كروب ثقافي بدون ثقافة فليكن للحديث بقية

صبري رسـول

 لم أكتب عن الـ(كروبات) الثقافية سابقاً لتقزيم القامة الثقافية لأحد من القائمين على تلك الكروبات ، ولا للتنكّر بما تقدّمه من خِدْماتٍ ثقافية للناس ، وبيّنتُ في بداية حديثي في المقالة السابقة (…طبعاً لا أقصد من هذا الكلام إلحاق الأذى الكلامي بكروبٍ ما، ولا الإساءة إلى مثقف معين …) أيّ أن الكثير منها ربما لم تضع خطة عملٍ لنفسها ، وكأنّها تحاول الحصول على شهرة إعلامية ، ويبدو لي بأنّ بعض الزملاء قد فسّروا كلامي وكأنّه إساءة لهم ، أو هم كانوا هدفاً لسهامي ، وهذا لم يكن وارداً في ذهني ، وشنّوا هجوماً عنيفاً لم يكن لذلك أيّ مبرّر موضوعي .
إنّني لا أحبّذ الدخول في جدالٍ غير طائل ولا في حوارٍ من أجل الحوار فقط ، وحاولتُ الابتعاد عن الرّد ، كي لا ننجرَّ إلى هاوية الكلام ، لكن الكثيرين أثاروا المسألة ، شفويا (شفهياً) ، إضافة إلى الرّد الذي كُتِبَ باسم كروبا ( بربروج ) الثقافية . سأكتفي بالنقاط التالية لتوضيح بعض الأمور الهامة في هذا الشأن :
A –  لم يرتقِ الرّد الموسوم باسم جمعية بربروز إلى المستوى الثقافي والفكري المقبول ، فكانَ ردّا عنيفاً ، مفكّكاً ، وغير مترابط من حيث الأفكار وتسلسلها ، وفقيراً في لغته الضعيفة ، ومليئاً بالأخطاء النحوية ، و اللغوية ، والكتابية – يمكن للقارئ العودة إلى نصّ الموضوع ، وردّهم عليه ، ليكتشف مدى التدني الثقافي في الرّد –  إلى درجة يبيّن للقارئ صحة كلامي في عنوان الموضوع (كروب ثقافي بدون ثقافة) علماً أنّ  العنوان كانَ عاماً، وغير مخصّص لأحد . لكن الإخوة في جمعية بربروج ، ظنّوا وكأنّ الموضوع موجّه لهم وحدهم فقط ، علماً أنّ ذلك الظنّ ليس في محله.
B -كنتُ قد تساءلتُ في المقال : (إذا كان الغاية التي أُنشِئَتْ من أجلها الكروبات الثقافية هي الاشتغال بالشأن الثقافي ، وتحريك الحالة الثقافية الراكدة للتفاعل مع الحياة .. (هل تمتلك هذه الكروبات برامج – ولو بسيطة ومتواضعة – كتابية تهتدي بها في نشاطاتها ؟ ) . فإذا يأتيني الرّدُّ المضحكُ المبكي :  (هنا أريد أن أهديك برنامج إحدى هذه الكروبات الثقافية ) الكلام مقتبس من ردّ بربروز ، لكنّ كوملة بربروج لم تهدِنـي البرنامج !!!  وللأسف ، فقد أهدتْني النظام الداخلي للجمعية مذيّلاً بالرَّد !!! وهنا تكمن المفارقة ، الجمعية لا تفرّق بين النظام الداخلي والبرنامج . ورغم معرفتي بحالة الكروبات البائسة ، أكدّتُ في مقالتي : (ليس عيباً وفق هذا المقياس أنْ يبدأ المرء بخطوة شبيهة بهذه الكروبات ، فخطوة صغيرة واحدة خيرٌ من اللعنة على الجمود ، وعلى الوقوف في المكان جامداً حائراً) لكن لم يحلُ للبعض هذا الكلام . و لدي يقين بأنَّ كلّ الأعمال العظيمة ، ثقافية أو غير ذلك ، بدأتْ بمشروعٍ متواضع ، لم يكن أصحابها يطمحون بما وصلت إليه أعمالهم فيما بعد ، لكن تلك الأعمال بدأت بخطة واضحة ، قابلة للقياس ؛ للتحقّق من نجاحها أو فشلها بعد فترة زمنية. ومن الخطأ أنْ يضع أحدهم مشروعاً ضخماً ، وأهدافاً لا يمكن التّحقق من مدى نجاحها فيما بعد ، وفي هذا السياق أيضاً ، سأناقش في هذا المقال ، الرّدّ ، هدفاً واحداً أعتقد أنّه لجمعية تيريز الثقافية بموضوعية واضحة ، وليكن القارئ ، أو أي شخصية ثقافية تختارها الجمعية حكماً بيننا.
C-  يدّعي لسان حال بربروج (بأنَّ هنا مرض الكروبات الثقافية جاء من مرض الأقلام الثقافية) ويضيف قائلاً : (أنتم المثقفين (الفطاحل) فأنتم كلكم متشتتين هنا و هناك لديكم محسوبيات على هذا و ذاك .)- الكلام مع الركاكة و الأخطاء له -. يبدو أنَّ  الأخ المعني، صاحب الرّدّ ، نسي أنّه لا يوجد إطار معين يجمع المثقفين ، وليس هناك رابطة للأدباء ، أو جمعية تؤطّر الأقلام المبدعة ، أو غير ذلك ، فمن أين جاء مرض (الأقلام الثقافية) ، وما المقصود من (هناك لديكم محسوبيات) ؟؟
D – طرحتُ في مقالتي سؤالاً يصبّ في صميم عمل الـ(الكروبات) الثقافية : (يا ترى هل أصحاب هذه الكروبات لديهم برامج ثقافية ، وإرادة تمكّنهم من القيام بتلك الخطوة الكسيحة ؟؟) لم أقلّ أنها لا تملك برامج ، بل كان سؤالاً طرح نفسه ، وحتى تلك التي أثنيتُ عليها قلتُ :(إنّها هي الأخرى تحتاج إلى كثيرٍ من العمل ، وإلى كثيرٍ من العزم والإرادة ، وإلى كثيرٍ من الوقت ، وإلى كثيرٍ من الكوادر…) لأنّ أيّ إنسان أو كروب أو جمعية تحتاج إلى برنامج عملٍ ، وإلى خطة وآلية لتنفيذه . وفي ردّ الإخوة يتبيّن أنّ لها برامج كثيرة غير قابلة للتحقيق ، لأنَّ الرّدّ يتحدث عن مشروع مجلة ، وتعليم اللغة الكردية ، وإحياء أمسيات ثقافية ، وإحياء مناسبات ، وتكريم المتفوقين ، وإلى غير ذلك من الأعمال التي تقصم ظهر وزارة ثقافية إذا تبنّتْها . أعتقد أنّ مثل هذه البرامج غير قابلة للتنفيذ ، لضخامتها وثقلها ، وكثرتها ، بمعنى أنّه لا برنامجَ محدّداً لها.
F  – وَرَدَ الهدف التالي في برنامج كوملة تيريز الثقافية (تطوير البنى الثقافية الكردية) . صحيح أنّه هدف ، لكنّه غير واضحٍ ولا محدّد ؛ هل هذا الهدف قابل للقياس إذا أرادت الجمعية إجراء مقارنة لعملها المتعلق بهذا الهدف بعد سنتين مثلاً ؟؟؟ ماهي المقاييس التي يمكن عليها أن تُقاس (البنى الثقافية) الآن ، لنعرف ما التطوير الذي حصل في هذه البنى بعد سنتين ؟؟؟
إذاً ، يمكن القول : ينبغي عند صياغة الأهداف ، مراعاة الجانب المعياري فيها ، ليتمكن القائمون عليها قياس نجاحاتهم الملموسة بعد فترة من عملها.

