غزال.. ام.. ثعلب؟

 سوزان سفر

الكل يتحدث عنه بفضول  وحسد كبير،  كبار القرية وصغارها، وحتى النساء الجالسات فجرا أمام تنانير الخبز يثرثرون بأمره و يتهامسون لبعضن البعض عندما يمر أمامهن أبو نيجير..
–  هذا هو الذي استطاع أن يتغلب بذكائه الكبير على رجال المفارز العسكرية، ويجتاز وحدة التفتيش دون أن يقترب منه احد او يفتش سيارته في الوقت الذي  نتعرض لتفتيش صارم نحن وأطفالنا !
–  منعوا عنا كل شيء حتى نموت ونستسلم لهم، لكن نجوم السماء اقرب لهم منا.
–  دخيل الله من يعلم… ؛وهي تهز  طرف قميصها؛ حسب ما سمعت يقولون بأنه يأخذ زوجته معه…!؟ 
–  لا…لا  أتوقع هذا.. فزوجته نقية وطاهرة ليس من المعقول هذا الكلام، لكنني سمعت اليوم بأنه يقتسم الفوائد والأرباح معهم..!

–   يا لحسن حظ زوجته،  فقد ارتاحت من هم النفط …… ليس مثل حظنا نتحسر على قطرة واحدة منه.. 
  عبق الفجر في الربيع يزيد في نفسه شهوة الحياة، برغم ركود الألم في ذاته كلما حاول أن يثور على ماضيه المنكوب ويعلن أمام تلك الطبيعة والجبال انه انتصر عليهم واخذ بثار أبيه، يصطدم بجدار الواقع  ويتذكر منظر والده عندما اصطحبه للمدنية لشراء بعض المؤن،  ولما وصل نقطة التفتيش ووجدوا بحوزته  تلك المؤن وكذلك وعاء من الراشي،  افرغوا  كلها على الأرض،  وهم يضحكون ويقهقهون، وسكبوا الراشي  في حذائه وطلبوا منه أن يرتديه، تحدت تهديد السلاح و بأسلوب لا يمت للرحمة بصلة..
  و مع حمل عبئ كل تلك الذكريات، كان يزيد الحمل اكثر بوضع ما صاده  فوق كتفه مسارعا بالرجوع للبيت قبل ان  تعلو شمس الصباح ويرى اهل القرية ما يحمله من صيد.. 
وما ان كان يصل للبيت حتى كانت زوجته قد جهزت الفرن الطيني وملأته بالجمر والحطب.. ويسرع هو بسلخ جلد الثعلب حتى يجهز الغداء  في الوقت المحدد..
شوت زوجته اللحم جيدا، وجهزته.. بينما هو يملئ سيارته بالبضاعة وبيعه في مناطق اخرى بسعر اغلى، وشراء ما يحتاجه من نفط  ومواد لعائلته..
  وفي طريقه الى اجتياز نقطة التفتيش،  مرّ بجارهم العجوز، فاركبه معه، وبعد السلام والقاء التحايا، سأله  العجوز: قل لي يا بني كيف تستطيع اجتياز نقطة التفتيش وانت تحمل كل هذه البضاعة؟ كن  حذرا منهم يا بني،  ولا تستهين بهم، لان قلم واحد او تقرير واحد يمكن لهم ان يمحيك  من على ارض الوجود دون سابق انذار..   
– اطمئن  يا عماه..  فانا اعرف  ما افعله..
–  ما هذه الراحة الشهية هل هذا لحم عجل ام …؟؟
 قاطعه ابو نجير  وهو يضحك
ـ  لا والله يا عم .. انه لحم ثعلب. 
باستغراب شديد:
ـ  ثعلب..!!؟
–  اجل يا عم.. سأبوح لك بسرّي  لأنك بمقام والدي، علما بانني لم اقل ذلك لاحد حتى اللحظة.. ففي كل صباح باكر اذهب الى الصيد واصطاد الثعالب او اي حيوان، قد يكون كلبا او حمارا، واحيانا بعض انواع الطيور وخاصة  الغراب، واشويه جيدا واقول لهم بانه لحم غزال او عجل  او حمام.. 
وصل ابو نجير نقطة التفتيش.. استقبله رجال العسكر بعيون زائغة تبحث عما يحمله في يده من لحم شهي..
– ها ابو نجير ايش جايب اليوم؟؟ لحم غزال لو عجل؟؟
ـ لحم غزال  طبعا..   كلوه بالعافية ……. كلوا لحم الثعالب يا اولاد الثعالب..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالعزيز قاسم

(كان من المقرر ان اقدم هذه المداخلة عن “اللغة الشعرية في القصيدة الكردية المعاصرة ـ ڕۆژاڤا” في مهرجان فولفسبورغ للشعر الكردي اليوم السبت ٢٥ اكتوبر، ولكن بسبب انشغالي بواجب اجتماعي قدمت بطاقة اعتذار إلى لجنة إعداد المهرجان).

وهذه هي نص المداخلة:

من خلال قراءتي لنتاجات العديد من الشعراء الكرد (الكرمانجية) المعاصرين من مناطق مختلفة “بادينان،…

إبراهيم محمود

 

تلويح خطي

كيف لرجل عاش بين عامي” 1916-2006 ” وفي مجتمع مضطرب في أوضاعه السياسية والاجتماعية، أن يكون شاهداً، أو في موقع الشاهد على أحداثه، ولو في حقبة منه، إنما بعد مضي عقود زمنية ثلاثة عليه، دون تجاهل المخاطر التي تتهدده وتتوعده؟ وتحديداً إذا كان في موقع اجتماعي مرصود بأكثر من معنى طبعً، كونه سياسياً…

د. محمود عباس

حين يمرض الضوء، تبقى الذاكرة سنده.

قبل فترةٍ ليست بعيدة، استوقفني غياب الأخت الكاتبة نسرين تيلو عن المشهد الثقافي، وانقطاع حضورها عن صفحات التواصل الاجتماعي، تلك التي كانت تملؤها بنصوصها القصصية المشرقة، وبأسلوبها المرهف الذي حمل إلينا عبر العقود نبض المجتمع الكوردي بخصوصيته، والمجتمع السوري بعموميته. كانت قصصها مرآةً للناس العاديين، تنبض بالصدق والعاطفة،…

خالد حسو

 

ثمة روايات تُكتب لتُروى.

وثمة روايات تُكتب لتُفجّر العالم من الداخل.

ورواية «الأوسلاندر» لخالد إبراهيم ليست رواية، بل صرخة وجودٍ في منفى يتنكّر لسكّانه، وثيقة ألمٍ لجيلٍ طُرد من المعنى، وتشريحٌ لجسد الغربة حين يتحول إلى قَدَرٍ لا شفاء منه.

كلّ جملةٍ في هذا العمل تخرج من لحمٍ يحترق، ومن وعيٍ لم يعد يحتمل الصمت.

فهو لا…