تلميـذ متلعثـم في مدرسـة المشاغـبين

ديـــار ســـليمان

رحلة البحـث المضنيـة عن الجملة المفيـدة في كتابـات السيد هيبت بافي حلبجة هي كالبحث عن أخيـارالملائكة في الـدرك الأسـفل من نار جهنم، فالمـرء قد يعـود من الأخـيرة خالي الوفـاض مكتفيآ بسلامة العـودة، مصابـآ ببعض الحـروق البسيطة، لكنه إذا ما قُـدر له أن يكمل رحلته الأولى فأنه بالأضافة الى عودته ناسـيآ حتى (خُفي حنين)، سـيكون حتمـآ مشـوه الـروح مـضطرب الحـواس، أول ما يفعلـه هو تحـسس رأسه فيما إذا كان دماغـه لم يزل في مـكانه الذي وضعـه فيه رب العالمـين.
و مثل هكـذا شـطحات كتـابية (شـيفروية) تتواجد مفاتيح أكوادها في نقطة مظلمة من عقـل صاحبها و في مـكان مظلم من روحه المهـترئة بحيث يصعب على القارئ المـسكين فك طـلاسمها و إدراك غاياتها الخفية، يُعتبر قراءتها نوعـآ من جلـد الذات يعد الشخص الوحيد المـستمتع بذلك كاتبها ذاته دون غيره، و يعتبر تكـرارها بمثابـة إقامة الحـد (حـد القـراءة) من الكاتب على قارئه الذي قد يجد نفسه مدعـوآ مثـلآ لقـراءة مقـالٍ أدبي عن النقد و السياسـة فيجـد نفسه متورطـآ في الدخـول الى متاهـة لا يملك مع كل سـوط يتلقـاه على أم رأسـه (و أبـوه) إلا أن يتسـاءل: من أنا و ماذا أفعـل هنـا؟
 و لست هنا بصـدد الدفاع عن اللغـة العربية في وجـه الانتهاكات الكـثيرة التي تتعـرض لها على يدي الكاتب، فالوطـن العربي قد أصبح و بأمتيـاز من أقصـاه الى أقصـاه موبـوءآ بالانتهاكات تعـد اللغـة المشـوهة أبسـط أدواتها، لكنني بصـدد محاولة البحث عن الكيفية التي يمكـن بها للسـيد بافي حلبجة أن يخـفف من قصفـه اللغـوي المـزدوج (مفـردات وجمـل) على رؤوسـنا، حيث كل كلمة و جملة من القياس (المُحـير) تحتـوي معناهـا و نقيضـه، فالذنب ليس ذنبنـا في ان الله قد بعثـه في هذا الزمـن السريع الـردئ (المأفون الصعلوكي كما ذكر) الذي لا يناسـب قامته الأدبويـة العلمـوية (على وزن تعابيره)، حيث جاء معاصـرآ ل (هـاري بـوتر) الذي سحب البساط من تحت قدميه، ولاحقـآ لمجموعة من العمالقة يذكرهم بحميميـة مع مؤلفاتهم دلالة على توحـده معهم و تشبعه الروحـي بكتاباتهم، و سـابقآ في الوقت ذاته عصـره و أوانه مثلـه مثـل مبـدعي عصـر النهضـة الذين أحتاجت إبداعاتهم الى مئـات السـنين حتي جـاء من يقـدرها، فالقارئ ليس مجـبرآ و بكل الأحـوال على دفع ضريبـة خطـأ الطبيعة هذا و التي هي قـوة عميـاء يصعب تصـور وجـود مؤامـرة في الخفـاء أدارتها أيادي شـريرة ساهمت في وقـوع مثل ذلك الخطـأ، فاذا ما دخل لقـراءة شـئ عن الأدب و السياسة (كما يشير العنوان) فهو محـق أن يستغرب و هو يغـادر ـ بعد أن يعـرج على شتى أنواع الأكتشافات ـ مُـشبعآ بنظـريات جديدة في الفـيزياء و خـرق جـدار الزمان و المكان و مشاهدة الأطبـاق الطائرة و عوالـم الغيبيـات ضاربـآ كفـآ بكـف و لسـان حالـه يقـول: لا حـول و لا قـوة إلا بالله!
و لعـل إحدى (الفيزيائيـات) الحديثة لدى الكاتب و التي تعتـبر بمثابـة نظريـة كونيـة في النقـد هي في محاولته إعـادة إدخـال (ممـي آلان) و هو قد بلـغ ما بلغـه من العمـر الى بطـن أحمـدي خاني تمهيـدآ لاعـادة توليـده بطريقـة تتناسـب و رؤيتـه النقدية المسبقة الصنـع والتي يبدو أنه قد كتبها لهـدف واحد وحيد هو أن يجعل رؤيته تلك بديلآ لتلك القصة و ربما تخيله في بعض الوقت أنه قد يطال أحمدي خاني ذاته، إذ ما معنـى أن يزيـح بجـرة قلـم مبانـي و معانـي ملحمته الرائعـة و يـأد الشـعور بالمتعـة لدى كل من قـرأها إضافة الى جهـود كل من تطـرق اليها دراسة و تحليلآ بداعـي (تهافت النـص لديهم) و كأنه يدعو لاخلاء سـاحة المبـارزة ليستفرد بالشاعر الجليـل باشاعات سـبق لبعض المهتمين بالموضوع أن أثبتـوا بطـلانها.
أما في السياسة فقد سـبق لثـلاثة من المهتمـين بشؤونها أن تعرضوا في بيانٍ لهم على الأنترنت الى حضور السيد ابو حلبجة مؤتمر المعارضة الأخير في برلين، حيث كان من الداعـين بقـوة الى الرضـى بأقل القليـل حيث جاء حرفيآ في بيانهم أنه قد حاول و ربما ساهم شـخصيآ في إضعاف موقفهم، قبل أن يخرج علينا فيما بعد بمقالٍ عرمرمي مختصـره أنه كان يجب عليه أن ينسحب مبكـرآ من المؤتمر كونه لم يلبي الحـد الأدنى من المطالـب الكـوردية!
هذا و رغم استجابتي لدعوة الكاتب العزيز و تراجعي ليس فقط عدة خطـوات بل ـ عدة كيلومـترات ـ الى الوراء (في سـبيل خطوة واعية شاملـة تحيط بكل الجوانب الممكنة التحليلية/ النقدية/النزعـوـ اسـتبطانية للفكرة البـؤرة الكامنة و القابعة في غياهب البنى البنيوية للآن الآنئذيـة…)  إلا انني لم أتمكـن من الاحاطـة بكل ما يريده و يرمـي إليـه!

