سلاماً فرع فلسطين، وداعاً أيتها الأسلاك الشائكة

فتح الله حسيني

‏”أخفى السجينُ، الطامحُ إلى وراثة السجن، ابتسامةَ النصر عن ‏الكاميرا. لكنه لم يفلح في كبح السعادة السائلة من عينيه” محمود درويش..

أيتها الجدران، أيتها السياط، أيتها الآلة الذهبية / الحديدية، كوني رؤوفة أو شبه قاسية أو قاسية جداً كحدود الله القصوى واجحافه الأقسى، لا يهم، ما لدي في وضح هذا الليل المغترب على آخره، رسالة واضحة فاضحة، الى تلك الجدران التي شهدت موت الكرد، وعذابات الكرد من الألف الى الياء اللا كردية.
لن استميحك عذاراً أيتها الجدران الشاهدة على تأمل الكرد وموتهم بين كلسك وتقشر كلسك وتبعثر كلسك وأنامل الله يكتب بياضاً ما يشاء، ولن ابارك فيك، أيتها الجدران، شبراً فشبراً، قاساوتك الموروثة من أيام الأباطيل، أيتها القضبان الحديدية كأمراة لم تمت بعد، تعيش وسط فارهات العواصم، فكوني رفيقاً، أو رفيقة ومؤنساً لرفيق دربي وصديقي محمد موسى محمد.
سنمجد تاريخك الملوث، أيتها الجدران،  وسنكتب عنك كما كتب الله عن مؤازريه وماجديه والهتافين باسمه، وعباده الضالين واللاضالين، كتاريخ الملايين من بني البشر المعذبين من تخوم الحجل الى قبقب الحجل، وسنصفق لغضبك، أيتها الجدران، كما يصفق الملايين من بني البشر اليائسين البائسين من رحمة الله، فرحماك أيها التكلس، كن رفيقاً لمناضل وحيد في سجون غير وحيدة، ولكن لن نكون حياديين، فنحن أبناء الوطن الذي ننتمي اليه بارادة أو بلا إرادة، فنحن بشر ونخطئ ملئ خطواتنا، ونناضل ملئ ارادتنا، والله شهيد ، وشاهد حق، بداية ونهاية.
حضر محمد موسى، لم يحضر محمد موسى، وتهتف الجدران، عاش الملك، مات الملك، لا يهم، التاريخ سندونه قلباً وقالباً، وبدم من حديد ذهبي، بدم تباً باسمه وقسمنا به، وقلنا له أنت تجانبنا كما يجانبنا الماء والهواء والنار والتراب.
جملي قصيرة أعرف ذلك، وقراءتك بطيئة أعرف أيتها القضبان، وتاريخنا لن يكون الا أمثولة لشعوب ستأتي من بعدنا، و لن تكون مظلومة مثلنا.
لدينا خونة، لدينا سخونة  زمن مر ، مرير، حقير، لدينا مخابرات وسياط وفروع لن يحفظ أسمائها الا الله رغم أن الله لم يبدعها ولم يخلقها.
كوني رؤوفة بالمناضل محمد موسى أيتها الجدران.
حال الوطن كحال محمد موسى، المناضل، وبأي غبن وإجحاف وظلم يغتال هذا الوطن، الوهن الذي ينتمي اليه محمد موسى.
كم ألم سنتحمل بعدئذ أيتها البقعة التي تدعين الوطن والوهن والوهم والكفن معاً.
جملي قصيرة جداً أعرف ذلك.
المناضلون تشتاق اليهم السجون بلاإردة الله، والسجون تفرح لمناضليها.
ولكن كم من بغل يمرح خارج فضاءات السجون الملأى بالشجن.
جملي قصيرة أعرف ذلك.
سنحتفي بالأحياء، بالمناضلين، بالله وبالرب ، بالكنائس وبالمقدسات وسنتلي سلام وصلاة العابرين على اللاعابرين، وقد لا نضحك في وجوه من لا يضحكون هناكككككككك.
جملي باتت أكثر قصراً.. أعي ذلك.
ومحمود درويش يعي ذلك حين يكتب، قبل ذهابه الى حيفا، في فلسطين، لا الى فرع فلسطين في دمشق” هل كان علينا أن نسقط من عُلُوّ شاهق، ونرى ‏دمنا على أيدينا… لنُدْرك أننا لسنا ملائكة.. كما كنا نظن؟
‏وهل كان ‏علينا أيضاً أن نكشف عن عوراتنا أمام الملأ، كي لا تبقى حقيقتنا عذراء؟
‏كم ‏كَذَبنا حين قلنا: نحن استثناء!.
تحية الى رفيقي المناضل محمد موسى في معتقله هناكككككككككك.
تحية الى الله عندما تتكشف عوراته أمام خليقته..
تحية الى الكرد وهم يناضلون في زمن اللانضال.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…

ماهين شيخاني.

 

وصلتُ إلى المدينة في الصباح، قرابة التاسعة، بعد رحلة طويلة من الانتظار… أكثر مما هي من التنقل. كنت متعبًا، لكن موعدي مع جهاز الرنين المغناطيسي لا ينتظر، ذاك الجهاز الذي – دون مبالغة – صار يعرف عمودي الفقري أكثر مما أعرفه أنا.

ترجّلتُ من الحافلة ألهث كما لو أنني خرجتُ للتو من سباق قريتنا الريفي،…