه
على عباده
أم كانت
رذاذات صرخة
لطفل يبحث عن أمه
كل المعابد
لا تصلح لإطفاء الحريق
فالرب متعب
والكهان متعبون …