  07.01.2008

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

سمكو عمر لعلي

مقدمة

لم يكن الحاج أحمد ملا إبراهيم مجرد اسم عابر في تاريخ الحركة الكردية، بل كان رمزًا للنضال والمثابرة من أجل قضية شعبه. وُلد عام 1923 في بلدة عين ديوار، التي تقع اليوم ضمن الحدود السورية، لعائلة مناضلة تمتد جذورها إلى شرق كردستان من اقرباء سمكو اغا الشكاك ، حيث كان والده الملا إبراهيم…

تقرير صحفي: شهدت جامعة النجاح الوطنية يوم الخميس الموافق 20/11/2025 إنجازاً أكاديمياً لافتاً، تمثل في مناقشة رسالة الماجستير المقدمة من الطالبة رجاء رشيد محمود الحلبي في برنامج اللغة العربية وآدابها، جاءت الرسالة تحت عنوان: “روايتا “الحاجز” و”حب في منطقة الظل” للكاتب عزمي بشارة دراسة تحليلية في المضمون والفن”، وقد أعلنت اللجنة نجاح الطالبة وحصولها على…

عِصْمَتْ شَاهِين الدُّوسَكِي

 

يَا لَيْلُ

أنَاجِي الرُّوحَ وَهِيَ بَعِيدَةٌ

تَلْهُو فِي صَمْتِي الْمَجْرُوحِ

آهٍ يَا لَيْلُ

صَمْتِي كَحَرِيقٍ فِي صَدْرِي

وَجُدْرَانُهُ تَكْتُمُ قَدَرِي

آهٍ يَا لَيْلُ نَوَافِذُ مُغْلَقَةٌ

وَأَبْوَابٌ صَامِتَةٌ

كَتِمْثَالٍ جَمِيلٍ

أُنَادِي وَكَأَنَّ السَّمَاءَ تَسْمَعُ صَوْتِي

وَلَا أَهْجُو أَحَدًا

بَلْ أَهْجُو كُلَّ النِّدَاءَاتِ

يَا لَيْلُ كَمْ طَوِيلٌ هَذَا الظَّلَامُ

كَمْ طَوِيلٌ هَذَا الْخِصَامُ

كَمْ طَوِيلٌ هَذَا الْحُسَامُ

الَّذِي يَقْطَعُ شَرَايِينِي

يَا لَيْلُ لَا أُعَزِّيكَ

وَلَا أَثْرِي بِكَ

وَلَا أُعَزِّي إِلَّا نَفْسِي

مُرَادُكَ…

عبدالجابر حبيب

 

خارطة

جلبوا الأطلس؛ دليل إثبات وجودهم على أرضهم، بحثوا عن دولتهم التائهة في عمق الجغرافيا، احتد النقاش بينهم، اختلفوا حول التفاصيل الدقيقة، اشتد الصراع بينهم حول الكرسي،

 

حسرة

بعدما عثروا على جذورهم الراسخة في دهاليز التاريخ،

أخبروهم أن الشرق الأوسط الجديد لا يضم سوى الأسماء الموجودة سابقاً على خريطة العالم

 

إنسانية

كتب المؤرخ: الحفاظ على الكائنات المهددة بالزوال….