المرأةُ كَوْكَبٌ يَستنيرُ به الرّجُلُ!

  آمال عوّاد رضوان

“ولو كُنَّ النّساءُ كمَنْ فقدْنا/ لفضّلتُ النّساءَ على الرِّجَال/ فما التّأنيثُ لاسْمِ الشّمسِ عيْبًا/ ولا التّذكيرُ فخْرًا للهلالِ”!
بهذه الكلماتِ رثى المتنبّي شاعرُ البلاط إحدى قريباتِ الأمير سيفِ الدّولة الحمَداني، فهل كانَ الرّثاءُ رياءً، ومجرّدَ مجاملةٍ فيها منفعةٌ خاصّة، أم أنّه يعكسُ حقيقةَ المرأةِ وتقديرَها آنذاك؟  

وها شكسبير يقول: “المرأةُ كوكبٌ يَستنيرُ به الرّجُلُ، ومِنْ غيرِها يَبيتُ الرّجلُ في الظّلام”!
لقد نظرَ المتنبّي الشّرقيّ وشكسبير الغربيّ بانفتاحٍ لمكانةِ المرأة وتعزيزها، فليستْ تاءُ التّأنيثِ وصمةَ عارٍ أو شارةَ انتقاصٍ، بل تزيدُها وقارًا وقدْرًا، فكما أنَّ الشّمسَ أمُّ الضّوءِ، وقاهرةُ العتمةِ وآيةٌ لحياتِنا وأرزاقِنا، وكما تعكسُ نورَها على الهلالِ فيبدو مضيئّا، كذلك المرأةُ هي شمسُ البشريّةِ والوجودِ، إذ تُضفي لمسةَ جمالٍ للطّبيعةِ البشريّةِ والكونيّة، بحنانِها وضوئِها ودفئِها، وتكتملُ دورةُ الحياةِ بشروقِها وغروبِها، فيقولُ الموسيقار بتهوفن:
“أيّتُها المرأةُ، إنّي لا أحسُّ بجَمالِ وروعةِ الطّبيعة، إلاّ عندما تلمَسينَ أزهارَها بأناملِكِ الجميلة”!
فهل قصدَ بتهوفن الطّبيعةَ بتضاريسِها، أم شخصَهُ وطبيعةَ الجسدِ، ليؤكّدَ بذلك مقولة أخرى، بأنّ “الرّجلَ جذعُ الشّجرةِ وساقُها وأوراقُها، أمّا المرأةُ فهي ثمارُها”؟ وإن كان صِدْقًا “مِن ثمارِهِم تعرفونَهم”، فهل عرفنا عن المرأةِ إلاّ ما يوجِبُ أن نفخرَ بها ونُمجّدَها ونُكرّمَها، تلكَ مَن سمَتْ بأنوثتِها حُبًّا وعطاءً، وعَلتْ بأمومتِها حنانًا وتضحية؟!
المرأةُ؛ هذا المخلوقُ اللّينُ، أمكنَها أن تتكيّفَ وبيئتَها بكلِّ أناةٍ وجلَدٍ، وقد وهبَها الباري قدرةً فائقةً على تحمّلِ الظّروفِ البيئيّةِ الصّعبةِ كي تتأقلمَ معها، ليسَ مِن منطلقِ ضعْفِها أو رضاها بمهانتِها، وإنّما محاولةً منها بصبْرها وحِكمتِها، أن تُوازنَ كلّ خللٍ قد يودي بالأسْرةِ والمجتمع، فتتحمّلُ بتضحيتِها مِن أجل الآخرين، لأنّها لا تجدُ مَن يُنصِفُها في مجتمعٍ أدمنَ على قهرِها وإذلالِها، ولا شكّ أنّها دوْمًا تحلُمُ رغمَ كلِّ المآسي العاصفةِ بها، أنّها ستحظى بواحةِ الأمان فلا تنكسر، كما يقول الفيلسوف (زواتلى):المرأةُ كالغصنِ الرّطبِ، تميلُ إلى كلِّ جانبٍ مع الرّياح، ولكنّها لا تنكسرُ في العاصفة”!
فهل المرأةُ شجرةٌ أم فننٌ أم ثمرُ، أم هديّةٌ ربّانيّةٌ كرّمها الله فجعلَ منها أمَّ البشريّةَ، كما يقول الفيلسوف سقراط“:المرأةُ أحلى هديّةٍ قدّمَها اللهُ إلى الإنسان”؟
و “سعيد فريحة” يصرّحُ بملءِ كبريائِهِ: “المرأةُ في نظري هي الّتي تجعلُني أحسُّ بكياني كرجُل”!
فهل واهبةُ الحنانِ والعاطفةِ، وزارعةُ حقول الحياةِ بابتساماتِها الورديّة، يمكنها أن تعطّرَ القلوبَ المتعبةَ بأريج السّعادةِ والطّمأنينةِ دائمًا؟ وإنْ كانت هي منبعُ البهجةُ والسّعادة، كما يقول كونفوشيوس: “المرأةُ أبهجُ شيءٍ في الحياة”، فهل يؤمنُ الرّجلُ الشّرقيُّ أنّ المرأةَ ليستْ مِن سقط المتاع والميراث، ولا تخضعُ شرعًا للضّربِ والهجرِ والحرمانِ والتّهديد والوعيد، كما لا يمكنُ الاستغناء عنها؟
