– يجب اعتبار وزارة الثقافة من الوزارات السيادية لان مشكلتنا في العراق ثقافية قبل ان تكون سياسية ويجب أبعاد وزارة الثقافة عن المحاصصة سياسية كانت او طائفية او دينية وكذلك اختيار مرجعيات وعناوين ثقافية عراقية لقيادة وزارة الثقافة
– الكثير من السياسيين الأميين ربما لايفهمون او يستوعبون الخطاب الاستراتيجي للثقافة
– هناك توجهات فكرية انطلاقا من افكارماضوية سلفية تحاول ان تهمش من دور الثقافة والمثقفين
– للمثقف عشرات المبررات لكي يتجاوز علينا ، اما نحن المسؤولون فليس لنا مبرر واحد، المثقف ينقصه كل شيء، ونحن نتمتع بكل شيء فكيف سنبرر اعتداءنا على المثقف وتجاوزنا عليه…؟!
– بعد التحرير توقع الجميع وانا منهم انعاش كل مايتعلق بالواقع الثقافي الذي عانى الكثير من الاهمال والتهميش ولكن المفارقة هو اننا عانينا من مشاكل عديدة ولا زلنا… فميزانية وزارة الثقافة ضعيفة جدا لاتقارن بميزانيات الوزارات الاخرى كما ان هناك قصور في النظرة الى وزارة الثقافة بل الى الثقافة نفسها والمؤسف ان هذه النظرة تأتي حتى من قبل الاطراف المشاركة في العملية السياسية وهناك من يريد فرض فهم شمولي للثقافة علما ان الثقافة لايمكن لها ان تنتعش الا في حاضنات و فضاءات الحرية .
المسألة الأهم هي ان المحاصصة اثرت على وزارة الثقافة بشكل سلبي اكثر من اي وزارة اخرى ومازالت وزارتنا تعاني من هذه المشاكل , ارى ان النهوض بالواقع الثقافي يطلب منا تغيير النظرة الى الثقافة والأخذ بنظر الإعتبار ان هناك تعدد ثقافي يتكامل داخل الوطن الواحد ولا يجوز لاي طرف ان يسقط اي تخندق ديني او قومي او مذهبي على الثقافة ، كما ويجب مضاعفة ميزانية وزارة الثقافة التي كانت مهمشة اصلاً في ايام النظام السابق وتابعة ذليلة لوزارة الاعلام ،و يجب اعتباروزارة الثقافة من الوزارات السيادية لان مشكلتنا في العراق ثقافية قبل ان تكون سياسية كانعدام ثقافة الحوار والتعايش والتسامح التي تسبب المشاكل السياسية كما يجب اعادة انعاش وتفعيل البنية التحتية للثقافة التي تعتبر مدمرة وكل هذه تعد خطوات لتجديد وضع ثقافي اخر وتفعيل وزارة الثقافة.
* ما هي الاسباب حسب رؤيتكم وهل ان المشكلة في العراق تكمن في الصراع بين السياسي والثقافي او ان السبب يعود الى المد الاسلامي الذي شهده ويشهده العراق بعد سقوط نظام صدام؟
– نعم ارى ان المد الاسلامي لدى البعض بطابعه الشمولي غير المتناغم مع الطابع الحضاري الانساني للثقافة من ناحية هو سبب في ذلك ومن ناحية اخرى ان الكثير من السياسيين الأميين ربما لايفهمون او يستوعبون الخطاب الاستراتيجي للثقافة وهؤلاء لايمكن حتى اطلاق وصف (سياسي) عليهم فقد صعدوا الى السطح عن طريق المحاصصة الطائفية او السياسية وهؤلاء لانتوقع منهم فهم الخطاب الانساني المبدع او أي دور للثقافة في بناء الانسان وفي انضاج الوعي من ثم حل المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتعلقة اساسا بوعي الانسان العراقي .
* اذن ما هي السبل للتغلب على هذه المعرقلات للنهوض بالواقع الثقافي العراقي…؟
– انا من القائلين بأنه يجب تثقيف السياسة العراقية ، والسياسي العراقي قبل كل شيء يجب ان يكون مثقفا لان هناك فرقاً بين الخطاب الثقافي والخطاب السياسي فالأخير يعد خطابا يوميا متفاعلا مع الظواهر اليومية بينما الخطاب الثقافي هو حاضنة محصنة للقرار السياسي كونها ذات بعد استراتيجي بعيد المدى تمثل وجدان الشعب العراقي وهي الآلية لاعادة اللحمة لنسيج المجتمع العراقي بكافة تلاوينه اذ ان هذا النسيج مازال هشاً بل وازداد تمزقا بعد التحرير ، الكثير منا لم يعد يعمل ضمن الهوية الوطنية الكبرى بل نعمل ضمن هويات اصغر( قومية ،مذهبية ،حزبية، طائفية ،مناطقية ) وهذه الهويات اذا استمرت معنا فإنها ستؤدي الى كارثة كبرى، يجب العمل ضمن الهوية العراقية القائمة على المواطنة وهذا مايعرقله بعض الاطراف حتى المشاركة في العملية السياسية ، إن انعاش واعادة الروح للهوية الوطنية العراقية يجب ان يكون من احد اهم محاور عمل وزارة الثقافة .
