محمد قاسم(ابن الجزيرة)
m.qibnjezire@hotmail.com
مقدمة:
رغب إليّ الأخ “شفان دهوكي” أن أكتب عن ديرك -المدينة الجميلة -والمهملة- لأنه سبق وأن كتب عن “قامشلي”، ويريد أن يستكمل دراساته عن مدن كردية…
m.qibnjezire@hotmail.com
مقدمة:
رغب إليّ الأخ “شفان دهوكي” أن أكتب عن ديرك -المدينة الجميلة -والمهملة- لأنه سبق وأن كتب عن “قامشلي”، ويريد أن يستكمل دراساته عن مدن كردية…
ولقد وجدت هذه الرغبة هوى في نفسي. لأنني كنت قد منّيت نفسي ذات يوم بدراسة عن الجزيرة ومن نواحيها المختلفة – تاريخياً وميدانيًا – بيد أن ظروفي لم توفر لي تحقيق هذه الأمنية حتى الآن، سواء لاعتبارات ذاتية أو موضوعية.
فلما رغب الأخ “شفان” إليّ للقيام بذلك، انتعشت الأمنية، ونشط الحافز لذلك.
وكان من الطبيعي البحث عن مصادر يمكن أن تنفعني، ولكنها – كما يبدو – عزيزة. فـ/ديرك/ ليست مدينة كبيرة لكي تحوز على اهتمام الباحثين، كما أنها ليست قديمة-بحسب معرفتي- بحيث أجد معلومات كافية عنها في كتب التاريخ المتداولة عن المنطقة.
جلّ ما حصلت عليه هو مصادر كتبها صحفيون أو موظفون يمثلون التوجه الرسمي – على الأغلب – وهي تتناول الجزيرة – محافظة الحسكة – ويرد اسم “ديرِك” فيها لمامًا. ومع ذلك فقد ساعدت المعلومات فيها على تحديدات، أو تواريخ، أو أسماء، أو معالم أو أحداث معينة… تبقى مفيدة في هذه المرحلة. ريثما يمكن الاطلاع على مصادر جديدة – إذا توفرت – لذا فقد جمعت بين ما ورد في هذه المصادر المكتوبة، والأجوبة التي حصلت عليها عن أسئلتي ميدانياً، من بعض سَكان “ديرك” القدماء، ومنهم من تجاوز عمره تسعين عاماً.
أما المصادر المكتوبة فهي:
1- كتيب لا يتجاوز عدد صفحاته /60/ صفحة من القطع المتوسط عنوانه :
(الجزيرة في عهد الاستقلال والحرية بحث ودراسة عزالدين السمّان وشوقي البعّاج، طبعة عام 1946).
2- كتيب بنفس الحجم بعنوان:
(الأرض الطيبة بقلم الصحفي صبحي عبد الرحمن.نسخة شرف- طبعة ثانية عام 1965. مطبعة الشباب – مكتبة دار اللواء – القامشلي).
3- كتيب صغير بعنوان :
(كنيسة السيدة العذراء ولمحة عن المالكية. يوسف جبرائيل القس تحقيق جوزيف أسمر 1993 )
4- كتاب يتجاوز /415/ صفحة من القطع الكبير بعنوان:
(محافظة الحسكة . دراسة طبيعية تاريخية بشرية اقتصادية – تحولات وآفاق مستقبلية – احمد شريف مارديني – طبعة أولى نيسان 1986 مطبعة خالد بن الوليد – دمشق –
5-كتاب صدر حديثا بعنوان :
(كتاب المالكية – ديريك – جمال الولي – طبعة أولى 2007. مركز الإنماء الحضاري. حلب).
6- دراسة سريعة نشرت في إحدى أعداد نشرة / الطريق / والتي كان يصدرها “حزب الشغيلة الكردي في سوريا” وقد انقسم هذا الحزب على نفسه، ثم اتحد كل قسم مع حزب آخر، ولم يعد له وجود مستقل-بحسب علمي- ومن الأسماء المعروفة التي كانت في قيادته الدكتور /عبد الباسط سيدا/ المقيم في السويد-الآن- والمرحوم / صبغة الله سيدا/.
وأما ميدانيا فقد التقيت عدداً لا بأس به من الناس، وسأظل ألتقي بهم وبغيرهم باستمرار- إن شاء الله- حتى تتكون معلومات وتصورات أقرب إلى الحقيقة التاريخية…
ومن هؤلاء كل من السادة : الحاجة “وضحة رمضان حاجو” أكثر من 80 عاماً – ملكي فارطو أكثر من 90 عاماً – حنا بولص تجاوز / 60/عاماً – احمد داوود تجاوز/60/عاماً – يوسف كامل تجاوز/60/ عاماً – عبد الرحمن رمضان حاجو حوالي /75/ عاماً – حاجي موسى شاهين – حوالي /65/ عاما أو أكثر ، تاج الدين قدري حوالي /57/ عاماً، إسماعيل إسماعيل حوالي /60/ عاماً، وغيرهم …
وفيما يتعلق بالمصادر المكتوبة فلم تكن دراسات متخصصة ومن باحثين متخصصين، لذا غلب فيها أسلوب سرد وصفي سريع، وذو طابع دعائي للنظام – على الأغلب –
إضافة إلى معلومات مستقاة من الميدان أو بعض المصادر الرسمية، وخاصة عن تاريخ الأحداث. ولعل المصدر الأكثر إفادة كان: (كتاب المالكية – ديريك) – ومع ذلك فقد حاولت أن استفيد من الجميع ما أمكن. وقد أشرت إلى ذلك في سياق الكتابة أو في الهوامش.
