هيبت بافي حلبجة
في هذا الزمن الأخرق البليد ، زمن الثقافة السطحية الأفقية ، زمن إنتهاء وحدة الرجل وصرخة الأنثى ، زمن تهشيم الفروسية والشهامة والفحولة ، زمن النهود التائهة على قارعة رصيف يتلمظ جروحه ويلعق أورامه أو في زقاق يتآكل ويضمر ، زمن الكلام المعسول الممجوج السادر ، زمن النقد الأعرج الأهوج الأفطس ، زمن السياسة الغبية الرعناء البلهاءالشمطاء ، استفقدتك أيها الكلب الصديق الصدوق الحبيب ( أوكي ) ..
في هذا الزمن المأفون الصعلوكي ، وبعد أن فقدت الكتابة كل مراسيمها التشريفية الوجاهية من خلال أشباه متعلمين لايتقنون سوى الركاكة في الكتابة والهشاشة في الفكر والأرتجالية الخرقاء في السياسة ، يتوق المرء إلى معالم لها دورها الأكيد هنا وهتاك ، حديث الشهر للدكتور محمد الرميحي في مجلة العربي ، مهدي عامل الذي أخترق ثنايا نطور المجتمع اللبناني ، جبران خليل جبران في ابداعاته ( النبي ، دمعة وابتسامة ، العواصف ، الأجنحة المتكسرة ) ، طه حسين في فكرانيته (في الشعر الجاهلي ، دعاء كروان) ، المنفلوطي في وجدانياته ( ماجدولين أو تحت أشجار الزيزفون ) ، محمد عابد الجابري في مشروعه الحضاري الهائل ( تأصيل العقل ، نقده ، دوره السياسي والأجتماعي ) ، مصطفى شحرور في انطلاقاته ، سيد القمني في تأصيلاته ، فاطمة المرنيسي في انتقاداتها ، صادق جلال العظم في شطحاته ، الأعلامية زينة فياض في استنطاقاتها ، زينب العسكري في استرسالانها ، وصديقي فلك الدين الكاكائي في آفاقه وتطلعاته ، وأخي أبراهيم اليوسف في دوائره ، والمتألقة أبداً منتهى الرميحي في بانوراماتها ..
في هذا الزمن القزم الأبله حيث ضعف الأحساس بالمسؤولية ، وحيث هزالة الأنتماء ( كولن ويلسن ) ، فقد أمست المعادلة ( أكتب ما تتشهى ، قل ما تشتهي ) فلارقيب ولاحسيب ، لاثقافة ولامعرفة ، لاقيد ولاشرط ، كليشات جاهزة ، عبارات مقتبسة رتيبة ، مناسبات لاتعد ولاتحصى ( أغتيال ~ المغفورة لها ~ بي نظير بوتو ، المعارضة السورية ، التصريحات الصحفية ، الوضع المتردي المتأزم اللاقانوني ، الفساد ، المرثيات ) ، ثم في النهاية مقالات لاتقتضي تجشم مشقة اليحث المعرفي ولاالدقة الموضوعية في الرؤيا ولا(تضييع ) الوقت إذ يكفي متابعة الحدث من خلال بانوراما الأعلامية منتهى الرميحي ، مع فليل من التواريخ وبعض التصريحات ، وفي نهاية النهاية شهرة أكبدة ما بعدها شهرة ..
في هذا الزمن الرديء المبرقع خطاب يبور ، سياسة تخور ، نقد يجور ، وكلام بمور . فأولاً . أيدرك هؤلاء السادة ( فيصل القاسم ، عبد الباري عطوان ، مصطفى بكري ) إن كلامهم يؤجج أوار و جذوة العنف التصادمي ، وينصب ~ شئنا أم أبينا ~ في موقع الأقصاء والأستبداد ، وإن تجاسرت لفلت أكثر ؟؟!! وثانياً . أتدرك الأحزاب الكوردية في سوربا أنها حينما تنادي وتقر مبدأ ~ القومية الثانية في البلاد ~ تهدر خاصية الأقليم الكوردي في شرعيتها ومشروعيتها ، وكأن المسألة أضحت في وجود قوميتين { وهما بالأساس شعبين } على أرض واحدة ، دون تمايز ما بين المناطق من الزاوية التاريخية ومن منظور الأنتماء ، وأختزلت في منطوق الشعب دون الأرض ، وهذا مردود مدحوض لايصمد أمام القرائن ؟؟ !! . وثالثاً . أيدري الساسة المصريون { وعلى رأسهم السيد رئيس الجمهورية محمد حسني مبارك ، والسيد عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية ) أن مايوسمونه بالأعندالية في السياسة لا يخدم المصالح العليا ناهيكم عن مقولة الأمن القومي ، وكأن الأمر يتعلق بالشعور السرابي الوهمي كمعالجة مرض السرطان بالمورفين لتخفيض درجة الألم دون إزالة حالة المرض ، فالأستطرادية مثلاً في العلاقة التصالحية الفوقية مابين مصر وأسرائيل وسوريا لاتنسجم مع نسق الديمقراطية الحقة في تمرير السيد جمال مبارك إلى سدة الحكم ؟؟!!
