دمعة جبل إلى روح المرحومة أمينة شيخ سعيد

إنّ يُدْرِكْكَ موتٌ أو مَشِيبُ فقبلَك مات أقوامٌ وشابوا
…………….
اخفض القضبان ، أيها الموت ،
لتدخل القطعان المتعبة ،
التي كف ثغاؤها عن
التردد

وانتهىتجوالها

 ليلك هو الأكثر سكوناً ،
حظيرتك هي الاكثر أمناً ،
أكثر قرباً أنت من أن يبحث عنك  ،
وأرق من اأن تخبر
دمعة جبل إلى روح المرحومة أمينة شيخ سعيد

فدوى كيلاني

الموت نهاية المطاف لكل بداية، وهو المصير المحتوم الذي لا مفر ّمنه ولكن لا يموت المرء إلا حين يموت كل من يحبه ، ويحفظه، ويعيش في وجدانه ويذكره ، وأنت إبراهيم اليوسف الذي ارتبطت بأمك وأهلك والمكان الذي عشت فيه حتى العظم .
أتذكر حين قدم إبراهيم  من سوريا ، سالته : كيف استطعت أن تقرر السفر من بين أهلك وأنت مرتبط بالقامشلي  وأهلها بطريقة أسطورية؟، صار يحدثني عن أمور كثيرة مطلعها : أمه التي تتباهى به ،ويتباهى بها ،ورضع حليب الشجاعة من صدرها ،وربته على حب الآخرين .
لقد قال لي :لقد استطعت ليلة سفري أن أودعهم كلهم إلا أمي ،لم أتمالك وداعها بل ذهبت قبل سفري بساعات إليها مقبلا ًيديها ووجهها موهما إياها أن أعود ،لأنني كنت أخاف عليها من لحظة الوداع ، وهي لمن يعرفها قارة من المشاعر الصادقة ، وعالم من الحنان والدفء، بل وكابدت في تنشئة أولادها بشكل لا يصدق .هذه الأم التي رمت ب”سرة ” ابراهيم بعد ولادته في مكتبة أبيه لينشأ على
حب الكتب وتتحقق نبوءتها ، فيكون ولدها قارئاً لهذه الكتب ، بل وبالتالي صانعا لبعضها ، معروفاً و محبوباً بين قومه ،ومجتمعه ،بل وأوسع من ذلك .
أتذكر حالة ابراهيم وتوزعه بين حالتي: تماسك الذات وأمواج الصدمة الكبيرة ، حين سمع برحيل أمه ،إذ ليس في حياة الإنسان أقوى وآلم من أن يفجع بعزيز ،وخاصة أن يكون هذا العزيز: أما ، و يكون المفجوع شاعراً فجع بأم كانت أشبه ببعض الطيور الوفية التي ما إن يموت زوجها حتى تستعد لموتها، وكان حداد أم ابراهيم على والده أن لم تغادر غرفتها إلا لأمتار قليلة ،بعد رحيل زوجها ،وإن كانت تتباهى بابنها على شكل أسطوري وكأن خريطة العالم مستندة على كتفه ،فكانت تحرسه أيام المحن التي مر بها أهلها الكرد منذ الثاني عشر من آذار2004 وحتى لحظة سفره ، تحدثه عن بطولات الأجداد ، أجداده ، ليبقى متماسكاً كما عرفناه ،ولتكون هي أماً بطلة ،وهو ما عرفته عنها بحكم القربى، إلا أن حياتها باتت في خطر بعد أن فارقها نجلها الكبير منذ أسابيع، لتحلق روحها عالياً و تحرسه على شكل آخر ،بعد أن أحالت الجغرافيا ما بينهما.
كان صعباً علي أن أكون أولى من تقرأ دمعة الشاعر الكبير، وهو في حيرة وغربة ، لا يدري ما الذي سيفعله ،لولا أن يخفف أبناء الجالية الكردية من نار الألم في صدره ،ولقد ذكرتني تماما ًبدموعي وأنا طفلة على والدي تلك الدمعة كنت أقرؤها تماماً و أعرف حجم ألمه وحزنه في تلك اللحظة وكنت أعلم أنه هجر التدخين منذ ستة عشر عاماً كما روى لنا ذلك  ،ولكني رأيته وفجأة يلتقط سيجارة من يد أحد أصدقائه وصار ينفث دخانها على نحو غريب ،ليكون الدخان علامة حيرته وقلقه الكبيرين ،وهو الرجل الأكثر قلقا ًفي روحه المبدعة
نعم لقد كان صعباً علي أن أكون و زوجي وأخينا سيامند ميرزو ونجله أيهم أول من نقف معه ونحاول أن نخفف عنه لأننا كنا نعلم بأن ابراهيم عرف بأنه يبث الشجاعة في قلوب غيره، في تجارب معروفة وها نحن نتعلم كيف نشحن روحه بالشجاعة ليواجه اللحظة الصعبة.

طوبى لتراب  قرية  ” خزنة ” الشهيرة ، وهو يحتض حمل جسد عمتنا الطاهرة، والصبر لك ايها  الشاعر العزيز .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…