عبدالرحمن عفيف
التفتّ في هذه البرهة وكنت وحيدا في الكرسيّ الخلفي، مع تأكّدي أنّني حين الانطلاق من عامودا، جلست في الأمام، إلى جانب السائق لأمدّ بقنّينة العطرِ لعلي جازو الذي تربّع في الكرسيّ الخلفي لوحده، منشغلا “هل ارتديت ربطة العنق المناسبة؟ هل ستقع ابنة الشّيخ الزّجاجيّ في حبّ بذلتي؟ إن لم يكن للشّيخ زوجة وأطفال، فمن أين له هذه الصبيّة خلف الزّجاج بألوان القوس مع القزح في قزحيّتها؟” يتساءل علي وهو نائمٌ خلفنا.
التفتّ في هذه البرهة وكنت وحيدا في الكرسيّ الخلفي، مع تأكّدي أنّني حين الانطلاق من عامودا، جلست في الأمام، إلى جانب السائق لأمدّ بقنّينة العطرِ لعلي جازو الذي تربّع في الكرسيّ الخلفي لوحده، منشغلا “هل ارتديت ربطة العنق المناسبة؟ هل ستقع ابنة الشّيخ الزّجاجيّ في حبّ بذلتي؟ إن لم يكن للشّيخ زوجة وأطفال، فمن أين له هذه الصبيّة خلف الزّجاج بألوان القوس مع القزح في قزحيّتها؟” يتساءل علي وهو نائمٌ خلفنا.
قال ابن الصرّاف:” اللّعنة، لقد نسيت كرة القدم في البيت، وجلبت بدلا عنها فستان ابنة الشّيخ كما يظنّ علي جازو؛ كنّا سنلعب في هذه الاستراحة، ريثما يخفّ البرق والرّعد؛ ويتشجّع المحرّك، قويّا كما عهدته، وربّما كتبت الشّاعرة التي تحبّها وأنت تجلس على الدّرج والإسمنت المسلّح قصيدة كرويّة عن استراحتنا؛ وهواء الكرةِ أحتاجه لتنظيف هواء السيّارة من أنفاس أهل عامودا النتنة.” شيئا فشيئا بدأت أحنق وغضبٌ قديم بدأ يأكل من كبدي، وسمعت ثانية سعد الرّبيعي يتكلّم معي من الكرسيّ الأمامي وأنا في الخلف وعلي جازو لم يعد موجودا:” مها ستتزوّج في الدرباسيّة، بعد أسبوعين وتنتقل إلى بيت ابن عمّها، تاجر المسبّحات الكهربائيّة؛ الفستان القزحيّ مع قوس غبار صنع منه الصرّاف لابنه سيّارة تكسي صفراء، بين عامودا والدّرباسيّة، تنقل البضائع، حيث هي سيّارة بثلاثة كراس وصالون حلاقة بعد العصر. ينقل فيها زوج مها، التّاجر، السّمن والعسل والمسبّحات القانونيّة، كهرمانيّة أو كهربائيّة، قرب حدود درباسيّة على تلّ “حمدوني” مع تركيا التتركيّة.” شممت من حديث سعد الرّبيعي نكهة حلاّق، له صالون بالقربِ من كراج باصات عامودا، مكتوب عليه” صالون لتطهير الأطفال والأزواج، مع كولونيا كولونياليّة”. توقّفت سيّارة ابن الصرّاف بغتة، دون أنْ يريد ابن الصرّاف ذلك؛ واهتززنا هزّا كأنّما برقٌ ضرب زجاجها. نزل ابن الصرّاف ومسح زجاجها الأماميّ بقطعة من فستان أمينة المصنوع من قوس وقزح بخيوط الحبّ الذي احتفظت به لنفسي وظنّ” براهيمكي” أنّه كان يحبّ الشّاعرة ” سلام” بدلا أن أحبّها أنا وهو أن يحبّ أمينة التي جرى تزيين نفس هذه السيّارة بفستانها الثّاني الذي عليه العيون. السيّارة بالعيون الصينيّة واليابانيّة، قال أهل القرى. ثمّ فكّر” براهيميكي”، أحبّ قصر خالِ أمينة أفضل لي من الجلوس المستديم على الدّرج، حتّى صرت كرسيّا، يجلس عليّ الدّرج. أمّا أنا، فقبل اهتزاز السيّارة ووقوفها المفاجىء في عرض الطّريق، ولم نكن بعد قد اجتزنا خمسة عشر كيلومترا من نقطة الانطلاق في عامودا، فإنّني أدركت أنّ ابنة الشّيخ لم تكن ابنته إنّما زوجته وقد بلغت، قبل عدّة ساعات من ركوبنا سيّارة ابن الصرّاف، الخامسة عشرة من العمرِ وأنّه بالفعل لم تكن الزّجاجات القزحيّة هي التي خلف وأمام أبواب وشبابيك بيت الشّيخ إنّما هي عيون زوجته وليس كلّ عيونها إنّما جزء القزح ويهطل ثلج، قوس القوس، الثّلج، بينه الثّلج أمام الزّجاج وبعده.