في هذا الزمن المعقوف الأبجر، القوة العائمة الفوضوية تطيح بالبنيان المرصوص ، وتهجره بعد أن تجتر منه القوة الأجتماعية المعنوية ، والقوة السياسية المعنوية . فلايكترث أحد بقوة التحليل ولا بمراجعة نقدية للقيمة العلمية لثلة من المعطيات ، الفرضيات ، المسائل النظرية . فأولاً . مفهوم العقل . حدث سجال غير مباشر في الآونة الأخيرة ما بين المفكر محمد عايد الجابري ، وأحد أعمدة الفكر أيضاً في المغرب العربي وهو العفيف الأخضر حينما حاول هذا الأخير ، ومن خلال مقالين نشرا في المجلة الألكترونية الذائعة الصيت ~ إيلاف ~ تفنيد مفهوم العقل بالمعنى الجابري له ، وسعيه إلى تأصيل مضمون العقل الكوني . أعتقد إن المفكر العفيف الأخضر قد جازف إلى حد مفلطح ( ولي عودة مسهبة حول هذا الموضوع ) عندما أقر مفهوم العقل الكوني ، الذي لايمكن أن يوجد ولابأي صورة من الصور إلا اللهم إذا أختزلناه إلى منطوق الآلية / الأجرائية أي السلوكية المحضة مع الأعتقاد بعضوية العفل ( غرامشي ) تماماً كما يفرز البنكرياس الأنسولين . ثم لاأعتقد إن الأخضر قد سعى علمياً إلى مناصفة الجابري وكأني به قد أغمط حقه وأجحف به ، فالجابري كأي أكاديمي يصرح منذ بداية البداية أن مسألة العقل كما أعتقد ~ لالاند ~ هو أنشطاره ما بين العقل المكون ( بالكسر ) والعقل المكون ( بالفتح ) وهذا الأخير هو الذي يتباعد ويتمايز ويتفارق هنا وهناك ، وهذا هو الأرجح ، مع العلم أنني أستخدم (عوضاً عن مصطلح العقل ) مصطلح ~ المادة المدركة الواعية ~ مشيراً إلى العضوية الدماغية ثم إلى القوة الأدراكية ثم إلى مفهوم أدراك الأدراك . وما أنا بصدده الآن يبرهن على ذلك .زد على ذلك إن ما سعى إليه ، وإلى إثباته ليس جوهر وكنه العقل أبداً ، إنما تقديم ميثاقه العقلاني ( وأنا أوافق من حيث المبدأ على هذا الميثاق ) ولكن الفرق والمفارقة أكيدة ما بين البعد الأول والبعد الثاني وخطوطهما البيانية . وثانياً . الجملة الأسمية في قواعد النحو . قد يبدو الأمر مستغرباً ، لكن أعتماداً على اتساق المنطق إذ لايوجد مثلث مربعي أو مربع مثلثي بحكم التعريف والمعنى ، فالجملة في نفس الإطار لامناص و لامندوحة إلا أن تكون على طول التوازي فعلية وفقط فعلية وإلا سنكون إزاء مفهوم تناقضي . فالجملة هي بالضرورة حدث ، والحدث بالضرورة فعل . ومن الناحية الثانية يستحيل أدراك منطوق ( الجملة ) ما لم يقترن بالفعل ، فمهما أفضنا في الكلام وأسهبنا فيه فلن يتحدد المعنى بصورة قطعية باتة إلا إذا توافر فعل ما . غني عن البيان إن هذا التعليل لا يستغرق حالة خاصة ، وحالة وحيدة وهي إذا أزعمنا إننا نسميها ~ ومن ناحية التسمية فقط ~ بالجملة الأسمية ، عندئذ يغلب التعمد ( قوة المعنى ) . وثالثاً . مبدأ التناقض . في معظم الكتب المدرسية والجامعية ، عندما يتم الحديث عن مبدأ التناقض ترتكب مغالطة قاتلة تستبيح المعنى . فالتناقض لايتعلق بالتعارض مابين الوقوف والجلوس مثلاً ، فالوقوف إثبات كما إن الجلوس إثبات ، والإثبات لايناقض الإثبات إنما يناقضه النفي ، والنفي هو نفي وجودي ، وهذا ما أنتبه إليه سماحة العلامة محمد باقر الصدر في مؤلفه ~ قلسفتنا ~ وكذلك جان بول سارتر في مؤلفه ~ الوجود والعدم ~ أي إن الوجود ليس نقيضاً للعدم ، إنما نقيض الوجود هو اللاوجود ، ونقيض العدم هو اللاعدم ( لاوجود العدم ) إذا أخذت ( اللا ) بمعنى النفي الوجودي . ورابعاً . مبدأ العلة ومبدأ السببية . ثمة دائماً وأبداً خلط ما بين المبدأين إذ يعنبر وكأنهما مبدأ واحد ، وفي الحقيقة هما مبدآن متمايزان ، فالأول يستغرق الثاني تماماً كما تستغرق المجموعة الهندسية للأعداد الصحيحة كل من المحموعة الهندسية للأعداد الفردية ، والأعداد الزوجية . كما إن المبدأ الأول يماهي بالضبط حالة الخلق والعلاقة مابين الخالق والمخلوق ، فالمخلوق أفتقر في وجوده إلى الخالق ، وقد ( كان) في لاحالة و ( صار ) في حالة . في حين إن المبدأ الثاني ( السببية ) يتضمن فقط التحول والتغير والتطور في الحالات الوجودبة . فالنجار هو (مبدأ السببية ) للكرسي وليس هو ( مبدأ العلة ) له ، وكذلك الغيوم والأمطار والموت وبقية ظواهر الطبيعة . وخامساً . الله( جل وعز ) والرب ( تعالى وتبارك ) . يعتقد معظمهم لاسيما في مجال الترجمة ، إن المفهومين هما منطوق واحد ، بيد أن الأمر على خلاف ذلك ، وهذا له خطورته في مجال الترجمة لاسيما إذا تعلق ذلك بعصرين متباعدين في الزمن التاريخي . فالله (عز وجل ) هو لفظ الجلالة هو أسم الرب هو المشخص في وجوده إذ ( لا إله إلا الله ) . في حين إن الرب هو ال( إله ) وهو العام وهو المعنى الذي يتفارق عن الأسم .
