مقومات الثقافة الكوردية, مدخل إلى الفهم الثقافي .. (1)

عبد الرحمن آلوجي

 

تعد الثقافة من القيم العليا , والحاجات الرفيعة للإنسان , إذا علمنا أن العقل الإنساني يتطور به ويرتقي في مدارج الفكر المنهجي والتأصيل المعرفي كلما اتسعت آفاق الثقافة التراثية المعاصرة بحيث يعد النتاج البشري للثقافة , معارف وعلوما وفنونا وآدابا وفكرا وقوالب لغوية , وخبرات إنسانية عامة , ملكا للإنسان بمختلف بيئاته وبلدانه وزمانه وأجناسه وأعراقه وملله ونحله . به يرتقي ويشتد ويعظم أمره ومن دونه يهبط دركات فتهزل حياته ويتحدد أفقه ليدخل متاهات الحروب والصراعات والدوافع الوحشية إلى الفتك والتدمير والقتل والتشريد .
والثقافة الإنسانية المعاصرة , هي ثمرة التراث الإنساني , مشكل الأرضية الأولى والقاعدة والأساس الصلب للبناء عليه وجعله منطلقا للاتساع والاكتمال والنضج سواء كان ذلك في التراكم العلمي الهائل في مجال العلوم الإنسانية من الأنتربولوجيا والديموغرافية والسيكلوجيا وعلم الأعملق والسلوك الإنساني وأنماط السلوك وقضايا السكان والتنمية والبيئة والكوارث والصحة وعلوم الإنسان من طب كيمياء وعلوم العناصر والفيزياء والقوة النووية والانشطار , ومسائل فهم البشرية في الحرب والسلم وتطورات علم الاجتماع والسيسيولوجيا وعلوم الأجناس ودراسة الأعراق وسلوكها وثقافتها ومواطنها والبيئة الجيولوجية والثروات والإنتاج الزراعي والصناعي وتراكم الإنجازات العلمية والنمهجية فيهما والآداب والفنون وتطور علومهما والآفاق العلمية في توجيه الدراسات النقدية , وما يتعلق بقيم الإنسان وحضارته ودينه ومذاهبه ومعتقداته , وعلاقته بالكون وخالقه , وتدبير الأفلاك وعلومها والفضائيات وتطور المنهج فيها ووسائل البث والاتصال والثورة العلمية الهائلة فيها , سواء كان ذلك هذا الميدان العلمي والأدبي والفني الفسيح والمترامي أم كان في منهج البحث والفكر ومدارسه , وتقنين ذلك وفق قواعد وأسس علمية , وعلاقة كل ذلك بتطور الدلالة والمنطق الصوري والجدلي , وما آل إليه من أبحاث ونقد وتقويم يصلح لإعادة النظر في الجدار النظري الهائل للمعرفة الإنسانية وطريقة سبكها وإخراجها إن صح التعبير , لتتكامل مناهج الأبحاث الوصفية والتجريبية والاستدلالية لتكون هي في متناول التقويم والمراجعة , وإمكان البناء عليها للوصول إلى رؤية تكاملية , تراجع المدارس ومناهجها والفلسفات وقواعدها وأساطين الفكر وإبداعاتهم ليكون ذلك مدخلا حقيقيا لبناء فلسفة تراثية علمية قيمية , تضاف إلى المعاصرة , لتشكل في جملة روافدها الثقافة الإنسانية الأوسع والأقدر على تشييد صرح فكر فلسفي تكاملي مبدع وناضج , هو ثمرة هذه العلوم والفنون والآداب ومنجزاتها وطريقة الاستدلال إليها , وإمكانية البناء على أساسها القوي وصرحها الراسخ العميق .
إن هذه الرؤية المتسعة والشاملة لا يمكن أن تكون حكرا على شعب أو أمة أو عرق بقدر ما هي ملك للإنسانية , وثمرة لإبداعاتها , وميدان واسع للدخول إلى عالمها , لتشكل الميسم والسمة العليا لهذه الرؤية الواسعة والقادرة على بناء عالم جديد مستقر وآمن يواكب المسيرة العلمية ويؤازر الفكر الإنساني ويشدد على عروة التضامن والتكامل لتكون مدخلا إلى عالم جديد يسمو على الصراعات العقيمة والحروب الدامية والبطولات الوهمية المتشحة بالعنصرية والمذهبية , والفكر المتقوقع والآخر الخارج عن القانون السماوي والأرضي والنابع من سطحية هزيلة وفكر هابط وعاطفة متوحشة موغلة في التخلف والجهالة والابتعاد عن ذلك النسغ الحي والمتكامل للثقافة الإنسانية والفكر الإنساني ومنجزاتهما وآفاقهما , ليكون ذلك نقلة نوعية تنطلق من تراكم عميق يقود إلى ذلك التحول النوعي والتطور وهو ما يجدر بثقافة المنطقة عامة والثقافة الكوردية أن تنهل منه دون أن تفقد خصوصيتها وقيمها ومثلها وعاداتها المتأصلة وفق قواعد خلقية تحمل السمة الإنسانية الرفيعة , وهو ما يمكن أن يشكل إحدى مقومات الثقافة الإنسانية الأصيلة .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…