خواطر رمضانية ( 6 ) مصير المُوَسْوِسين في رمضان

علاء الدين جنكو

      روى الترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفّدت الشياطين ومرد الجن ، وغلقت أبواب النار ولم يفتح منها باب ، وفتحت أبواب الجنة ولم يغلق منها باب ، ويناد مناد : يا باغي الخير أقبل ويا باغي اشر أقصر )
ما حقيقة التصفيد ، والربط ، والقيد ؟   أمور غيبية لا يعلمها إلا الله 0000 ولكن هذا لا يمنعنا أن نعمل فكرنا وندلوا بدلونا ضمن حدود بشريتنا وفكرنا الإنساني .
تلك هي فضيلة عظيمة من فضائل هذا الشهر الكريم 0000 تصفد الشياطين 000  يعني تغل بالأغلال  وتسجن لئلا تتمكن من إغواء المؤمنين الصائمين ووسوستهم ، وذلك لإراحة بالهم وأفكارهم ونفوسهم من وساوس الشيطان ، حتى يقوم بالصيام والقيام وسائر العبادات في هذا الشهر دون أن يكون للشيطان عليهم سلطان .
لكن إذا كانت الشياطين تصفّد في هذا الشهر ، فلم يقدم الإنسان على المعصية ؟ ولماذا نرى الكثيرين من المسلمين بعيدين عن مبادئ هذا الشهر الكريم ؟!
أقول : السبب في ذلك يعود للإنسان نفسه لأن ما يصدر منه إنما هو بتأثير إرادته هو ، ولا يكون من تأثير شيطان عليه ، بل يكون ذلك لاستسلامهم لأهوائهم وشهواتهم ، فتحولوا إلى شياطين إنس ، ولم يصفدوا حتى تبقى إلاادة الإنسان مصانة مثل ذلك الذي أقبل على الطاعة من غير سرق إليه .
وتصفيد الشياطين ومرد الجن في هذا الشهر المبارك مساعد للمؤمنين الصائمين على الطاعة ، بل ومساعد لعصاة هذه الأمة للإبتعاد عن المعاصي ، وليس قاطعا لكل دوافع الإنسان ورغباته إلى المعصية 0000 نعم ذلك ليس إلا مجرد مساعدة 00
والشيطان مع الإنسان ليس له أي تأثير عليه ، بل تأثيره لا يتعدى الوسوسة في قلبه ، وفي ذلك يقول الله تعالى منبها الإنسان من تلك الوسوسة : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ، مَلِكِ النَّاسِ ، إِلَهِ النَّاسِ ، مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ ، الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ ، مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ) سورة الناس .
كما يزين له ارتكاب الخطيئة والمعصية ويهون من شأنها ، ثم يبقى الإنسان حراً في اتباعه أو عدم اتباعه 000 ويبقى في النهاية هو المسؤول عن كل ما يختاره !! وكثير من الآيات القرآنية تدل على ذلك ، منها :
1 – قوله تعالى : (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْغَاوِينَ )  الحجر (42)
إلا من اتبعك 000 عبارة خطيرة توحي بأن الإنسان يتبع الشيطان بمحض إرادته ، وبالتالي له العقاب الشديد والجزاء الأليم 00 فيقول الله تعالى : (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ ) الحجر (43)  ويؤكد هذا المعنى أيضاً
2 – قوله تعالى : (إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ ) النحل (100)
إذا تصفيد الشياطين إنما يكون بالنسبة للصائم العابد المبتغي في صومه وجه الله تبارك وتعالى ، وذلك لأن الصيام الصحيح يساعد المؤمن الصائم على الطاعة وعلى الابتعاد عن المعاصي وكبائر الإثم
فإذا دخل الإنسان المسلم في رياض الصوم وجد فيها الجو الروحاني الشامل ، ويستنشق فيها من عبق الطاعة وعبير العبادة ، وهنا تقوى إرادته على شهواته بعد انكسارها وقهرها عندئذ يتعثر الشيطان ويصطدم بموانع تحول دونه ودون العبد الصائم عندما يحاول الاقتراب منه ليوسوسه ، بل الصوم يصبح قيداً يربط الشيطان حتى لا يتعدى حدود وسوسته ويصبح سداً عاليا بينه وبين الصائم .

       ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه ، كيف تكون الأغلال والسلاسل التي يصفّد بها الشياطين إذا كان المراد حقيقة ، يبقى العلم عند الله وحده الذي لا يعلم الغيب إلا هو 000 جل شأنه .

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

سيماڤ خالد محمد

مررتُ ذات مرةٍ بسؤالٍ على إحدى صفحات التواصل الإجتماعي، بدا بسيطاً في صياغته لكنه كان عميقاً في معناه، سؤالاً لا يُطرح ليُجاب عنه سريعاً بل ليبقى معلّقاً في الداخل: لماذا نولد بوجوهٍ، ولماذا نولد بقلوب؟

لم أبحث عن إجابة جاهزة تركت السؤال يقودني بهدوء إلى الذاكرة، إلى الإحساس الأول…

خالد بهلوي

بحضور جمهور غفير من الأخوات والإخوة الكتّاب والشعراء والسياسيين والمثقفين المهتمين بالأدب والشعر، أقام الاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الكُرد في سوريا واتحاد كردستان سوريا، بتاريخ 20 كانون الأول 2025، في مدينة إيسين الألمانية، ندوةً بمناسبة الذكرى الخمسين لرحيل الأديب الشاعر سيدايي ملا أحمد نامي.

أدار الجلسة الأخ علوان شفان، ثم ألقى كلمة الاتحاد الأخ/ …

فراس حج محمد| فلسطين

لست أدري كم سيلزمني لأعبر شطّها الممتدّ إيغالاً إلى الصحراءْ
من سيمسك بي لأرى طريقي؟
من سيسقيني قطرة ماء في حرّ ذاك الصيف؟
من سيوصلني إلى شجرة الحور والطلع والنخلة السامقةْ؟
من سيطعمني رطباً على سغب طويلْ؟
من سيقرأ في ذاك الخراب ملامحي؟
من سيمحو آخر حرف من حروفي الأربعةْ؟
أو سيمحو أوّل حرفها لتصير مثل الزوبعة؟
من سيفتح آخر…

حاوره: طه خلو

 

يدخل آلان كيكاني الرواية من منطقة التماس الحاد بين المعرفة والألم، حيث تتحوّل التجربة الإنسانية، كما عاينها طبيباً وكاتباً، إلى سؤال مفتوح على النفس والمجتمع. من هذا الحدّ الفاصل بين ما يُختبر في الممارسة الطبية وما يترسّب في الذاكرة، تتشكّل كتابته بوصفها مسار تأمل طويل في هشاشة الإنسان، وفي التصدّعات التي تتركها الصدمة،…