في هذا الزمن المشوه الكسيح ، يعقل الخاص العام كما يعقل الجنائي المدني ، ويعفل الحهل العلم ويستبد الأستثنائي بالموضوعي ويبطش به . فأولاً . المعارضة السورية . التي أضحت فريسة مابين سندانة هذا ومطرقة ذاك ، فهي أنى توجهت سلطت عليها أبشع وأخس أنواع الفدح والذم ، ومورست ضدها أقسى وأبخس أشكال الضغط . فهي غير قادرة على مواجهة النظام والتصادم معه فهو مارحم ولن يرحم ، كما إنها إن استنجدت بالشرعية الدولية وصمت بالعميلة وباللاوطنية ومابين البينيين يستفيد منها أمثال السيد هيثم مناع . لذا ليس أمامها سوى أستكمال شروطها الثلاث ، الشرط الداخلي (العربي ، الكوردي ) ، الشرط الخارجي ، الشرط الشرطي ( وحدة المعارضة بكافة أطيافها دون إقصاء أو استثناء ) . وثانياً . المسألة أم القضية . في غمرة العلافة ما بين السذاجة وبساطة التفكير والمألوف ، تتآكل حدود بعض المفاهيم ، ويغدو التنظير فيها كالحراثة في أرض بائرة جرداء قحطاء ، فالمسألة في المنطق والفلسفة وعلم الأجتماع تستغرق عدة قضايا هذا أولاً ، ثانياً إن مفهوم المسألة يتكامل نحوالتأصيل التنظيري ( جاكلين روس ) ، في حين القضية تمقته وتنأى عنه. ثالثاً . إن منطوق المسألة بكره محتوى النزاع والمنازعة ويطلب المشاركة الإيجابية لكافة الأظراف المعنية ، بالمقابل فإن منطوق القضية يؤجج المنازعة ويفصل مابين أطراف المشكلة . رابعاً . إن المسألة تجنح نحو حلول بطرق سلمية ( أليس هذه هي استراتيجية الأحزاب الكوردية في سوريا ) . بالتضاد فإن القضية غير حيادية في هذه الأشكالية . ثم أليس محتوى المسألة أنسب وأكثر مؤاءمة وتناغياً لمرحلة ما بعد مهمة التغيير ؟؟!!.
في هذا الزمن الأجعد المنكمش ، يبلغ التشاؤم ذروة ( السبوت ) البياني ، ويصل الأجتماعي إلى أقسى وأفظع أنواع الأغتراب والأستلاب ، لكن مابين تلك التراكمات والركامات تترائ ومضات هنا وهناك ، ولتكن هي عزاءنا في هذا الصباح الباكر من أول يوم من عام 2008 . فقبل كل شيء ، كيلا أنسى ، كل عام وأنتم بخير . وأولاً . جان بول سارتر الذي أبى ورفض أستلام جائزة نوبل عام 1964 مازال يبدع ويبهر في مؤلفه ( الوجود والعدم ) الذي ينوف عن ألف صفحة بأصعب ريشة فكرية . وثانياً . أما سماحة العلامة محمد باقر الصدر في ثلاثيته ~ فلسفتنا ، مجتمعنا ، أقتصادنا ~ قد جاوز حد المألوف ، وحطم الأغلال والأصفاد المعهودة ، وكتم أنفاس ماركس وكم فاهه وأزهق جوهر مبدأ التناقض على كافة الصعد حتى الفيزيائي منها وهذا ما يذكرني ثالثاً بالدكتور يوسف كرم في ( العقل والوجود ، الطبيعة وماوراء الطبيعة ) الذي أرخ لكل المدارس الفكرية والفلسفية بالعرض والتحليل ثم النقد العلمي المعرفي الأدراكي الأصيل . ثم رابعاً اللوحة الفريدة الأستثنائية التي فدمتها ~ فايزة أحمد ~ في ( رسالة من امرأة مجهولة ) [ ماذا لو إتك يا رفيق العمر قد أخبرتني أن أنتهى أمري لديك ، فجميع ما وشوشتني أيام كنت تحبني قد بعته بلحظتين ويعتني ] . أم خامساً . الحس الصدوق في وجدانيات العشق لدى الأخطل الصغير في ( أضنيتني بالهجر ) . أو سادساً الحضور التاريخي الفينوسي ل ( راكيل وولش ، صوفي مارصو ، شارون ستون ) . وأخيراً سابعاً الترمومتر المتنامي للدراما السوربة ، فثلاثة ورود حمراء إلى ( سوزان نجم الدين ، نورمان أسعد ، سلافا فواخرجي ) ..
