معركة اللهجات الكوردية (!)

بافى دارا

أخي الغالي محسن جوامير
بعد السلام والتحية…أتمنى لك ولمن حولك فرحة عيد فطر سعيد في الأيام القليلة القادمة …
أستاذنا الكريم الذي لانشك في حبه للأمة الكوردية ونشاطه الدؤوب من أجل تحريرها واحقاق الحق وهو المؤمن بالله والواثق بنفسه وبحق أمته في الحرية والحياة وبانفتاحه على الثقافات واللغات والحضارات الأخرى، نحن أمام واقع لغوي كوردستاني قاس ومتشعب بسبب اختلاف اللهجات وتباين حروف الكتابة ونعلم أن الأسباب في الماضي كانت الجبال الشاهقة والأنهار العظيمة التي فرقت بين متحداتنا الاجتماعية وعرقلت توحدها، اضافة إلى المعوقات الانسانية الأخرى كالمذاهب والقبلية والصوفية والاستعمار الخارجي الذي كان يشطر كوردستان أفقيا أو شاقوليا وما إلى هنالك من معاهدات دولية واتفاقات حدودية اقليمية…

 من أجل رفع هذا الركام التاريخي وتمهيد الطريق أمام أجيالنا القادمة علينا قبل كل شيء أن نتصرف عقلانيا وموضوعيا وأن نفكر كوردستانيا كأبناء وبنات أمة واحدة ونتجاوز كل هذه المعوقات، وعلى الأقل انترنتيا، إن لم نتمكن من توحيد أنفسنا سياسيا واقتصاديا ولغويا باقتلاع الحدود التي رسمها المستعمرون القدامى والجديد على صدر وطننا كوردستان.
لقد انتهينا بحكمة مثلا من موضوع (امارة سوران وامارة بهدينان) إلى حد ما، وكان لهذا تأثير ايجابي كبير في حياتنا السياسية والاجتماعية  والاجتماعية والنفسية والثقافية،
 كأن لا نجيب مثلا عن سؤال (من أين أنت؟ فيكون الجواب مع الأسف: من العراق! عوضا عن جواب: من كوردستان.) رغم أن الكوردي الذي يعيش في طاجكستان ولم ير كوردستان في يوم من الأيام يجيبك: أنا من كوردستان… ولو سألت طفلا راعيا في جبال الكورد (كورداخ) في أقصى الغرب من سوريا ذات السؤال فسيكون جوابه: أنا من كوردستان… ولي هنا مثال أفتخر به:
زارت ابنتي الصغيرة زيلان مع والدتها قبل عشر سنوات سوريا، وتكلمت مع أمها في المطار السوري بالألمانية فانزعج أحد رجال الأمن ونهرها قائلا: أنتم آتون إلى سوريا العربية فتكلموا بالعربية حتى نفهكم يا جماعة! فلما فهمت ابنتي الصغيرة عن طريق والدتها التي تتكلم العربية بصعوبة ظاهرة ما قاله الموظف الأمني أجابته ابنتي بالكوردية وبحدة: أنا جئت لزيارة كوردستان سوريا ياسيد! 
إنها التربية التي ستغير كثيرا مما علق بنفوسنا من أخطاء وعلل…
ولايزال هناك بعض شيوخنا يسمون الاستعمار العربي ب”الفتوحات الإسلامية!”  ولا أدري أين الفارق بين الاستعمارين البريطاني أو العربي، عندما تكون السيادة في كوردستان للعرب بدل الكورد وتنهب خيراته لتذهب إلى عاصمة الأمويين أو العباسيين، وكل شيء حول حقائق التاريخ ومبالغ الأموال التي كانت تنهب من كوردستان ل “بيت المال” الذي لم يكن يعود منه شيء لكوردستان مثبت تاريخيا في بطون التاريخ العربي ذاته، وليس في كتب المستشرقين المغرضين…!