كما إنني كنت شاهداً على حياة المدينة منذ الفترة ما بين 1959 وحتى اللحظة الراهنة
/ 2010 /.
لا أزعم ،إنني أحطت بما ينبغي . ولكنني أزعم بأني حصلت على معلومات أولية حاولت أن أضعها في نسق يحاول تصوير مشهد المدينة التي أحببتها دوما “ديرك”.
هذه المدينة التي أرى فيها مشروع مدينة نموذجية –إذا أدرك المسؤولون عنها حقيقتها الجغرافية والبيئية والاجتماعية.. وعملوا بإخلاص على خدمة مدينتهم، ولم بعد لهم العذر في عدم الخدمة، فرئيس البلدية هو ابنها –مهما كانت الاعتبارات- ومجلس بلديتها من أبناء المدينة-مهما كانت الاعتبارات- بخلاف ما كان سابقا حيث يتولى شؤونها البلدية-والخدمية- مسؤولون من خارج المدينة..!!
وإنني لأتوجه للقراء الكرام بكل الرغبة والمودة أن يساعدوني على تصحيح ما قد يرد خطًأ فيه ، أو إغناء ما قد يكون ناقصا – وهو موجود بلا شك- ولهم مني الشكر الجزيل. فشعاري في هذا السياق، قول الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب:(( رحم الله من أهدى إليّ عيوبي )).
بقي أن أقول: إن سرد بعض الأحداث والمجريات، أو محاولة تفسيرها، ليس القصد منه أي نزوع سلبي؛ بقدر ما هي محاولة للتنبيه، أو لتسجيل- أو لتفسير- وقائع، وأحداث؛ تكون مذكّرة بالجانب السلبي في الممارسة الحياتية -في الماضي خاصة-للاتعاظ والانتقال إلى وعيِ قيمة الجانب الايجابي من الحياة، راهنا خاصة..
فالمهم أن نوظف الماضي -دون أن نشوّهه قاصدين- للمساهمة في بناء الحاضر، وهو الأهم في الحياة. ومن ثم الوصول إلى مستقبل أفضل دائماً.. لا أن نبقي الحاضر والمستقبل رهينة ماض قد يعكّر صفو الحياة أبدا.
والتجارب التاريخية والحياتية تعلمنا ان عيش الحاضر يقتضي تجاوز الكثير من مؤثرات الماضي وان اضطررنا إلى بعض تجاهل أو نسيان قد يكون مؤلما بعض الشيء، ولكنه لن يكون أكثر إيلاما من عيش الماضي في الحاضر ليعكر صفوه. ويعطل فعاليته الإيجابية.
ديرك 2
كنت لا أزال طفلا ً لم يبلغ السادسة عندما أردفني المرحوم والدي خلفه على ظهر بغل-أو حصان- كان يركبه متجهاً من كركي سلمان (الصحية) إلى ديرك. عبر ممر ضيق يقطع السهول والمرتفعات البسيطة، والمغطاة -في كثير منها- بالحجر الأسود، سوى تلك الساحات التي امتدت إليها يد الفلاح العامرة؛ لتحيلها إلى مزروعات مختلفة؛ تمد البشر بضرورات الحياة.
ولا أتذكر كم من الوقت استغرقت رحلتنا-وهي ليست طويلة واقعيا- ولكنها بدت لي – حينذاك- مملة. غير أن وصولنا إلى “ديركا حمكو” والتي كنت أحلم-دوما وكأي طفل ريفي- برؤيتها، خفف عليّ شعوري هذا، بل انقلب إلى سرور، ونحن نجتاز كروم البلدة المخضرة؛ والتي كانت عناقيد العنب المختلفة تتدلى منها‘ وتظهر حييّة من خلف أوراق الكرم الساترة.
وعندما نزلنا في دار خالي /الحاج محمد عمر/ وهو واحد من مصادرنا الميدانية حوالي 90 عاما-توفي 2010 – كدت أطير فرحاً بلقائهم، و استقبالهم البهيج لنا .. ومما لازلت أذكره -كحادثة طريفة- أن خالي نقدني فرنكين ومثلها لابنه إبراهيم ، فاشترى كل واحد منا كأسا من الخرت- كما كانت تسمى- وهي عبارة عن بشر الجليد في الكأس وإضافة شراب حلو -غالباً ما كان صنعا محلياً- من الماء والسكر ومادة ملونة – وعندما وضعت ملعقة منه في فمي اشتدت برودته على أسناني فلم أحسن الاستمرار، لذا ناولت الكأس لابن خالي الذي تناولها مني فرحا، وكان قد انتهى من كأسه توا؛ فلهفها بسرعة وشغف ، كما فعل في الأولى وأنا أنظر إليه متعجبا، وربما ببعض حسد أيضا !.