في هذا الزمن ، الأشياء باتت فيه وأمست أشباه و نظائر و تناسخ و استنساخ ، وضاع المفهوم في ثنايا الخبث والشكل ، المكر و المضمون ، وتهافتت المقولات إلى درجة القيء و الأشمئزاز ، و اضمحلت الأفكار وضحلت ، وانهزمت الأيديولوجيا وأندحرت ، وأنتهى التاريخ وأندثر . وأنتصرت البرلمانية التمثيلية بصورتها الأكثر حقارة ودناءة ، الأكثر حضرية ومدنية ، الأكثر بغيضة مقيتة ، الأكثر رفعة وسمواً .
وإذا ما أنتهى التاريخ فليس على طريقة فرنسيس فوكاياما ، إنما حسب مفهوم جديد ضمن هيكلية القديم ، فتصوره الكلاسيكي الجامد يذوي أمام ابتذالية و مارجينالية رعناء ، يفتقر إلى ماركس جديد يقوم فيه جوهر علاقة الأنتاج مع تطور الآلة العلمية في هذا المستوى الخاص للتشكيلة الأقتصادية الرأسمالية . فهو يؤكد من طرف خفي على مصداقية المعادلة التاريخية القدبمة ( المال ، السلطة ، النفوذ ) ، غافلاً دور الأختصاص في اضفاء طابع مستبطن على مفهوم علاقة الأنتاج المواكب له . لتغدو تلك المعادلة ، بشكل غير مباشر أيضاً ( المال ، السلطة ، النفوذ ، الأختصاص ) ..
لنتعمق في المسألة أكثر ، ونسبر غورها بشيء من الفانتازيا الموضوعية والفانتاسمية المخترقة لذاتها ، ضمن جدل أفتراضي بحت ، نحن نصبو ونأمل في أضفاء طابع الموضوعية على ~ قوانين ونظريات وأفتراضات في الجانب الأجتماعي الأنطولوجي للكون الذي هو أمامنا ~ التي دونها نلغي مقولة التطور ونبطل مفهوم ( العقلانية ) في تقنين البحث العلمي وكل ما يرتيط بهذا المفهوم على صعيد العلوم الأنسانية وعلم الفلك وروح الفلسفة وماهية الفكر والمنطق . لكن ماهو معيارنا في ذلك ؟؟ !! أنوه منذ البداية إن المسألة راديكالية أكثر مما تتصورون .. ماذا لو كانت البشرية والكون نفسه طفرة مرضية في الوجود الذي نزعم إننا نتحسسه ونلمسه ؟؟ !! ماذا لو إن وجودنا كمطى أفتراضي سيدمر في النهاية الكائن الذي هو يسكن ويقبع فيه ؟؟ !! ماذا لو كان وجودنا ورماً سرطانياً في أنطولوجية أكثر أزهاقاً للمعنى وأهراقاً للأدراكية ؟؟!!
إلى ذلك ، ولاأخفي عليكم أنني تعمدت تهشيم الباب بمصراعيه ، لأمرر بهدوء مفهومين في غاية الخطورة وأفصى الأهمية الأمر الأول : المادة المظلمة . أن الكون الذي بترائ لنا الآن ، وفي هذه اللحظة ، هو وجود لاحق ~ حسب أعتقادي ~ لوجود المادة المظلمة التي ينبغي أن نكون بالضرورة وتطابقاً مع وعي الضرورة ، المادة الأولية للوجود / كوننا هذا . فهي السر الدفين الغائر في أدق السلوكيات الموضوعبة للطبيعة وهي التي تتحكم بصورة مطلقة وقطعية في الكون / الوجود من زاوية وحدته ومن زاوية أنسجامه ومن الزوايا التي لاندركها نتيجة مبدأ القصور الذاتي لعفولنا / المادة المدركة الواعية . وهي التي تقبع وراء كل الفوانين الفيزيائية تلك التي باتت معروفة وتلك التي ما زلتا نجهلها . ونحن لاندرك عن تلك القوانين إلا النزر اليسير بل التافه . فإذا ما قدر وتم أكتشاف المادة المظلمة فإن قوانين نبوتن في الجاذبية ستوضع على الرفوف المهجورة ، بل حتى قوانين آينشتاين في النظرية النسبية ستفقد الكثير من أهميتها . وسترضخ العلاقة الفيزيائية مابين ( الطاقة ) و( السرعة ) إلى ثابت فيزيائي يسنمد جوهره من طبيعة المادة المظلمة . الأمر الثاني . المجالات الثلاث . أنني أعتقد أنه ثمة ثلاثة مجالات لحالات الوجود ، المجال المكاني ، المجال الزماني ، المجال التجريدي . وأننا تعيش منذ البدايات وربما إلى ( الأبد ) في المجال المكاني . ونجهل المجال الزماني تماماً ، فهو خارج نطاق عقلنا/ المادة المدركة الواعية ، وخارج حدسنا ، بل حتى خارج نطاق فدرات روحنا ، إن وجدت ، ناهيكم عن المجال التجريدي .