آه، أمينة، لم أكن أفكّر أنّني وأنت، ذات مرّة سنضع الذّراع في الذّراع ونأتي، نتمشّى في شارع الكورنيش. نزور دكاكين الصينيّين واليابانيّين في القامشلي، نشتري منها عدّة زواجنا، المكنسة والخزانة والسكرتون وإبرة موقد الكاز وريشة المصباح، الشبّاك من البامبوس وباب الحمّام وضفدعة المنشفة التي ستضحك بغير توقّف لأطفال أطفالنا. لم أفكّر أنّك تحتاجين إلى أيّة بيوت بطابقين ولا إلى سيّارة. خذي هذه سيّارة التكسي التي أتيت فيها مع “صورو” إلى القامشلي وكنت أظنّه علي جازو. تبقى أمينة صامتة، وتردّ عليَّ أختي:” اشتر لنا كيلوا من الخوخ، لنأكله في الطّريق إلى عامودا.” كنت قد اشتريت الخوخ وأمدّ بخوخة إلى يد أختي ونظر ابن الصرّاف خلفه وهو يقود السيّارة، فرأيت أنّه كان هو الصرّاف نفسه ولم يعد هو الابن. فمددت إليه بخوخة أيضا. أمسكها وعضّ عليها وتكلّم سريعا:” هل غسلتها بقنّينة المسك التي أعطيته لعلي جازو، لقد انتشر الطّاعون في سوق القامشلي.” ردّت عليه أمينة:” لقد لحست له خوخته بلساني وطبعت قبلة على جانبِ الخوخة الأكثر حمرة من الخوخات الطبيعيّة، قبلة ضدّ التيفوئيد.” انطلقت سيّارة الصرّاف بعد أن كانت سيّارة ابنه ورميت بالخوخة التي عليها قبلة أمينة من الشبّاك بأقصى قوّتي.
بقيت صامتا حيث أدركت بعدئذ بلحظات أنّ ابن الصرّاف لا يراني، حيث لم تكن تظهر صورتي في المرآة أمامي، ولا صورة علي جازو. فقط كان هناك أنف أحمر، وكنت أعرف أنّه أنف “صورو”. فالتفتُّ خلفا لأنادي علي جازو من حواره وتمعّنه في شؤون البذلةِ التي كان يرتديها وكانت منذ برهة بذلة فتوة بدل البذلة البنيّة وبغير ربطة عنق مخطّطة.