كما يلاحظ المرء أنَّ كثرة الأهداف الكبيرة تعرقل عمل الكروب الثقافي ، وتجعلها تائهة ، ومشتتة في عملها.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

شيرين خليل خطيب

في أيِّ مجال إبداعي، أو أي حرفة تعتمد على الحس والموهبة، يظهر أشخاص يظنون أن بإمكانهم اقتحام هذا العالم لمجرد أنه يعجبهم أو أنهم يحلمون بالانتماء إليه. لكن الحقيقة المُرَّة التي مهما حاولنا تجميلها، هي أن بعض الطرق لا تُفتح لكل عابر، وأن بعض الفنون تحتاج إلى موهبة أصلية أو حد…

خالد بهلوي

اختُتمت الدورة الإلكترونية لتعليم كتابة سيناريو السينما الكردية، التي أُنجِزت بإشراف الدكتور جاسمي وزير سَرهَدي، البروفيسور في المسرح والسيناريو (الدراما الهوليوودية)، والمدرّس السابق في جامعة صلاح الدين في هولير، والحاصل على عدة جوائز دولية في كتابة السيناريو السينمائي.

قدّم الدكتور الدورة على مدى عشرة أسابيع، تناول فيها موضوع الدراماتورج وبنية القصة الدرامية، إضافة إلى محاور…

ا. د. قاسم المندلاوي

في هذه الحلقة نقدم للقارئ الكريم نبذة مختصرة عن فنانين آخرين، احدهم من غرب كوردستان، الفنان الشهيد يوسف جلبي، الذي تعرض الى ابشع اساليب الاضطهاد والتعذيب من قبل السلطات السورية الظالمة، وخاصة بعد سيطرة نظام البعث سدة الحكم عام 1966. فقد تعرض الكثير من المطربين والملحنين والشعراء الكورد في سوريا…

يسر موقع ولاتى مه أن يقدم إلى قرائه الأعزاء هذا العمل التوثيقي القيم بعنوان (رجال لم ينصفهم التاريخ)، الذي ساهم الكاتب : إسماعيل عمر لعلي (سمكو) وكتاب آخرين في تأليفه.

وسيقوم موقع ولاتى مه بالتنسيق مع الكاتب إسماعيل عمر لعلي (سمكو). بنشر الحلقات التي ساهم الكاتب (سمكو) بكتابتها من هذا العمل، تقديرا لجهوده في توثيق مسيرة مناضلين كورد أفذاذ لم ينالوا ما يستحقونه من إنصاف وتقدير…