ولكن ، وبكل تأكيد ، ثمة مدخل إلى أدراك المجالين الزماني والتجريدي تطابقاً مع قوة وطبيعة المادة المدركة الواعية، وأنني أرجح مجال جزئي مشترك مابين ~ على الأقل ~ المجالين المكاني والزماني ، وكذلك أرجح وجود مجال جزئي مشترك مابين المجالين الزماني والتجريدي . وهذان المجالان الجزئيان المشتركان يقتضبان ثابت فيزيائي لكل منهما .
في هذا الزمن القزم الأبله حيث ضعف الأحساس بالمسؤولية ، وحيث هزالة الأنتماء ( كولن ويلسن ) ، فقد أمست المعادلة ( أكتب ما تتشهى ، قل ما تشتهي ) فلارقيب ولاحسيب ، لاثقافة ولامعرفة ، لاقيد ولاشرط ، كليشات جاهزة ، عبارات مقتبسة رتيبة ، مناسبات لاتعد ولاتحصى ( أغتيال ~ المغفورة لها ~ بي نظير بوتو ، المعارضة السورية ، التصريحات الصحفية ، الوضع المتردي المتأزم اللاقانوني ، الفساد ، المرثيات ) ، ثم في النهاية مقالات لاتقتضي تجشم مشقة اليحث المعرفي ولاالدقة الموضوعية في الرؤيا ولا(تضييع ) الوقت إذ يكفي متابعة الحدث من خلال بانوراما الأعلامية منتهى الرميحي ، مع فليل من التواريخ وبعض التصريحات ، وفي نهاية النهاية شهرة أكبدة ما بعدها شهرة ..
في هذا الزمن الرديء المبرقع خطاب يبور ، سياسة تخور ، نقد يجور ، وكلام بمور . فأولاً . أيدرك هؤلاء السادة ( فيصل القاسم ، عبد الباري عطوان ، مصطفى بكري ) إن كلامهم يؤجج أوار و جذوة العنف التصادمي ، وينصب ~ شئنا أم أبينا ~ في موقع الأقصاء والأستبداد ، وإن تجاسرت لفلت أكثر ؟؟!! وثانياً . أتدرك الأحزاب الكوردية في سوربا أنها حينما تنادي وتقر مبدأ ~ القومية الثانية في البلاد ~ تهدر خاصية الأقليم الكوردي في شرعيتها ومشروعيتها ، وكأن المسألة أضحت في وجود قوميتين { وهما بالأساس شعبين } على أرض واحدة ، دون تمايز ما بين المناطق من الزاوية التاريخية ومن منظور الأنتماء ، وأختزلت في منطوق الشعب دون الأرض ، وهذا مردود مدحوض لايصمد أمام القرائن ؟؟ !! . وثالثاً . أيدري الساسة المصريون { وعلى رأسهم السيد رئيس الجمهورية محمد حسني مبارك ، والسيد عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية ) أن مايوسمونه بالأعندالية في السياسة لا يخدم المصالح العليا ناهيكم عن مقولة الأمن القومي ، وكأن الأمر يتعلق بالشعور السرابي الوهمي كمعالجة مرض السرطان بالمورفين لتخفيض درجة الألم دون إزالة حالة المرض ، فالأستطرادية مثلاً في العلاقة التصالحية الفوقية مابين مصر وأسرائيل وسوريا لاتنسجم مع نسق الديمقراطية الحقة في تمرير السيد جمال مبارك إلى سدة الحكم ؟؟!!