تلك الهزّة التي هزّت السيّارة، رافقها أيضا تلاطم خشب بلكون بيت الصرّافِ وخفقت المناضد وستائر الرّاديو ذي العينين. تمايل المصباح الواقفُ والبساط على الجدارِ والألوان البرتقاليّة على السجاجيد المنسوجة بأيدي العانسات الرّاشنيّات. يوم مبرق مرعد. ونور العيون، اشتعل ببياض واحمرار. هل كنت تريد أن تظلّ أمينة عانسا، تنسج لأولادك دولارات يصرفها الصرّاف قبل أيّام العيد؟ وقد صنع من التنك بيته بطابقين ووضع تحته الاسمنت والأعمدة من المطّاط والبسط على الشبابيك أغرقها أوّلا في أسعار العملة. هات من كوّة الطّابق الزّجاجي قنّينة عنكبوتة الشّيخ؟
آه، أمينة، لم أكن أفكّر أنّني وأنت، ذات مرّة سنضع الذّراع في الذّراع ونأتي، نتمشّى في شارع الكورنيش. نزور دكاكين الصينيّين واليابانيّين في القامشلي، نشتري منها عدّة زواجنا، المكنسة والخزانة والسكرتون وإبرة موقد الكاز وريشة المصباح، الشبّاك من البامبوس وباب الحمّام وضفدعة المنشفة التي ستضحك بغير توقّف لأطفال أطفالنا. لم أفكّر أنّك تحتاجين إلى أيّة بيوت بطابقين ولا إلى سيّارة. خذي هذه سيّارة التكسي التي أتيت فيها مع “صورو” إلى القامشلي وكنت أظنّه علي جازو. تبقى أمينة صامتة، وتردّ عليَّ أختي:” اشتر لنا كيلوا من الخوخ، لنأكله في الطّريق إلى عامودا.” كنت قد اشتريت الخوخ وأمدّ بخوخة إلى يد أختي ونظر ابن الصرّاف خلفه وهو يقود السيّارة، فرأيت أنّه كان هو الصرّاف نفسه ولم يعد هو الابن. فمددت إليه بخوخة أيضا. أمسكها وعضّ عليها وتكلّم سريعا:” هل غسلتها بقنّينة المسك التي أعطيته لعلي جازو، لقد انتشر الطّاعون في سوق القامشلي.” ردّت عليه أمينة:” لقد لحست له خوخته بلساني وطبعت قبلة على جانبِ الخوخة الأكثر حمرة من الخوخات الطبيعيّة، قبلة ضدّ التيفوئيد.” انطلقت سيّارة الصرّاف بعد أن كانت سيّارة ابنه ورميت بالخوخة التي عليها قبلة أمينة من الشبّاك بأقصى قوّتي.
بقيت صامتا حيث أدركت بعدئذ بلحظات أنّ ابن الصرّاف لا يراني، حيث لم تكن تظهر صورتي في المرآة أمامي، ولا صورة علي جازو. فقط كان هناك أنف أحمر، وكنت أعرف أنّه أنف “صورو”. فالتفتُّ خلفا لأنادي علي جازو من حواره وتمعّنه في شؤون البذلةِ التي كان يرتديها وكانت منذ برهة بذلة فتوة بدل البذلة البنيّة وبغير ربطة عنق مخطّطة.
تلك الهزّة التي هزّت السيّارة، رافقها أيضا تلاطم خشب بلكون بيت الصرّافِ وخفقت المناضد وستائر الرّاديو ذي العينين. تمايل المصباح الواقفُ والبساط على الجدارِ والألوان البرتقاليّة على السجاجيد المنسوجة بأيدي العانسات الرّاشنيّات. يوم مبرق مرعد. ونور العيون، اشتعل ببياض واحمرار. هل كنت تريد أن تظلّ أمينة عانسا، تنسج لأولادك دولارات يصرفها الصرّاف قبل أيّام العيد؟ وقد صنع من التنك بيته بطابقين ووضع تحته الاسمنت والأعمدة من المطّاط والبسط على الشبابيك أغرقها أوّلا في أسعار العملة. هات من كوّة الطّابق الزّجاجي قنّينة عنكبوتة الشّيخ؟
استفاق علي جازو من غفوته في بيت الصرّاف، جئنا بسائحتين، بريطانيّة وفرنسيّة، لأجل سيّارتكم الصّالون وبيتكم بطوابق الوحل. وهذه تفّاحة يونانيّة بأوراق الذّهب على شكل خوخة في الدّبس من أعماقه. كرة القدم من فستان أمينة ذي القوس والقزح، أرسل الكرة ما وراء الكرة، بين الشّوك والثّلج. تركض السائحة البريطانيّة وتمسك بفستان أمينة يرتديه ابن الصرّاف وينظر على درج الطّابق الثّاني إلى نفسه. أمّا السّائحة الفرنسيّة فإنّها تختبىء خلف زجاجات كوى الشّيخ وتصدر صوت حمامات مجتمعة على السّطح. وأنا نظرت حولي، في بيت الصرّاف، القرش السوريّ يساوي ألف ليرة عثمانيّة والدّولار الواحد ألف يورو وفي التنك بنك السيّارة. خشيت من معرفة أمينة لأسراري. أصبحت لاعب كرة في طوكيو. قال علي جازو:” سيّارة ابن الصرّاف، يا سيّارة أفضل من بنك”.