الآراء لا تمثل علما بالضرورة

  محمد قاسم

حرية التعبير حق كفلته القوانين والدساتير الوضعية،والقيم والمبادئ الدينية..وإذا اختُلف في مداها أو إطارها،فإن سبب هذا الاختلاف يعود الى طبيعة الاختلاف في المستويات، وعيا نظريا،أو تمثلا عمليا، أو تشربا للقيم والمعاني عبر تجارب ومجهودات وفرت ذلك بسلاسة وصحة..او بخلخلة وتوتر، الخ.وطبعا لطبيعة هذه القيم والمبادئ والمعايير والقوانين…
وكما هو معلوم، فالوعي البشري يمر في مراحل وظروف قد تكون جيدة وقد تكون مؤثرة سلبا..
يكون الإنسان طفلا-0كفرد- ينمو ببطء، تؤثر فيه عوامل وراثية متأثرة بالبيئة، وتؤثر فيه عوامل بيئية تتأثر بالاستعدادات و الإمكانيات الوراثية؛ في تفاعل يحكم نموه طبيعيا عوامل التربية ..كما أنه بدأ الحياة بدائيا –وفق النظرة البشرية..ثم تدرج في اكتساب المعارف والخبرات ونمو العقل حتى بلغ ما بلغه اليوم من مستوى..وبحسب الوحي فقد كان بدايته إنسانا متكاملا في وعيه (آدم) ولكن الخبرة بقيت حاجة أو واقعا ظل يمر فيها ليتكامل النضوج لديه .. في كلتا الرؤيتين يمكن تصنيف عقل الإنسان –كمحاولة تحليلية من علي بن أبي طالب الذي كان قريبا من الوحي، ويعد عاقلا متميزا وحكيما،تصنيفه الى نوعين (“مطبوع” يشترك البشر فيه منذ الولادة ، و”مسموع” ينمو في ظروف اجتماعية مختلفة، وبحسب تأثيرها الفاعل فيه.
لذا فمن الطبيعي أن نجد متعلما عالي المستوى معرفيا، ولكن سلوكه وتصرفاته لا تتوازى مع مستوى تعلمه هذا، والعكس صحيح، فقد يكون احدهم ذو تحصيل معرفي محدود، لكنه ذا سلوك وتصرفات راقية، اكتسبها من ظروف التربية التي عاش فيها..
كما يلعب النضج الذي يحققه الزمن عبر التجربة، ومدى استثمارها استقبالا وممارسة..
نظرة سريعة في سلوك الشخص سواء، الميداني كالتصرف. أو الكتابي، توضح لنا هذه الفوارق..ومن المشكلات التي ابتلي بها التفكير في هذا الزمن بالذات،توفر الوسيلة لكل احد في الكتابة؛ سواء في المواقع أو في المنتديات،أو غيرها..وفي كل الأحوال، فإن إمكانية أن تتسرب كتابات مسيئة ، لجهة اللغة التعبيرية فنيا، أو لجهة المضمون المنفعل ذي الطابع الذاتي؛ أمر كثير الحدوث..مما يضيّع جهد المقتدرين في التأثير كما يجب، في خضم فهم يتسم بالضحالة وبالرعونة أيضا أحيانا.
فالرأي يمثل المستوى الذي يتمتع به صاحبه من مقدرة تشمل فاعلية التعلم،وغزارة المعلومات المخزونة في الذاكرة،والقابلة للتحويل الى سلوك ومواقف،ودرجة الخبرة المكتسبة في ميادين مختلفة. أهمها ما يتعلق بتخصصه وتوجهه….الخ. ومعلوم أن هذه الأمور مختلفة وجودا وفاعلية من شخص لآخر. والمِشكلة التي نحن بصددها أن كل احد –ودون أن ينتبه الى هذه المفروضات- يظن نفسه ذا رأي عالي القيمة..وقد يتمسك به دون حساب للمعايير ..فيقع في خانة التعصب لذاته بلا نجدة عقلية تغني واقع شخصيته وتفكيره خاصة في موضوع الرأي.
لعل الكثير مما قاله القدماء يعبر عن حكم بالغة يفترض ان نراعيها عندما نحاول ان نتخذ مواقف أو نقوم بأفعال ..:”رحم الله امرأ عرف حده فوقف عنده”.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…

عبدالرزاق عبدالرحمن

مسنة نال منها الكبر…مسكينة علمتها الزمان العبر..

بشوق وألم حملت سماعة الهاتف ترد:بني أأنت بخير؟ فداك روحي ياعمري

-أمي …اشتقت إليك…اشتقت لبيتنا وبلدي …لخبز التنور والزيتون…

ألو أمي …أمي …

لم تستطع الرد….أحست بحرارة في عينيها…رفعت رأسها حتى لا ينزل دمعها،فقد وعدت ابنها في عيد ميلاده الأخير أن لا تبكي ،وتراءى أمام عينيها سحابة بيضاء أعادتها ست سنوات…

فراس حج محمد| فلسطين

في قراءتي لكتاب صبحي حديدي “مستقرّ محمود درويش- الملحمة الغنائية وإلحاح التاريخ” ثمة ما يشدّ القارئ إلى لغة الكتاب النقدية المنحازة بالكلية إلى منجز ومستقرّ الراحل، الموصف في تلك اللغة بأنه “الشاعر النبيّ” و”الفنان الكبير” “بحسه الإنساني الاشتمالي”، و”الشاعر المعلم الماهر الكبير” “بعد أن استكمل الكثير من أسباب شعرية كونية رفيعة”. و”المنتمي…

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…