بعد هذا العرض الطويل أقول:
اللغة الكوردية تتألف من لهجات رئيسية هي الكورمانجية الشمالية التي يتحدث بها أكثر من 60% من الأمة الكوردية، والكورمانجية الجنوبية (السورانية) والزازائية ولهجات أخرى أقل تأثيرا ومساحة، ولكنها كلها (لغة كوردية)…وكوردستان ليست مدينتا السليمانية وهولير فحسب، بل يصعب علي الآن ذكر أسماء مدنها الكثيرة شمالا وشرقا وغربا…
  لايجوز اهمال أي لهجة من اللغة الكوردية، أو فرض احداها على غيرها، فاختلاف الألسنة والألوان آيات من آيات الله تعالى، فالزازائية آية والكورمانجية آية والهورامانية آية وكذلك السورانية، كآية خلق السموات والأرض، وعلينا السعي من أجل توحيدها…بل يجب توحيدها من خلال اعتبارها كلها لغة كوردية، مثلما فعل العرب بلهجاتهم وكلماتهم، فلم يقولوا بأن هذه الكلمة أو تلك ليست عربية، وقواميسهم صارت ضخمة للغاية بسبب ذلك… وأنت أدرى مني بذلك… ولقد راعني فعلا ما يقوم به بعض الإخوة السورانيين، حيث يأخذون كلمة فارسية أو عربية أوروبية دون الرجوع قبل ذلك إلى اللهجة الكورمانجية، وكأنها لغة غريبة عنهم…في حين لن تجد كاتبا يكتب بالكرمانجية ولاترى في كتاباته كلمات سورانية صرفة. وهذه حقيقة لايستطيع أحد الالتفاف عليها…
وحقيقة ليس هناك كوردي واحد – حسب معرفتي – يجيد كل هذه اللهجات، حتى ولو كان عالم لغة كبير، في حين أن هناك أجانب أوربيين يتمكنون من التحدث بكل لهجاتنا الكوردية. ولا أعتقد بأن مجموع الاخوة السوران الذين يجيدون الكرمانجية يزيد عن مائة شخص في كل مناطق السوران بجنوب كوردستان…وأقدر هنا جهود الأستاذ الكبير الدكتور جمال نبز وغيره في دعوتهم إلى تعلم كل اللهجات الكوردية مهما كانت ضئيلة التأثير.
لدي في البيت مجموعة من الكتب الكوردية المدونة بالأحرف العربية ومجموعة منها مدونة بالأحرف الكليرية لكتابنا من الجمهوريات السوفياتية السابقة… ولكن ولدي الذي تعلم على أيدي مدرس كوردي في المدرسة الألمانية قد يرمي هذه الكتب في سلة المهملات بعد وفاتي لأنه لايجيد قراءتها، رغم أن منها ما هو قيم حقا ويجب الاحتفاظ بها…
نعم، يجب توحيد لغتنا ولكن كيف؟
أولا- توحيد الحروف الكتابية:
قبل كل شيء يجب توحيد الحروف الكوردية، وسمعت بأن العديد من الاخوة الكتاب في الجمهوريات السوفييتية السابقة يعيدون نشر كتبهم بالأحرف اللاتينية بدلا عن الكليرية، ولقد قامت أحزاب ومنظمات كوردية في غرب أوروبا بذلك العمل أيضا مساهمة منها في توحيد الكوردية ، وأشكر في هذا المجال الاخوة والأخوات في كومكار للجهود التي قاموا بها خلال الثلاثين السنة الماضية…وهذا أمر جيد…