في هذا الزمن المعقوف الأبجر، القوة العائمة الفوضوية تطيح بالبنيان المرصوص ، وتهجره بعد أن تجتر منه القوة الأجتماعية المعنوية ، والقوة السياسية المعنوية . فلايكترث أحد بقوة التحليل ولا بمراجعة نقدية للقيمة العلمية لثلة من المعطيات ، الفرضيات ، المسائل النظرية . فأولاً . مفهوم العقل . حدث سجال غير مباشر في الآونة الأخيرة ما بين المفكر محمد عايد الجابري ، وأحد أعمدة الفكر أيضاً في المغرب العربي وهو العفيف الأخضر حينما حاول هذا الأخير ، ومن خلال مقالين نشرا في المجلة الألكترونية الذائعة الصيت ~ إيلاف ~ تفنيد مفهوم العقل بالمعنى الجابري له ، وسعيه إلى تأصيل مضمون العقل الكوني . أعتقد إن المفكر العفيف الأخضر قد جازف إلى حد مفلطح ( ولي عودة مسهبة حول هذا الموضوع ) عندما أقر مفهوم العقل الكوني ، الذي لايمكن أن يوجد ولابأي صورة من الصور إلا اللهم إذا أختزلناه إلى منطوق الآلية / الأجرائية أي السلوكية المحضة مع الأعتقاد بعضوية العفل ( غرامشي ) تماماً كما يفرز البنكرياس الأنسولين . ثم لاأعتقد إن الأخضر قد سعى علمياً إلى مناصفة الجابري وكأني به قد أغمط حقه وأجحف به ، فالجابري كأي أكاديمي يصرح منذ بداية البداية أن مسألة العقل كما أعتقد ~ لالاند ~ هو أنشطاره ما بين العقل المكون ( بالكسر ) والعقل المكون ( بالفتح ) وهذا الأخير هو الذي يتباعد ويتمايز ويتفارق هنا وهناك ، وهذا هو الأرجح ، مع العلم أنني أستخدم (عوضاً عن مصطلح العقل ) مصطلح ~ المادة المدركة الواعية ~ مشيراً إلى العضوية الدماغية ثم إلى القوة الأدراكية ثم إلى مفهوم أدراك الأدراك . وما أنا بصدده الآن يبرهن على ذلك .زد على ذلك إن ما سعى إليه ، وإلى إثباته ليس جوهر وكنه العقل أبداً ، إنما تقديم ميثاقه العقلاني ( وأنا أوافق من حيث المبدأ على هذا الميثاق ) ولكن الفرق والمفارقة أكيدة ما بين البعد الأول والبعد الثاني وخطوطهما البيانية . وثانياً . الجملة الأسمية في قواعد النحو . قد يبدو الأمر مستغرباً ، لكن أعتماداً على اتساق المنطق إذ لايوجد مثلث مربعي أو مربع مثلثي بحكم التعريف والمعنى ، فالجملة في نفس الإطار لامناص و لامندوحة إلا أن تكون على طول التوازي فعلية وفقط فعلية وإلا سنكون إزاء مفهوم تناقضي . فالجملة هي بالضرورة حدث ، والحدث بالضرورة فعل . ومن الناحية الثانية يستحيل أدراك منطوق ( الجملة ) ما لم يقترن بالفعل ، فمهما أفضنا في الكلام وأسهبنا فيه فلن يتحدد المعنى بصورة قطعية باتة إلا إذا توافر فعل ما . غني عن البيان إن هذا التعليل لا يستغرق حالة خاصة ، وحالة وحيدة وهي إذا أزعمنا إننا نسميها ~ ومن ناحية التسمية فقط ~ بالجملة الأسمية ، عندئذ يغلب التعمد ( قوة المعنى ) . وثالثاً . مبدأ التناقض . في معظم الكتب المدرسية والجامعية ، عندما يتم الحديث عن مبدأ التناقض ترتكب مغالطة قاتلة تستبيح المعنى . فالتناقض لايتعلق بالتعارض مابين الوقوف والجلوس مثلاً ، فالوقوف إثبات كما إن الجلوس إثبات ، والإثبات لايناقض الإثبات إنما يناقضه النفي ، والنفي هو نفي وجودي ، وهذا ما أنتبه إليه سماحة العلامة محمد باقر الصدر في مؤلفه ~ قلسفتنا ~ وكذلك جان بول سارتر في مؤلفه ~ الوجود والعدم ~ أي إن الوجود ليس نقيضاً للعدم ، إنما نقيض الوجود هو اللاوجود ، ونقيض العدم هو اللاعدم ( لاوجود العدم ) إذا أخذت ( اللا ) بمعنى النفي الوجودي . ورابعاً . مبدأ العلة ومبدأ السببية . ثمة دائماً وأبداً خلط ما بين المبدأين إذ يعنبر وكأنهما مبدأ واحد ، وفي الحقيقة هما مبدآن متمايزان ، فالأول يستغرق الثاني تماماً كما تستغرق المجموعة الهندسية للأعداد الصحيحة كل من المحموعة الهندسية للأعداد الفردية ، والأعداد الزوجية . كما إن المبدأ الأول يماهي بالضبط حالة الخلق والعلاقة مابين الخالق والمخلوق ، فالمخلوق أفتقر في وجوده إلى الخالق ، وقد ( كان) في لاحالة و ( صار ) في حالة . في حين إن المبدأ الثاني ( السببية ) يتضمن فقط التحول والتغير والتطور في الحالات الوجودبة . فالنجار هو (مبدأ السببية ) للكرسي وليس هو ( مبدأ العلة ) له ، وكذلك الغيوم والأمطار والموت وبقية ظواهر الطبيعة . وخامساً . الله( جل وعز ) والرب ( تعالى وتبارك ) . يعتقد معظمهم لاسيما في مجال الترجمة ، إن المفهومين هما منطوق واحد ، بيد أن الأمر على خلاف ذلك ، وهذا له خطورته في مجال الترجمة لاسيما إذا تعلق ذلك بعصرين متباعدين في الزمن التاريخي . فالله (عز وجل ) هو لفظ الجلالة هو أسم الرب هو المشخص في وجوده إذ ( لا إله إلا الله ) . في حين إن الرب هو ال( إله ) وهو العام وهو المعنى الذي يتفارق عن الأسم .