بلزاك يؤكّدُ: “المرأةُ مخلوقٌ بينَ الملائكةِ والبَشر، وأقربُ الكائناتِ للكمالِ”! فهل نقرُّ أنّ لها حقًّا في إنسانيّتها، إضافة إلى واجباتها، وأنّها قد تفوقُ الرّجلَ علمًا وصلاحًا وجدوى؟ نعم، مدرسةُ الأجيال هي، كما أشادَتْ بها الرّسالاتُ السّماويّة، وكما بَجّلها فلاسفةُ الأرضِ وشعراؤُها وأدباؤُها، فها رديارد كبلنج قال: “المرأةُ وحدَها الّتي علّمتْني ما هي المرأة”!
وأناتول فرانس قال: “المرأةُ هي أكبرُ مربّيةٍ للرّجل، فهي تعلّمُهُ الفضائلَ الجميلةَ، وأدبَ السّلوكِ ورقّةَ الشّعور”!
وشاعرُ النّيل حافظ إبراهيم يُجْمِلُ إيمانَهُ:الأمُّ مدرسةٌ إذا أعددتَها/ أعددْتَ شعبًا طيّبَ الأعراقِ”!
هذا الكيانُ المدعو “امرأةً”، قد يشكّلُ نصفَ المجتمع والأمّةِ إنْ لم يكنْ أكثر، فيَقرعُ النّاقوسَ منبِّهًا جمالُ الدّين الأفغاني: يا بني أمّي،لا أمّةَ بدونِ أخلاق، ولا أخلاقَ بدونِ عقيدةٍ، ولا عقيدةَ بدون فهم”!
نقطةٌ مركّبةُ الأبعادِ والاتّجاهات انبثقتْ مُجلجلةً، فهل حقًّا نفتقر إلى العقيدة، أم أنّها مُتواجدةٌ مُغيَّبةٌ، لكنّنا نفتقرُ إلى فهمِها والتحلّي بها، فنزدانُ بفضائلِها حينَ نتخلّقُ بها؟
هل يمكنُنا أن نصحّحَ اعوجاجَ مجتمعاتِنا فكريًّا، لنخرجَ عن عاداتِنا المتوارثةِ البالية بشأن المرأة، ونُحْسِنُ التّعامل معَها كإنسانٍ وكيانٍ؟ كيفَ يتأتّى لنا الصّلاحُ والإصلاح؟
أسوقُ قصّةً طريفةً شاعتْ بينَ مجالس المتأدّبين، مِن كتاب “محاضرة الأدباء” لمحيي الدّين بن عربي، حولَ أثر البيئةِ على تركيبةِ البشر تقول:
أنّ عليَّ بن الجهم عاشَ في شبابِهِ في بيئةٍ صحراويّةٍ قاسية، وعلى الرّغم مِن رشاقةِ المعاني والشّاعريّة الفذّة الّتي تأجّجتْ في صدرِهِ، إلاّ أنّ البيئةَ الصّحراويّةَ كان لها أثرٌ في بناءِ شخصيّتِهِ ومفرداتِهِ وألفاظِه الشّعريّة، فجعلتهُ جافًّا قاسيًا، وحينَ أنشدَ المتوكّل قال:
أنتَ كالكلبِ في حِفاظِكَ للوُدِّ وكالتّيسِ في قراعِ الخُطوبِ /أنتَ كالدّلوِ لا عدمْناكَ دلوًا مِن كبارِ الدّلا كثير الذّنوبِ
أجمعَ الحضورُ على ضرْبِهِ، لكنّ المتوكّلَ أدركَ بنباهتِهِ حُكمَ البيئة في تشكيل شعريّتِهِ، فأصدر أمرًا بأن يتمّ منْحَهُ بيتًا في بستانٍ قريبٍ مِن الرّصافة، في حيٍّ أخضر يانع، يُطلُّ على النّاس والسّوق والنّضرة والجَمال، وحينَ دُعيَ عليّ بنُ الجهمِ بعد فترةٍ، أنشدَ شِعرًا متميِّزًا:
عيونُ المها بينَ الرّصافةِ والجسر جلبنا الهوى مِن حيثُ أدري ولا أدري
أصيبَ الجمعُ بالدّهشةِ لهذا الانقلابُ في التعبير، فقال أميرُ المؤمنين: إنّي أخشى عليه أنْ يذوبَ رِقّة!

وعسى أن نذوبَ رقّةً وصَلاحًا في إدراكِ العِبرة، وما يرمي إليهِ قوْلُ مُترجم كتاب “كليلة ودمنة” عبدالله بن المقفع: المرأةُ الصّالحةُ لا يَعدلُها شيء، لأنّها عونٌ على أمرِ الدّنيا والآخرة!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…