* هل تعتقد ان هذا برنامج موضوع أم جاء بشكل يتناغم مع المرحلة السياسية التي نمر بها…؟
– اعتقد انه ثبت للكثير من السياسيين العراقيين انه حتى عندما كانت السياسة قابلة للتراجع والانكسار وعبر المراحل التاريخية فان الثقافة العراقية وعناوين هذه الثقافة العراقية كانت عصية على الاندحار والانكسار , نحن نعلم ان الشعب العراقي افرز مثقفين مبدعين ليس في المجتمع العراقي فحسب بل في مجتمعات اخرى وأمدوها بالكثير من العطاء ، فخيرة المثقفين العراقيين رحلوا خارج الوطن ولم يتنازلوا للدكتاتورية ولم يحصلوا حتى على جنسية او حتى على قبر ، ان هذه العناوين المرجعية للثقافة العراقية هي التي كانت عصية على الاندحار واعتقد ان الثقافة العراقية بعناوينها الاساسية اذا نالت الفضاء الكامل للحرية فإنها ستكون في المقدمة قبل السياسة العراقية الحالية التي تعاني الكثير من التلكؤ والتعثرخاصة في مجال صناعة القرار السياسي والاقتصادي للمجتمع، اعتقد ان هناك من يحاول ان يعرقل ان يكون المثقف العراقي والثقافة العراقية في واجهة المجتمع العراقي.
* برأيكم في حال استثناء وزارة الثقافة من المحاصصة طائفية كانت ام حزبية وتكون قائمة على ثوابت وهوية وطنية عراقية فهل بمقدورها آنذاك ان تشكل مرجعية للثقافة العراقية…؟
– اعتقد ان الحل الوحيد هو ابعاد وزارة الثقافة عن المحاصصة سياسية كانت او طائفية او دينية وكذلك اختيار مرجعيات وعناوين ثقافية عراقية لقيادة وزارة الثقافة لانها وزارة مهمة وخطيرة جدا لدورها في بناء النسيج الوطني والهوية الوطنية واعادة بناء اللحمة الوطنية وهي مهتمة ببناء الوعي وبناء الانسان فنحن يجب ان نستثمر الانسان ،وقد لايكون انجاز وزارة الثقافة ملموساً، فهذا انجاز محسوس على المدى البعيد ، انا اكرر كلما استثمرنا اليوم في وزارة الثقافة وفي الثقافة عموماً فاننا بعد عشر سنين سوف نستثمر اقل بكثير مما نستثمره اليوم في وزارتي الدفاع والداخلية لانه بقدر نضوج وعي الانسان سوف نخلق تناغم اجتماعي وثقافة الحوار والمشاركة ،اذن لاحل الا بابعاد وزارة الثقافة عن اي محاصصة اياً كان نوعها وعند تحقق ذلك فاننا سنحقق قفزة نوعية في هذا المضمار .
* إذن من خلال كلامكم نخلص الى القول ان الثقافة والمثقفين في العراق يستندون الى ارضية متينة ولكن بحكم السياسة فان الوزارة التي كلفت بتطوير الثقافة العراقية لم يكن لها نتاج ثقافي بمستوى الطموح…؟
– لأكن أكثر وضوحاً واقول اننا في الوزارة كجهاز اداري متخلفون عن عطاءات المثقفيين العراقيين سواء في الداخل اوفي الخارج وانا أخشى ان تتسبب المحاصصة الطائفية داخل الوزارة في هجرة عقول وادمغة عراقية مبدعة جديدة الى خارج الوطن , المثقفون العراقيون عانوا من المنافي ومن الاغتراب و يجب ان نمنحهم فرصة للعودة الى الوطن والعمل بكل حرية, الابداع الانساني لايقبل اي قيد او اشتراط من اي نوع كان لذا فان اخراج الوزارة من المحاصصة سوف يمنح الفرصة لكل المثقفين من كل االتلاوين العراقية وحتى للسياسيين ولمشاريعهم السياسية بمختلف انتماءاتهم للعمل والمساهمة في بناء العراق .