في هذا الزمن المشوه الكسيح ، يعقل الخاص العام كما يعقل الجنائي المدني ، ويعفل الحهل العلم ويستبد الأستثنائي بالموضوعي ويبطش به . فأولاً . المعارضة السورية . التي أضحت فريسة مابين سندانة هذا ومطرقة ذاك ، فهي أنى توجهت سلطت عليها أبشع وأخس أنواع الفدح والذم ، ومورست ضدها أقسى وأبخس أشكال الضغط . فهي غير قادرة على مواجهة النظام والتصادم معه فهو مارحم ولن يرحم ، كما إنها إن استنجدت بالشرعية الدولية وصمت بالعميلة وباللاوطنية ومابين البينيين يستفيد منها أمثال السيد هيثم مناع . لذا ليس أمامها سوى أستكمال شروطها الثلاث ، الشرط الداخلي (العربي ، الكوردي ) ، الشرط الخارجي ، الشرط الشرطي ( وحدة المعارضة بكافة أطيافها دون إقصاء أو استثناء ) . وثانياً . المسألة أم القضية . في غمرة العلافة ما بين السذاجة وبساطة التفكير والمألوف ، تتآكل حدود بعض المفاهيم ، ويغدو التنظير فيها كالحراثة في أرض بائرة جرداء قحطاء ، فالمسألة في المنطق والفلسفة وعلم الأجتماع تستغرق عدة قضايا هذا أولاً ، ثانياً إن مفهوم المسألة يتكامل نحوالتأصيل التنظيري ( جاكلين روس ) ، في حين القضية تمقته وتنأى عنه. ثالثاً . إن منطوق المسألة بكره محتوى النزاع والمنازعة ويطلب المشاركة الإيجابية لكافة الأظراف المعنية ، بالمقابل فإن منطوق القضية يؤجج المنازعة ويفصل مابين أطراف المشكلة . رابعاً . إن المسألة تجنح نحو حلول بطرق سلمية ( أليس هذه هي استراتيجية الأحزاب الكوردية في سوريا ) . بالتضاد فإن القضية غير حيادية في هذه الأشكالية . ثم أليس محتوى المسألة أنسب وأكثر مؤاءمة وتناغياً لمرحلة ما بعد مهمة التغيير ؟؟!!.
في هذا الزمن الأجعد المنكمش ، يبلغ التشاؤم ذروة ( السبوت ) البياني ، ويصل الأجتماعي إلى أقسى وأفظع أنواع الأغتراب والأستلاب ، لكن مابين تلك التراكمات والركامات تترائ ومضات هنا وهناك ، ولتكن هي عزاءنا في هذا الصباح الباكر من أول يوم من عام 2008 . فقبل كل شيء ، كيلا أنسى ، كل عام وأنتم بخير . وأولاً . جان بول سارتر الذي أبى ورفض أستلام جائزة نوبل عام 1964 مازال يبدع ويبهر في مؤلفه ( الوجود والعدم ) الذي ينوف عن ألف صفحة بأصعب ريشة فكرية . وثانياً . أما سماحة العلامة محمد باقر الصدر في ثلاثيته ~ فلسفتنا ، مجتمعنا ، أقتصادنا ~ قد جاوز حد المألوف ، وحطم الأغلال والأصفاد المعهودة ، وكتم أنفاس ماركس وكم فاهه وأزهق جوهر مبدأ التناقض على كافة الصعد حتى الفيزيائي منها وهذا ما يذكرني ثالثاً بالدكتور يوسف كرم في ( العقل والوجود ، الطبيعة وماوراء الطبيعة ) الذي أرخ لكل المدارس الفكرية والفلسفية بالعرض والتحليل ثم النقد العلمي المعرفي الأدراكي الأصيل . ثم رابعاً اللوحة الفريدة الأستثنائية التي فدمتها ~ فايزة أحمد ~ في ( رسالة من امرأة مجهولة ) [ ماذا لو إتك يا رفيق العمر قد أخبرتني أن أنتهى أمري لديك ، فجميع ما وشوشتني أيام كنت تحبني قد بعته بلحظتين ويعتني ] . أم خامساً . الحس الصدوق في وجدانيات العشق لدى الأخطل الصغير في ( أضنيتني بالهجر ) . أو سادساً الحضور التاريخي الفينوسي ل ( راكيل وولش ، صوفي مارصو ، شارون ستون ) . وأخيراً سابعاً الترمومتر المتنامي للدراما السوربة ، فثلاثة ورود حمراء إلى ( سوزان نجم الدين ، نورمان أسعد ، سلافا فواخرجي ) ..
في هذا الزمن ، الأشياء باتت فيه وأمست أشباه و نظائر و تناسخ و استنساخ ، وضاع المفهوم في ثنايا الخبث والشكل ، المكر و المضمون ، وتهافتت المقولات إلى درجة القيء و الأشمئزاز ، و اضمحلت الأفكار وضحلت ، وانهزمت الأيديولوجيا وأندحرت ، وأنتهى التاريخ وأندثر . وأنتصرت البرلمانية التمثيلية بصورتها الأكثر حقارة ودناءة ، الأكثر حضرية ومدنية ، الأكثر بغيضة مقيتة ، الأكثر رفعة وسمواً .