لماذا تمكن مصطفى كمال التركي من فرض الحروف اللاتينية على الأمة التركية؟ ونحن لم نخطو خطوة في هذا الاتجاه… هناك من يزعم أن تراثنا القديم سيضيع، وهذا غير صحيح، فمعظم كتبنا الكلاسيكية قد تجدها الآن بالحروف اللاتينية… ولو اهتم الاخوة السورانيون بالحروف اللاتينية لانتهينا من هذه المشكلة في بعض سنوات قلائل…أما اذا كان السبب الكامن وراء رفض هذه الحروف العصرية هو الدين، فإن هناك أمما كبيرة مسلمة ولها حروف ليست عربية والأمور الدينية فيها تسير على مايرام…ولابأس من تعلم العربية كلغة هامة، للدين والثقافة والتجارة بنفس الوقت…
 وعلى حكومة كوردستان التي من وظيفتها دعم اللغة الكوردية أيضا أن تشد من أزر هذا الاتجاه وبخاصة اعادة نشر كتب هؤلاء الكورد الذين نشروا سابقا بالكليرية والحروف العربية التي كانت مفروضة عليهم حتى لايضيع انتاجهم ويشعروا بأنهم جزء من هذه الأمة حقا…وأنا مع تلك المحاولات التي يقوم بها بعض الناشرين في أوروبا وكوردستان، حيث يعملون لنشر كتب الأطفال بالحروف العربية واللاتينية في نفس الوقت، وكذلك أؤيد أولئك الكتاب الذين يكتبون بالحرفين، وبدأت أفعل نفس الشيء أيضا… فهذا سيفسح المجال ليضطلع الاخوة والأخوات الآخرون على ما يكتب بهذه الحروف أو تلك…وأشكر المواقع الالكترونية التي تدعم هذا المنحى…ومع الأيام سنقترب من بعضنا أكثر فأكثر ونفهم بعضنا بشكل أفضل ونقرأ لبعضنا بعضا… حين نقرأ نتاجات الآخرين.
ثانيا-  تقوية التفاعل بين أهل العلم وبين المواطنين:
يجب الاكثار من المؤتمرات واللقاءات التي تجمع بين الناطقين بالكورمانجية والسورانية في الوطن وخارجه، ومن خلال ذلك يزداد التفاهم بين الكورد… وتشجيع الزيارات المتبادلة بين أجزاء كوردستان، وبناء المنظمات الكوردستانية التي تجمع بين أبناء المناطق واللهجات الأخرى… وحقيقة ما كنت في موطني الصغير (كورداخ) أعلم شيئا عن السوراني، وعندما رأيت قصيدة شعر للشاعر الكبير الراحل جيكرخوين بالسوراني دهشت حقا وبذلت جهدي لتعلم هذه اللهجة، والآن أتمكن مع الأيام من قراءة نص سوراني وفهمه إلى حد كبير دون مشاكل…وأترجم أحيانا من السورانية كمترجم.
وكما خف التأثير السلبي للموانع الطبيعية على تلاقي أبناء وبنات أمتنا في وطنهم بسبب الاتصالات والتنقل العصري، فإن المواقع الالكترونية والبريد الالكتروني وغرف البالتوك والبلوغس ستساهم بقوة في التقريب بين المتحدثين والناطقين بالكوردية اجمالا…كما تساهم زيارات كورد الشمال والغرب والشرق لجنوب كوردستان واقامة وعمل بعضهم هناك في تفاعل اللهجتين الكبيرتين، وأتمنى من حكومة كوردستان أن تبني مجمعات سكنية لجلب كورد جمهوريات الاتحاد السوفييتي المنحل إلى وطنهم وكورد باكستان وأفغانستان وخراسان أيضا…كما فعل الألمان الذين صرفوا أموالا طائلة لاعادة ألمان الفولغا إلى وطنهم الأم، وكما فعل اليهود، وكما يشجع العرب عودة المهاجرين منهم من سائر بلدان أمريكا اللاتينية والجنوبية وأوروبا والولايات المتحدة وأفريقيا، وحتى اليهود من اسرائيل الذين هربوا من البلدان العربية سابقا…وجمعيات (المغتربين) السورية شهيرة وناشطة في هذا المجال…حتى أنهم عدلوا الدستور خدمة للمهاجرين.