* هل هناك فكرة مطروحة في الساحة حول اختيار وزير للثقافة يكون من الوسط الثقافي…؟
– كانت هناك افكار عدة طرحت حول اختيار وزير للثقافة ومن ضمنها هذه الفكرة الواردة في سؤالكم لكن للأسف فما زالت وزارة الثقافة ضمن المحاصصة الطائفية التي تحكم عموم السياسة والإدارة في العراق …انا اعتقد ان على سيادة رئيس الحكومة نوري المالكي ان يفي بوعده الذي اعلنه في مهرجان بابل 2008 حينما ذكر في كلمته (باننا سنعتبر وزارة الثقافة وزارة سيادية واننا سنقوم ببناء قصور ثقافية في اغلب المحافظات)… كما ان هناك نقطتان اساسيتان اولاهما ان يصدر قانون سلامة الصحفيين وان يكون متكاملا لايحمي الصحفي من التصفية الجسدية فحسب ، بل يجب حمايته أيضاً من التصفية الفكرية اذ ان هناك اطرافاً حتى داخل العملية السياسية تضيق الخناق على الصحفي والمثقف وعلى حرية التعبير،أما النقطة الاخرى فان هناك وعداً اخر لسيادة رئيس الوزراء حول تكريم الفنانين والصحفيين والمثقفين ولا ارى اي سبب لعدم الايفاء بهذا الوعد حتى الآن وقد طرحنا هذا الموضوع اكثر من مرة , والمطلوب ان يلتفت الجميع بما فيهم فخامة رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء الى ضرورة انهاء موضوع التمويل الذاتي وتداعياته على بعض الدوائر،بالإضافة الى العمل على انعاش البنية التحتية لوزارة الثقافة فمثلا قاعة المسرح الوطني التي تعد من ارقى القاعات لاتوجد فيها اجهزة تبريد مع انها واحدة من اكبر قاعات بغداد .
* الم تكن لدى وزارة الثقافة ميزانية لتدارك مثل هذه المسائل مثل وضع قاعة المسرح والوطني والقاعات والمؤسسات الأخرى…؟
– ميزانية الوزاة أصلاً ضعيفة ولا يمكن من خلال هذه الميزانية ضخ الدماء في مؤسسات البنية التحتية للثقافة العراقية في عموم محافظات العراق …دعني اقول : انه ليست هناك مديريات للثقافة في المحافظات ولكننا لجأنا الى بادرة اخرى ففتحنا بيوت ثقافية في (13) محافظة وآخر بيت ثقافي حصلنا على موافقة لافتتاحه هو البيت الثقافي في اربيل ومع الأسف فكل بيت ثقافي لايستلم من وزارتنا سوى نصف مليون دينار شهرياً اي ما يعادل اربعمائة دولار فقط وهذه كارثة بحد ذاتها… لذا بعد عودتي من مهرجان البيوت الثقافية في بابل اقترحت زيادة ميزانية البيوت الثقافية لانها بمثابة واجهات لوزارة الثقافة في المحافظات .
* كم هي ميزانية وزارة الثقافة…؟
– ميزانية الوزارة 52 مليار دينار لهذه السنة وهي قليلة جدا بالنسبة لوضع ثقافي يعاني الكثير .
* نستشف من كلامكم ان هناك اهمالاً للوضع الثقافي فهناك ميزانية ضعيفة مقابل وضع ثقافي متدهور فهل برأيكم هذا تعمد مقصود لتهميش دور الثقافة في العراق ام ان هناك اسباباً اخرى…؟
– المشهد الامني والسياسي والعسكري هو المسيطرنتيجة الوضع الأمني والسياسي غير المستقرين كما ان هناك توجهات فكرية انطلاقا من افكارماضوية سلفية تحاول ان تهمش من دور الثقافة والمثقفين ولاتريد للثقافة الليبرالية والمبدعة ان تنتعش في بلدنا.
* فوزي الأتروشي كمثقف قبل ان يكون وكيلاً لوزارة الثقافة هل انت متفائل اتجاه ما يحمله القادم من الزمن بخصوص الثقافة العراقية…؟
– اعتقد ان لاخيار آخر امامنا غير التفاؤل ، وكل الاطراف المشاركة في العملية السياسية عليها ان تدرك اهمية الثقافة في بناء العراق وعليها ان تدرك ان الثقافة عامل تنمية في كل مجالات الحياة كما ارى ان هذه الأطراف مجبرة وليست مخيرة لانعاش المشهد الثقافي العراقي كما واقول ان هناك أطرافاً سياسية ستندم لانها نظرت بقصور الى عموم واقع الثقافة والى مفهوم الثقافة.