وإذا ما أنتهى التاريخ فليس على طريقة فرنسيس فوكاياما ، إنما حسب مفهوم جديد ضمن هيكلية القديم ، فتصوره الكلاسيكي الجامد يذوي أمام ابتذالية و مارجينالية رعناء ، يفتقر إلى ماركس جديد يقوم فيه جوهر علاقة الأنتاج مع تطور الآلة العلمية في هذا المستوى الخاص للتشكيلة الأقتصادية الرأسمالية . فهو يؤكد من طرف خفي على مصداقية المعادلة التاريخية القدبمة ( المال ، السلطة ، النفوذ ) ، غافلاً دور الأختصاص في اضفاء طابع مستبطن على مفهوم علاقة الأنتاج المواكب له . لتغدو تلك المعادلة ، بشكل غير مباشر أيضاً ( المال ، السلطة ، النفوذ ، الأختصاص ) ..
لنتعمق في المسألة أكثر ، ونسبر غورها بشيء من الفانتازيا الموضوعية والفانتاسمية المخترقة لذاتها ، ضمن جدل أفتراضي بحت ، نحن نصبو ونأمل في أضفاء طابع الموضوعية على ~ قوانين ونظريات وأفتراضات في الجانب الأجتماعي الأنطولوجي للكون الذي هو أمامنا ~ التي دونها نلغي مقولة التطور ونبطل مفهوم ( العقلانية ) في تقنين البحث العلمي وكل ما يرتيط بهذا المفهوم على صعيد العلوم الأنسانية وعلم الفلك وروح الفلسفة وماهية الفكر والمنطق . لكن ماهو معيارنا في ذلك ؟؟ !! أنوه منذ البداية إن المسألة راديكالية أكثر مما تتصورون .. ماذا لو كانت البشرية والكون نفسه طفرة مرضية في الوجود الذي نزعم إننا نتحسسه ونلمسه ؟؟ !! ماذا لو إن وجودنا كمطى أفتراضي سيدمر في النهاية الكائن الذي هو يسكن ويقبع فيه ؟؟ !! ماذا لو كان وجودنا ورماً سرطانياً في أنطولوجية أكثر أزهاقاً للمعنى وأهراقاً للأدراكية ؟؟!!
إلى ذلك ، ولاأخفي عليكم أنني تعمدت تهشيم الباب بمصراعيه ، لأمرر بهدوء مفهومين في غاية الخطورة وأفصى الأهمية الأمر الأول : المادة المظلمة . أن الكون الذي بترائ لنا الآن ، وفي هذه اللحظة ، هو وجود لاحق ~ حسب أعتقادي ~ لوجود المادة المظلمة التي ينبغي أن نكون بالضرورة وتطابقاً مع وعي الضرورة ، المادة الأولية للوجود / كوننا هذا . فهي السر الدفين الغائر في أدق السلوكيات الموضوعبة للطبيعة وهي التي تتحكم بصورة مطلقة وقطعية في الكون / الوجود من زاوية وحدته ومن زاوية أنسجامه ومن الزوايا التي لاندركها نتيجة مبدأ القصور الذاتي لعفولنا / المادة المدركة الواعية . وهي التي تقبع وراء كل الفوانين الفيزيائية تلك التي باتت معروفة وتلك التي ما زلتا نجهلها . ونحن لاندرك عن تلك القوانين إلا النزر اليسير بل التافه . فإذا ما قدر وتم أكتشاف المادة المظلمة فإن قوانين نبوتن في الجاذبية ستوضع على الرفوف المهجورة ، بل حتى قوانين آينشتاين في النظرية النسبية ستفقد الكثير من أهميتها . وسترضخ العلاقة الفيزيائية مابين ( الطاقة ) و( السرعة ) إلى ثابت فيزيائي يسنمد جوهره من طبيعة المادة المظلمة . الأمر الثاني . المجالات الثلاث . أنني أعتقد أنه ثمة ثلاثة مجالات لحالات الوجود ، المجال المكاني ، المجال الزماني ، المجال التجريدي . وأننا تعيش منذ البدايات وربما إلى ( الأبد ) في المجال المكاني . ونجهل المجال الزماني تماماً ، فهو خارج نطاق عقلنا/ المادة المدركة الواعية ، وخارج حدسنا ، بل حتى خارج نطاق فدرات روحنا ، إن وجدت ، ناهيكم عن المجال التجريدي .
ولكن ، وبكل تأكيد ، ثمة مدخل إلى أدراك المجالين الزماني والتجريدي تطابقاً مع قوة وطبيعة المادة المدركة الواعية، وأنني أرجح مجال جزئي مشترك مابين ~ على الأقل ~ المجالين المكاني والزماني ، وكذلك أرجح وجود مجال جزئي مشترك مابين المجالين الزماني والتجريدي . وهذان المجالان الجزئيان المشتركان يقتضبان ثابت فيزيائي لكل منهما .
وغني عن البيان إن من يلج المجال / الجدار الزماني سيتحكم بكل أريحية ~ على الأفل ~ بكوننا هذا . وستتوافر عتدئذ فوانين فيزيائية أخرى لها طبيعتها المواكبة . ولكن قد أقول أن أكتشاف المادة المظلمة سيقربنا من أدراك المجال الزماني درجة متقدمة . ولكن أيضاً يبدو أن هذا الأمر بعيد جداً ، أي نحتاج إلى ملايين السنين . إضافة إلى ذلك أن الحضارة الأوربية الحالية ( التقنية ) وفي هذه المرحلة المتقدمة من الرأسمالية تدمر الأساس الأسي والأيني للمادة المدركة الواعية .