شؤونُ الحجر

هوشنك أوسي

1‏

كلامٌ يحطِّمُ أقرانه، حافراً في جبهةِ الأبدِ جهةً لهبوبِ المعنى.‏
كلامٌ يتجاسرُ على أترابهِ، مستبسلاً في توطيدِ الأفلاكِ، وتوثيق الهُدَنِ بين القاتلِ والضحيَّة.‏
كلامٌ، إنْ بازغَ خصومهُ بخيالِ مبتدعيه، تفيضُ الكوارثُ عن سياقاتها، فينحاز سدنةُ الموتِ لصائغي الحياة.‏
كلامٌ بهلولٌ، يجتهدُ الحجرُ في سبكهِ وحبكهِ، ورميهِ في جوف الآلهة.‏
2‏
مطرٌ، يحتبسُ يقينهُ، مُتهيباً ملاقاةَ التراب.‏
وريحٌ كنودٌ، تتأهَّب لملاقاةِ النَّار.‏
شيوخُ قبائلِ الحجل، متَّكئونَ على خرابِ حالهم، والجَرَبُ يجتاحُ كلامهم. أمَّا همُ، ففي بؤسِ شقاقهم فاكهون.‏

3‏
يمٌّ غميقٌ، يُشغِلُ الحجرَ بنواحه:‏
لِمنْ تلكَ السفينةُ الملتهبة؟!.. أهيَ لِقراصنةِ الكلام؟ أَمْ لِقياصرةِ الوهم؟.‏
لِمنْ ذلك القاربُ المهترئ الشِّراع؟!.. أهيَ لباعةِ الدَّجل؟، أمْ لِساسةِ الخراب؟!.‏
لِمنْ ذاك المجذافُ الأعمى؟!.. أهو لبحَّارٍ، أنهكهُ الضَّبابُ غوصاً في أحزانهِ؟، أمْ لحزنٍ، أدماهُ الإِبحارُ في متاهاتِ الأنثى؟!.‏

4‏
أمامَ أنظارِ الحجرِ القَلِق.‏
ليلٌ فاشلٌ، لا يملُّ قذفَ المدنِ الفاشلةِ لشعوبِ الفشل.‏
شعوبٌ فاشلةٌ، لا تملُّ إفشالَ مدنها، وقذفها لليلٍ فاشل.‏
مدنٌ فاشلةُ، تشكي شعوبها لليل فاشل.‏

5‏
ما أنْ همَّ الأزلُ بترجمةِ أولى أسطرِ مساجلاتِ الحجر، أصابتهُ جبالُ الكُردِ في مقتل.‏
ما أنْ أوشكَ الماءُ الانتهاءَ من تلاوة أسفار الحجر، وجِدَ منتحراً في بلادِ الكُرد.‏

6‏
وتتقدُ المتاهاتُ في كلامهِ، ويفيضُ الغموضُ جمالاً.‏
ما يُشعلُ ظلَّهُ سعادةً، هو الفرحُ بأنَّهُ ظلُّهُ.‏
تَحْتَكمُ الجبالُ إلى شجنه.‏
الرُّيحُ عاجزةٌ عن الإحاطةِ بتخومِ شؤونهِ.‏
هو الحجرُ؛ سيد براثنِ الضوءِ.‏
يُتحفُنا بليلهِ الناسك، وشدوهِ الحالك.‏
هو الحجر؛ قافيةُ العمار، وأسُّ الخراب، ونحنُ شؤونهُ الآبقةُ الصادحة.‏
يستوضحنا، إذ نكيدُ لبعضنا في عرائنا الفاحش.‏
يستقرئنا، مُذ استوطنَّا بيضَ الحجل.‏
يتأوَّهُ من فرطِ بؤسِ مطارِحنا المترفةِ بالعطب.‏
يشيّدنا أنصافَ حروبٍ عاجلةٍ، وأضعافَ حروبٍ آجلة.‏
يحنُّ على غبائنا بصمتهِ الحميم.‏

7‏
يقيسُ الموتُ أبعادهُ بأنفاسهِ.‏
متونُ مدوَّناتهِ، حلباتٌ لالتباساتِ الآلهة، وحواشيها، مضاجعُ الشياطين.‏
قدُّهُ، قدُّ الفناءِ الحاني على فرائسهِ.‏
يمينهُ، يسارُ العدمِ، ويسارهُ، يمينُ الوجود.‏
من شؤونهِ، فرزُ اللامرئيَّاتِ عن اللامحسوسات.‏
من شجونهِ، غباؤنا المديد.

دمشق 4/6/2008‏

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

مصدق عاشور

مصلوبةً بخيوطِ شمسِ محبتك

يا من كشفتِ لي

سرَّ التجلّي

ووشمَ الحنين على جبينِ الانتظار

أنتِ ميناءُ روحي

قولي: متى؟

قولي: لِمَ البُعادُ

في حضرةِ ثالوثِكِ السرّي؟

رياحُكِ تعبرُني

كأنّي فرسُ الطقوس

وفي قلبي

تخفقُ فراشةُ المعنى

قولي لي متى؟

قولي إنكِ

فراشةُ رؤياي

وساعةُ الكشف

أرسِميني في معموديّتكِ

بقداسةِ روحكِ

يا من نفختِ الحياةَ في طينِ جسدي

حنينٌ

كمطرٍ أولِ الخلق

كموجِ الأزمنةِ الأولى

يتدلّى من ظلالِ أناملكِ

 

سيماڤ خالد محمد

مررتُ ذات مرةٍ بسؤالٍ على إحدى صفحات التواصل الإجتماعي، بدا بسيطاً في صياغته لكنه كان عميقاً في معناه، سؤالاً لا يُطرح ليُجاب عنه سريعاً بل ليبقى معلّقاً في الداخل: لماذا نولد بوجوهٍ، ولماذا نولد بقلوب؟

لم أبحث عن إجابة جاهزة تركت السؤال يقودني بهدوء إلى الذاكرة، إلى الإحساس الأول…

خالد بهلوي

بحضور جمهور غفير من الأخوات والإخوة الكتّاب والشعراء والسياسيين والمثقفين المهتمين بالأدب والشعر، أقام الاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الكُرد في سوريا واتحاد كردستان سوريا، بتاريخ 20 كانون الأول 2025، في مدينة إيسين الألمانية، ندوةً بمناسبة الذكرى الخمسين لرحيل الأديب الشاعر سيدايي ملا أحمد نامي.

أدار الجلسة الأخ علوان شفان، ثم ألقى كلمة الاتحاد الأخ/ …

فراس حج محمد| فلسطين

لست أدري كم سيلزمني لأعبر شطّها الممتدّ إيغالاً إلى الصحراءْ
من سيمسك بي لأرى طريقي؟
من سيسقيني قطرة ماء في حرّ ذاك الصيف؟
من سيوصلني إلى شجرة الحور والطلع والنخلة السامقةْ؟
من سيطعمني رطباً على سغب طويلْ؟
من سيقرأ في ذاك الخراب ملامحي؟
من سيمحو آخر حرف من حروفي الأربعةْ؟
أو سيمحو أوّل حرفها لتصير مثل الزوبعة؟
من سيفتح آخر…