القديسة… لورين (2) تستقبل معلمها عبد الرزاق أوسي

توفيق عبد المجيد بافي لورين

قد يؤاخذني البعض على إطلاق هذا اللقب على فقيدتي … قد يعاتبني الآخرون على الدوران حول النفس دون الخروج من هذه الدوامة المرعبة … قد يحاول الغير تفسير الأمر بأنه لا يحتاج إلى كل هذا الاستغراق في الحزن … قد ينعتني الآخرون بالاستسلام والرضوخ لهذا الأمر الواقع وفقدان حالة الشعور والوعي … بل الدخول في غيبوبة طويلة ونسيان المطلوب.
لكنني – والله على ما أقول شهيد – لم ألقب فقيدتي بالقديسة إلا بعد معطيات ومؤشرات وكلام كانت تتلفظ به كلما غلبتها موجة الألم … فلم تفقد الوعي وهي تصارع وتقاوم بكل ما أوتيت من قوة … دون أن تستسلم وتضعف… دون أن تدخل في دائرة الهلوسة … كان ما تقوله بمنتهى الوضوح والفهم … بل كانت تقول وهي واقفة كالشجرة لأن الأشجار تأبي أن تموت إلا واقفة.
–   سأغادركم صباح الجمعة في 5 شباط 2010
–   أنا ذاهبة إلى الجنة فبماذا توصونني
–   ذاهبة إلى جدي فهو يناديني
–   لقد دلني على مسكني الجديد
–   ادفنوني حيث دفنتموه
أجل !! لقد صدقت القول فقد غادرتنا صباح الجمعة
كانت ترحب بالموت وهو قاب قوسين أو أدنى منها … كانت تنطق بالشهادة وبمنتهى الفصاحة والوضوح … كانت تقول للموت وهي تردد عبارة عزيز نيسن : أيها الموت تعال باحترام فأنا في انتظارك .
بالله عليكم !! ألا تستحق فقيدتي لقب (القديسة) ؟
نعم بنيتي أحب أن أذكرك بأن أستاذكم الكبير عبد الرزاق أوسي قد التحق بالركب الشباطي الآذاري بعد شهر كامل من رحيلك … زوريه يا بنيتي واستقبليه بشكل يليق بمقامه واحترامه… ستعرفينه بسهولة … فهو ذلك النحيف الطويل … هو صاحب تلك القامة الشامخة الممشوقة … هوالآخر قد مات واقفاً كالشجرة … وحاولي أن تكملي تعليمك في مدرسته … أن تتعلمي منه ما لم أستطع أن أعلمك إياه … أن يعيد لك المقررات التي فاتتك لأن الموت لم يمهلني لأكمل رسالتي … فقد كان في عجالة من أمره … وتوسلي إليه ليكمل رسالته هناك … ليعلم من لم يتعلموا … وبالله عليك لا تنسي كوكبة الأصدقاء والرفاق الذين كانوا في أوج العطاء … الذين سافروا معك من دنيانا … برهان رمضان … أحمد برو … أليستر ميرزا … وتمر مصطفى … فكلهم أصدقاء لوالدك المنكوب … كلهم يعرف توفيق عبد المجيد
 
8 آذار 2010

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

 

فراس حج محمد| فلسطين

تتعرّض أفكار الكتّاب أحياناً إلى سوء الفهم، وهذه مشكلة ذات صلة بمقدرة الشخص على إدراك المعاني وتوجيهها. تُعرف وتدرّس وتُلاحظ تحت مفهوم “مهارات فهم المقروء”، وهذه الظاهرة سلبيّة وإيجابيّة؛ لأنّ النصوص الأدبيّة تُبنى على قاعدة من تعدّد الأفهام، لا إغلاق النصّ على فهم أحادي، لكنّ ما هو سلبيّ منها يُدرج…

عمران علي

 

كمن يمشي رفقة ظلّه وإذ به يتفاجئ بنور يبصره الطريق، فيضحك هازئاً من قلة الحيلة وعلى أثرها يتبرم من إيعاقات المبادرة، ويمضي غير مبال إلى ضفاف الكلمات، ليكون الدفق عبر صور مشتهاة ووفق منهج النهر وليس بانتهاء تَدُّرج الجرار إلى مرافق الماء .

 

“لتسكن امرأةً راقيةً ودؤوبةً

تأنَسُ أنتَ بواقعها وتنامُ هي في متخيلك

تأخذُ بعض بداوتكَ…

 

محمد إدريس *

 

في ذلك المشهد الإماراتي الباذخ، حيث تلتقي الأصالة بالحداثة، يبرز اسم إبراهيم جمعة كأنه موجة قادمة من عمق البحر، أو وترٌ قديم ما زال يلمع في ذاكرة الأغنية الخليجية. ليس مجرد ملحن أو باحث في التراث، بل حالة فنية تفيض حضورًا، وتمنح الفن المحلي روحه المتجددة؛ جذورٌ تمتد في التراب، وأغصانٌ…

 

شيرين الحسن

كانت الأيام تتسرب كحبات الرمل من بين أصابع الزمن، ولكن لحظة الغروب كانت بالنسبة لهما نقطة ثبات، مرسى ترسو فيه كل الأفكار المتعبة. لم يكن لقاؤهما مجرد موعد عادي، بل كان طقسًا مقدسًا يُقام كل مساء على شرفة مقهى صغير يطل على الأفق.

في كل مرة، كانا يجدان مقعديهما المعتادين، مقعدين يحملان آثار…