في رثاء الفنان الكبير: آرام ديكران

  عبد القادر الشيخ محمد معصوم الخزنوي

الأرمن، الكورد، اليونان، أمم ثلاث، أحبهم آرام ديكران، فغنى لهم من قلب صادق، عرف به، منذ نعومة أظفاره، وحتى توقف نبضات قلبه في أثينا.
أقولها، وبكل صراحة، ثلاثة أقانيم في اقنيم واحد :أرمينيا- كوردستان-اليونان .القاسم المشترك بين هذه الشعوب، مانالوه من الترك من جور واستبداد، وإلغاء، وإبادة جماعية.

كأن آرام يقول بوفاته للأمم الثلاث : اتحدوا، واعملوا معاً بتفان وصدق وإخلاص،حتى تعيدوا أمجاد الماضي العتيد، فأشقاؤكم الكورد محرومون من كل شيء، حتى من نعمة الاستقلال، فمن واجبكم أيها الأرمن واليونان الوقوف إلى جانبهم، في جميع المحافل الدولية.
لقد أخذ الموسيقى والغناء الكوردي الأصيل بكافة ألوانه، و أشكاله وغاياته، مساحة واسعة من فن آرام ديكران أكثر من غيره، واستعمل الرمز كثيراً، لأجل أن يستيقظ الكثير من السبات العميق ويذهب الغشاوة عن العيون، ويتخلص الكثير من الأفراد مماغرسه الجهلاء والحاقدون في العقول.
لقد غنّى آرام ديكران للكورد وكوردستان، من قلب ينبع منه الحب وأدخل البهجة والحبور في العقول والقلوب، وسرت كلماته وموسيقاه في النفس، كما تسري الروح في الجسد.

 حقاً، صدق من قال: إن الموسيقى غذاء الروح ، فلقد غنى آرام وغيره من الفنانين الكورد، من أمثال شفان برور، فاستفاق الكثير من السبات، وانطلق الأباة من الشجعان إلى ذرى جبال كوردستان الشامخة، يدكون صروح الغدر في أنقرة وطهران وبغداد، ويروون كوردستان بدمائهم الذكية، لصنع الاستقلال.
وقف قلب الراحل العظيم، ورحل عن دنيانا بجسده، لكنه بقي بروحه في ضمائرنا، يعيش و إلى الأبد بيننا، بموسيقاه، وكلماته العذبة الذي ستترنح في آذاننا، فطالما أحببنا “جمبشه” وصوته العذب .
آرام ديكران، ابن قامشلو الذي حمل سلاحه الجمبش، فبعث الحماس والدفء في النفوس، وعمل بها لتحرير أرمينيا، وكوردستان، والعالم، من الظلم والقهر والاستبداد، والاستعباد.
غنى لقامشلو، المدينة الصغيرة الوادعة على نهر جغجغ الذي أسس قيها أول فرقة موسيقية أرمنية كوردية، وخرج عن الموسيقى الكلاسيكية، وجدد فيها وأبدع .
ثم هاجر قامشلو الصغيرة إلى يريفان الفردوس المفقود، ولكن أحلامه تلاشت، حيث الاحتلال السوفياتي الأحمر، فهاجر سراً إلى أوروبا الحرة، يحمل آلة الجمبش، ويغني للأرمن وأرمينيا وللكورد وكوردستان ولقامشلو التي كبرت رويداً رويداً بأبنائها إلى أن غدت من المدن الكبرى الصامدة .

لقد أعاد آرام بموسيقاه وغنائه جسور المحبة بين الأرمن والكورد ،فغنى لهايستان وآمد وآرارات وقنديل وأرمينيا وكوردستان، غنى للأنصار، والبشمركة على قمم الجبال، ودافع بكل حماس عن الكورد وكوردستان، غنى للمقاومة، وقادتها، وبخاصة للقائد عبدالله أوجلان في أسره في اميرلي ،غنى للحب والجمال والأرض والجبال والمياه والخضرة، والصداقة بين الشعوب، فكان بحق سفير الفن الكوردي الأصيل إلى العالم الحر، ينقل لهم معاناة الكورد اليومية، يغرس المحبة والألفة بين الأمم بأنامله الرقيقة، وهو يعزف على جمبشه البسيط .
أتذكر أغانيه الجميلة التي طالما رددتها وأنا طفل، ورددتها في شبابي : أي دل أي دل دلولو – شف جوما إيدي خوتي لو – برجم برجم دي جوما – ألخ ، وطالماغنيتها لأولادي وأحفادي .  

هذا الفنان الكوردي الأصيل آرام ديكران، رحل عنا كما رحل غيره من الفنانين الكورد، من أمثال العمالقة آرام خجا دوريان ومحمد شيخو، وتحسين طه، وغيرهم ممن أطربوا النفوس وألهبوا العقول الحماس .
هؤلاء رحلوا بأجسادهم، لكنهم بقوا بيننا في وجداننا بموسيقاهم وألحانهم الرقيقة، و العذبة .

اليوم عرس في السماء حيث تستقبل روح فناننا الأرمني الكوردي آرام ديكران من قبل الملائكة التي تحف بروحه، فتتحول جنازته إلى عرس، حينما يعبر روحه السموات، وتغني الملائكة الألحان الشدية باللغتين الأرمنية والكوردية، وتسمع في السموات العلى الملائكة، كي تستقبله قائلة: في السموات المسرة وعلى الأرض السلام.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

نظّم الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد في سوريا بالتعاون مع اتحاد كتاب كردستان سوريا أمسية ثقافية احتفاءً بتوقيع إصدارين أدبيين لكل من الكاتبتين يسرَى زبير إسماعيل وليلاس رسول، وذلك في مدينة إيسن الألمانية، وسط حضور نوعي من المهتمين بالشأن الثقافي من كتاب وشعراء وصحفيين ومتابعين للشأن الأدبي الكردي.

افتتحت الأمسية بتقديم الكاتب خورشيد شوزي لمجموعة الشاعرة…

ماهين شيخاني

 

كان يحمل ساعة في معصمه، لكنها لم تكن تشير إلى الوقت…

بل إلى المهام.

منذ لحظة استيقاظه وحتى انطفاء آخر رمشٍ في جفنيه، كانت الحياة تُديره كأنها آلة لا تتوقف.

بيته؟ يمرّ به مرور الكرام.

زوجته؟ تراه أقل مما ترى صورة ابنها على الجدار.

أولاده؟ صاروا يتحدثون إليه بصيغة الغائب، وكأنهم يخاطبونه في خبرٍ عائلي، أو عبر رسالة واتساب.

صباحًا،…

النقل عن الفرنسية مع التقديم : إبراهيم محمود

 

ما قيل ولم يُقَل بعد وأبعد:

قيل في الشّعر أنه أول الأصوات الأقرب والأكثر تمثيلاً لما هو إنساني- كوني، ولا بد أنه آخر الأصوات استبقاءً تعبيراً عن هذه المكانة المعتبَرة. الشّعر هنا يتعدى كونه عبارات ذات معنى، إنه الترجمة الأكثر مكاشفة للمخفي، للمؤلِم، للمعذّب، للمنشود، للمفقود، وللمأمول، إنه ما…

غريب ملا زلال

حين يذكر اسم ملك مختار، أو ملاك مختار كما نحب أن نسميها، تدفعنا الذاكرة إلى الفنان الفرنسي جان ميشيل (1920-2014)، الفنان اللغز كما يعرف عنه. الفنان الذي افنى عمره في الرسم سرا، حيث الميل التام نحو العزلة الغارقة في اوجاع تتحدث ما امكن عن علامات بها يقتفي…