أنينٌ في الغربة

آلان كيكاني

لم أكن على علمٍ  
عندما  رحلت عنكِ  وتركتكِ خلفي
أنك تكورتِ في عيني حلما سرمدياً
لا يفارقني أبداً .
وبنيتِ  عشكِ  بين أورابي
في حجرات قلبي
وشرايين دمي
على صهوة فؤادي
الذي أدمن عليك

وامتنع عن النبض إلا لأجلك .
وها قد مرت السنون
وغزا الشيب ذوائبي  
وحبك الممزوج بالأسى يكبر في قلبي .
ويؤرقني .
يأتي الربيع
ولا أجد أزهارا
كالتي كانت تنبت على صدرك وشفاهك
ويأتي آذار
ولا أجد نارا
كالتي كانت تتأجج على ذرا نهديك

أعدك …..
إنني لن أقف مرة أخرى على شواطئ  الهموم 
وأبني من قلبي سفينة تمخر عباب الأحزان
بحثا عن ماءٍ تأوي إليه
بعد أن تعمًدت بماء عينيك .
ولن أجعل قلبي صيادا يجول بحثا عن طريدة .
بعد أن كان طريدة عينيك
وذاق أوجاع سهامك .

أيتها المتربعة على عرش خيالي  
والوردة التي أبت
إلا أن تروى من دمعي ودمي :
أقف اليوم
أمام جلال كبريائكِ 
وعظيم بهائك
وبديع حسنك
مستصغرا الدنيا
ومحتسيا مرارة الفراق بكؤوس الأسى حتى الثمالة .
 
أتذكرين …
عندما كان الثلج يهطل علينا
ويتراكم فوق رؤوسنا ؟
ما شعرت يوما بلسعة برد
وأنا أتدحرج على بياضه الناصع كصفاء قلبكِ .
ونسمات الزمهرير تداعب وجنتيَ .
وها أنا الآن ارتعد بردا في حجرتي هذه
المجهزة بأحدث أجهزة التككيف .
تراكِ تعين …..
أن تنور أمي  يتوقد في داخلي
وسعيره
يلهب قلبي
ويؤجج نار العشق في مهجتي
أكاد أحترق لولا أن العيون تذرف دموعها
لتخفف من حرارة  الأسى  .

رائحة خبز أمي  
المصنوع من شعرك الذهبي
والمعجون بدموعك
يداعب أنفي
أنّى حللت في هذه البلاد
التي تفوح فيها رائحة البيتزا
والسمك المقلي .

يا دالية
تدلت من عساليجها
عناقيد العسل
لم أذق يوما نبيذاً
ألذ من الذي تجرعته من شفتيك

أيتها الخارقة
كيف تمارسين الحياة ؟
وأنت مقطعة الأوصال ومشتتة الأشلاء
وتتنفسين وبراثن الوحوش تخنقك ؟
وهمسك اللذيذ يداعب أذني ..
والجهلاء يكتمون فمك ؟

إنني آتٍ ..
مهما طال الزمان
وبعد المكان
آتٍ
لأسبح في جديلتيك
لأرتمي على سفح نهديك
مثل عصفور جريح
آتٍ
لتضميني بين ذراعيك
ضمة أبدية .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالعزيز قاسم

(كان من المقرر ان اقدم هذه المداخلة عن “اللغة الشعرية في القصيدة الكردية المعاصرة ـ ڕۆژاڤا” في مهرجان فولفسبورغ للشعر الكردي اليوم السبت ٢٥ اكتوبر، ولكن بسبب انشغالي بواجب اجتماعي قدمت بطاقة اعتذار إلى لجنة إعداد المهرجان).

وهذه هي نص المداخلة:

من خلال قراءتي لنتاجات العديد من الشعراء الكرد (الكرمانجية) المعاصرين من مناطق مختلفة “بادينان،…

إبراهيم محمود

 

تلويح خطي

كيف لرجل عاش بين عامي” 1916-2006 ” وفي مجتمع مضطرب في أوضاعه السياسية والاجتماعية، أن يكون شاهداً، أو في موقع الشاهد على أحداثه، ولو في حقبة منه، إنما بعد مضي عقود زمنية ثلاثة عليه، دون تجاهل المخاطر التي تتهدده وتتوعده؟ وتحديداً إذا كان في موقع اجتماعي مرصود بأكثر من معنى طبعً، كونه سياسياً…

د. محمود عباس

حين يمرض الضوء، تبقى الذاكرة سنده.

قبل فترةٍ ليست بعيدة، استوقفني غياب الأخت الكاتبة نسرين تيلو عن المشهد الثقافي، وانقطاع حضورها عن صفحات التواصل الاجتماعي، تلك التي كانت تملؤها بنصوصها القصصية المشرقة، وبأسلوبها المرهف الذي حمل إلينا عبر العقود نبض المجتمع الكوردي بخصوصيته، والمجتمع السوري بعموميته. كانت قصصها مرآةً للناس العاديين، تنبض بالصدق والعاطفة،…

خالد حسو

 

ثمة روايات تُكتب لتُروى.

وثمة روايات تُكتب لتُفجّر العالم من الداخل.

ورواية «الأوسلاندر» لخالد إبراهيم ليست رواية، بل صرخة وجودٍ في منفى يتنكّر لسكّانه، وثيقة ألمٍ لجيلٍ طُرد من المعنى، وتشريحٌ لجسد الغربة حين يتحول إلى قَدَرٍ لا شفاء منه.

كلّ جملةٍ في هذا العمل تخرج من لحمٍ يحترق، ومن وعيٍ لم يعد يحتمل الصمت.

فهو لا…