أمي زعلانة

لقمان ديركي

أوصتني أمي وأنا أودِّعها قادماً من حلب إلى دمشق أن أعتني بأخواتي البنات وأزواجهن وأولادهن القادمين في مناسبة فرح إلى الشام من أنحاء البلاد، غير أني لم أستطع فعل ذلك، عدتُ إلى البيت وأجّلتُ بعض المواعيد التي كنتُ قد أبرمتها مع شقيقاتي، وفقس الموعد الأول وما قدرت أروح لبيت أختي اللي بالشام، حيث جميع الضيوف على قلبها يرزحون، وفي اليوم التالي، فقس الموعد الثاني، ثم كنا لكل مواعيدنا التي أبرمناها معهن فاقسين،
فالظروف كانت بتهوّي، وكنا بسببها فايتين بسابع حيط، ورجعن كل إلى دارها، ويا دار ما دخَلِكْ شر، وزعلوا أولاد أختي أكتر الشي لأنو ما شفتهم، وأخواتي أخذن على خاطرهنَّ وبربرنَ قليلا، بس مو مشكلة، هدول أمورهم محلولة، بس المشكلة أمي، فجأة ما عدت سمعت صوتها عالموبايل، وانتبهتُ إلى أنها آخذة موقف، مو بس آخذة موقف، لأ .. وزعلانة كمان
والثمن معروف، أتصل بها وآكل بهدلة مدوزنة وموزونة مشان كمّل مسيرتي التصالحية معها، وبعد البهدلة رح تجي تسكيرة التليفون بنص خلقتي، وبعدين لازم أتصل من جديد في اليوم التالي، وسوف لن ترد، فنتصلُ على الأرضي ونفاجئها بصوتنا الرخيم الذي لم تتفاجأ به لأنها قرأت رقمي على الكاشف، ونأكل البهدلة التانية والمطالبات بالاعتذار من كل الشقيقات وعائلاتهن، نتصل بالشقيقات واحدة واحدة، ونبوس الأيادي كي يتصلن بها ويجدن لنا الأعذار، بل وأن يسحبن زعلهن مني حتى إشعار آخر فزعل ماما هلأ هو أهم شي، وتهطل على أمي الاتصالات، وتُخلَق من أجلي المبررات، فأتصل في اليوم التالي وتبدأ المعاتبات، ثم تعود بيننا الاتصالات اليومية، بل وقل النصف يومية، وتبتسم الأخوات، ويبتسم الجيران، ويضحك الأولاد، وتبتسم أيضاً شرِكتا الموبايل: عزيزي المشترك شكراً لاتصالك بأمك كل يوم.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالعزيز قاسم

(كان من المقرر ان اقدم هذه المداخلة عن “اللغة الشعرية في القصيدة الكردية المعاصرة ـ ڕۆژاڤا” في مهرجان فولفسبورغ للشعر الكردي اليوم السبت ٢٥ اكتوبر، ولكن بسبب انشغالي بواجب اجتماعي قدمت بطاقة اعتذار إلى لجنة إعداد المهرجان).

وهذه هي نص المداخلة:

من خلال قراءتي لنتاجات العديد من الشعراء الكرد (الكرمانجية) المعاصرين من مناطق مختلفة “بادينان،…

إبراهيم محمود

 

تلويح خطي

كيف لرجل عاش بين عامي” 1916-2006 ” وفي مجتمع مضطرب في أوضاعه السياسية والاجتماعية، أن يكون شاهداً، أو في موقع الشاهد على أحداثه، ولو في حقبة منه، إنما بعد مضي عقود زمنية ثلاثة عليه، دون تجاهل المخاطر التي تتهدده وتتوعده؟ وتحديداً إذا كان في موقع اجتماعي مرصود بأكثر من معنى طبعً، كونه سياسياً…

د. محمود عباس

حين يمرض الضوء، تبقى الذاكرة سنده.

قبل فترةٍ ليست بعيدة، استوقفني غياب الأخت الكاتبة نسرين تيلو عن المشهد الثقافي، وانقطاع حضورها عن صفحات التواصل الاجتماعي، تلك التي كانت تملؤها بنصوصها القصصية المشرقة، وبأسلوبها المرهف الذي حمل إلينا عبر العقود نبض المجتمع الكوردي بخصوصيته، والمجتمع السوري بعموميته. كانت قصصها مرآةً للناس العاديين، تنبض بالصدق والعاطفة،…

خالد حسو

 

ثمة روايات تُكتب لتُروى.

وثمة روايات تُكتب لتُفجّر العالم من الداخل.

ورواية «الأوسلاندر» لخالد إبراهيم ليست رواية، بل صرخة وجودٍ في منفى يتنكّر لسكّانه، وثيقة ألمٍ لجيلٍ طُرد من المعنى، وتشريحٌ لجسد الغربة حين يتحول إلى قَدَرٍ لا شفاء منه.

كلّ جملةٍ في هذا العمل تخرج من لحمٍ يحترق، ومن وعيٍ لم يعد يحتمل الصمت.

فهو لا…