* قد نستوعب ونفهم الاعتداءات الصادرة من افراد حمايات بعض المسؤولين في الدولة- والتي اصبحت ظاهرة نسمعها ونشاهدها كل يوم- على الصحفيين وعلى المثقفين ، لكن ان يصدر اعتداء من أفراد حماية أحد كبار المسؤولين في وزارة الثقافة على الصحفيين أو المثقفين فهذا محل استغراب ودهشة، انتم بماذا تعلقون في هذا الصدد…؟
– ارفض اي تجاوزمهما صغر او كبر على اي مثقف او صحفي او كاتب اومبدع فحتى لو اعتدى عليَََ احد من هؤلاء فمعه العديد من المبررات والاسباب والأعذار قد تتعلق بعيشه ووضعه المالي والنفسي ومعاناته اما ان اعتديت انا او اي مسؤول اخر في الدولة فنحن لانملك عذراً واحداً ومبررا واحدا … للمثقف عشرات المبررات لكي يتجاوز علينا ، اما نحن المسؤولون فليس لنا مبرر واحد، المثقف ينقصه كل شيء، ونحن نتمتع بكل شيء فكيف سنبرر اعتداءنا على المثقف وتجاوزنا عليه…؟!… علينا ان نفهم انه لاوجود لوزارة الثقافة دون نخبة المثقفين والفنانين والكتاب والصحفيين وبدون هؤلاء ستتحول وزارة الثقافة الى جهاز إداري لامعنى له .
* هناك حالة من القطيعة الثقافية المناطقية بين الوسط والجنوب واقليم كردستان بالإضافة الى القطيعة الثقافية بين الطوائف والتيارات والاتجاهات السياسية …هل هناك محاولات جدية لانهاء هذه القطيعة وإعادة اللحمة والتفاعل الى طبيعتها خدمة للثقافة العراقية كثقافة وطنية …؟
– نعم هناك قطيعة ثقافية على أكثر من جبهة في العراق بالاضافة الى القطيعة الثقافية بين مثقفي الداخل ومثقفي الخارج ،وانهاء القطيعة عملية مهمة ولكنها بحاجة الى جهود جبارة وصبر ومثابرة ورحابة صدر…ان ما أنجزناه نحن في هذا الإتجاه قد يكون شيئاً متواضعاً او قل انه بداية الطريق فلدينا الآن خططاً لعقد منتديات ثقافية على مستوى البلد كله وكذلك على مستوى الخارج لدعوة المثقفين العراقيين في المهجر للعودة الى العراق وفيما يخص اقليم كردستان فقد وقعت انا نيابة عن وزارة الثقافة بروتوكول مع السيد وزير الثقافة في اقليم كردستان لتنسيق الجهود وتفعيل العلاقة الثقافية وفعلاً قمنا بدعوة وزارة الثقافة في اقليم كردستان وكذلك المثقفين الكرد للمشاركة في مهرجان بابل ومهرجان المتنبي وهناك فكرة لتبادل الزيارات بين بغداد والمحافظات العراقية من جهة وبين اقليم كردستان من جهة اخرى…بإختصار هناك خطوات اولية وبسيطة في هذا الاتجاه لكنها جدية.
* ألا ترى ان فكرة البيوت الثقافية محاولة لمركزة الثقافة العراقية كي يكون لها طابع شمولي رسمي كما على ايام النظام البائد…؟
– النظام السابق ضيق الخناق على الثقافة العراقية وكاد أن ينهيها بأساليبه الديكتاتورية المعهودة والمعروفة بل جعل من الثقافة دائرة صغيرة ملحقة بوزارة الإعلام وكانت هناك مديريات تسمى بمديريات الثقافة الجماهيرية وهذه كانت بمثابة واجهات إعلامية مؤدلجة للنظام اكثر مما تكون ثقافية وذلك لبث افكار النظام …أما فكرة البيوت الثقافية فإنها تجربة لإبعاد الثقافة عن الهيكلية الإدارية الرتيبة للوزارة وهي ستكون مهتمة بالمثقفين وبنتاجاتهم الإبداعية وسيكون تركيزها على هذا الجانب وليس على الجانب الإداري الروتيني الممل.
* ان كان لكم ما تضيفونه…؟
– أدعو كل الساسة العراقيين وكذلك كل التيارات السياسية الى ان تعيد النظر في نظرتها الى الثقافة بل وتغيرها وعليهم ان يعلموا ان المجتمعات المتحضرة تولي الثقافة والمؤسسات الثقافية أقصى الإهتمام كونها هي التي تحمي الهوية الوطنية وتبرزها.
* شكراً لك