ثالثا- الاستفادة من الاعلام :
هناك العديد من الأقنية التلفزيونية الكوردية، ولكنها مع الأسف لاتملك برامج لاحياء وتفاعل وتطوير اللغة الكوردية ولهجاتها، بل هناك أقنية خاصة بالأغاني (رغم أهمية الأغنية حقا في تطوير اللغة) ، ولكنها تفتقر إلى برامج معدة جيدة للتقريب بين اللهجات الكوردية، بل لاتجد اهتماما باللغويين مثل الاهتمام بالرياضيين أو الموسيقيين، وكأن اللغة تأتي في المرتبة الثانية بعد الرياضة والموسيقى بالنسبة إلى أمة ممزقة كأمتنا الكوردية… وهناك حقيقة هي أن كورد الشمال نادرا ما يتفرجون على الأقنية الكوردية الجنوبية لأنهم لايفهمون السورانية…وهذا ما يضر كثيرا إن لم يتغير الوضع…
رابعا-  المدرسة والدائرة الحكومية:
كما نعلم فإن المدرسة في جنوب كوردستان تدرس بالسورانية وتهمل (رسميا) الكورمانجية الشمالية، ولكن نعلم في الوقت نفسه بأن هناك عشرات المطابع الكوردية في شمال كوردستان وفي أوروبا تنشر يوميا كتبا ومجلات بالحروف اللاتينية، وهناك آلاف من المواقع الانترنتية التي تنشر بها أيضا، إضافة إلى محطات الراديو والتلفزيون العديدة… ومع الأيام سيزداد الانفراج بين شمال وجنوب كوردستان، إن لم تقم المدرسة والادارة السياسية والجامعة والجمعيات في جنوب كوردستان بتعليم الأطفال الحروف اللاتينية (الكوردية)، وهذا شرط ضروري لتعلم اللهجة الكورمانجية الشمالية التي يتكلم بها أكثر من 60% من الأمة الكوردية كما قلنا آنفا… وبدهي أن يتعلم الطفل الكوردي الانجليزية، وبذلك يسهل عليه تعلم حروف لهجة كوردية غير السورانية أيضا…فلماذا هذا العناد الذي عليه بعض الإخوة السورانيين والشدة والغلظة في التنفير من الكورمانجية؟…
أعتقد أنه الخوف من أن يتقلص تأثير السورانية المحدودة الاستعمال في جنوب وشرقي كوردستان عندما يتعلم الأطفال لغة الأغلبية الكوردية…وهذا الخوف ليس في موضعه لأن لهجة متقدمة ومتطورة كهذه لن تذبل ولن تموت، بل ستساهم في اغناء الكورمانجية وتطويرها إلى لغة ستاندرد…
أيها الأخ الكريم:
لايحق للكورمانج أن يطالبوا بجعل لهجتهم “رسمية” دون غيرها من اللهجات، ولا يحق للسوران أن يتشبثوا بأحقية لهجتهم في التعلم والتعليم، وكما تعلم – وأنت في السويد- بأن الطفل الأوربي مضطر لتعلم عدة لغات في المدرسة، ومن المدارس من تفرض أربع لغات للتعلم في المراحل الاعدادية…ولدينا لهجات بتعلمها منذ الصغر نبني لغة موحدة (ستاندرد)…
كلمة أخيرة:
اللهجة البهدينانية (إحدى لهجات الكورمانجية) تتعرض إلى حملة شعواء، وهي تقع بين نارين، نار الحروف العربية ونار الحروف اللاتينية، بين اللهجة السورانية (الرسمية!!!) ولهجة الشارع الكوردي في بهدينان…ولكنها تبقى جسرا ثابتا بين شمال وجنوب كوردستان…وأنا أخاف على هذا الجسر الرابط كثيرا…برأيي أن يشرع الكتاب البهدينانيون بنشر ما يكتبونه بالحروف اللاتينية، ويعيدوا ما نشروه بالحروف العربية، وبذلك ينقذون هذه اللهجة الجميلة الحبيبة من الاندثار المحقق إن لم يتم انقاذها…وبذلك يدخلون السوق الواسعة في شمال وغرب كوردستان وجزء من شرقي كوردستان وسائر دول المهجر التي تسود فيها الكتابة بالكورمانجية بين المهاجرين الكورد…وأشكر هنا خاصة الإخوة والأخوات الذين /اللواتي نقرأ لهم/لهن بالحروف اللاتينية، وأملي في أن يزداد عددهم في المستقبل القريب…. مع فائق الاحترام والتقدير

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…