وفيما بعد انتقلت إليها للدراسة في الفترة ما بين الأعوام 959-1962 حيث درست الصفوف الثاني والثالث والرابع من المرحلة الابتدائية. وعلى الرغم من الانتقال إلى “قامشلي” و الـ “حسكة” والـ “شام” للدراسة في المراحل التالية؛ إلا أن صلتي بالمدينة بقيت مستمرة عبر زياراتي المستمرة، وقضاء شهور الصيف فيها غالبا.. إلى سكنتها رسميا منذ العام الدراسي 1976/1977. حيث درّست في مدرسة المأمون الابتدائية، قبل أن أُندب من قبل مديرية التربية إلى التدريس في ثانوية الشهيد يوسف العظمة، وكانت في مبنى يشغله الآن مدرسة ابتدائية. بعد أن انتقلت إلى البناء الجديد الحالي.
من هنا نشأت صلتي بهذه البلدة التي تحولت إلى مدينة تكبر يوماً بعد يوم؛ خاصة في التسعينات من القرن العشرين وحتى هذه اللحظة. وكانت حركة البناء نشيطة لولا أن المرسوم/49/ قضى عليها، وأحالها إلى جمود.
كانت “ديرك” لا تزال بلدة صغيرة في مطلع الستينات، عبارة عن حي في الجنوب من موقع تمثال الرئيس الحالي. وهو الحي الذي ناله التخطيط أكثر من السلطات البلدية، فكانت أفضل تنظيما من الحي القديم -القرية- والمسماة “ديركا حمكو” ولا تزال، مع بعض تغيير لا يتوازى أبدا مع الأحياء الأخرى.
فالقرية “ديركا حمكو”- الحي الشمالي من البلدة- كانت تتجمع بيوتها حول دير العذراء -الآن – .
هذا الدير الذي كان مجرد أنقاض، أو آثار، تم بناؤه في عام 1954- ويتموضع في وسط إسلامي كردي من حوله. ويتمتع بقيمته كمعبد.. دون أية مضايقة أو إساءة..
هذا الواقع- الحالة- يشير إلى رابطة إنسانية قائمة –بدرجة ما- ينبغي أن تتطور لتكون أساسا يُعزّز باستمرار.
وفي أيام السبت عصراً تتوافد جماعات مسيحية، من ذوي –أو ذوات- النذور أو الآمال خاصة -فضلاً عن تلك المتعبدة- تتوافد إلى هذا الدير، عبر شوارع وأزقة الحي الإسلامي – الكردي – في حركة لطيفة، لأن الأغلب فيها، صبايا في مقتبل العمر !!!
وينسب البعض اسم “ديرك” إلى وجود هذا الدير الوحيد. حيث أن الترجمة الكردية لـ(ديرك) بحسب هؤلاء هي : دير-يك أي الدير الوحيد. ولنا في ذلك رأي سيأتي لاحقا.
ولكن المذاهب في التسمية تتعدد. وقد حاول السيد جمال الولي – مدير مؤسسة البريد في ديرك حين تأليف الكتاب- أن يتقصى حول الأمر في كتابه: (كتاب المالكية – ديريك) فخرج بما يلي :
((….كان يطلق عليها اسم ديريك إلى تاريخ صدور المرسوم رقم 346 عام 24/3/1957 فأطلق عليها اسم المالكية…..
ويشتق اسم ديريك من اللغة السريانية (ديرونى) أي الدير الصغير- وباللغة الكردية يمكن تفصيل الاسم (دير) مكان العبادة ويك ، واحد ويصبح المعنى الدير الوحيد.
وتعني ديريك: دي ريك وباللغة الكردية: دي اثنين وريك طريق ويصبح المعنى : الطريقين تيمنا بالطريق الذي كان يربطها بالشمال والطريق الذي كان يربطها بالغرب))
ديركا حمكو معروف بهذا الاسم بحسب عدد كبير ممن سألناهم. ولم أجد رواية مختلفة.
وإن اشتقاق (ديريك) من (ديروني) يتنافى مع وجود أكثر من موقع باسم ديروني-لم يتغير إلى ديرك.مثلا: “ديرونا أغي”-“ديرونا قلنكا” “ديرون كفنكي””ديرون كمكي”.. وهي جميعا –الآن- قرى في منطقة آليان. فلم لم تتطور هذه التسميات إلى ديرك إذاً –مادامت كلمة “ديروني” هي أساس التسمية “ديرك”بحسب هذا التفسير..؟!
والمرجح-إذا- أن اسم “ديرك” مشتق:
– إما من “ده هرك” Dihirik أي المرتفعان الصغيران .أو” ده ريك” Dirêk أي الطريقان..
ويؤكد البعض –وهي غالبية-إلى أن” ديرك” كانت قرية مالكها هو السيد (حمكو) الذي لم يكن له سوى حفيدة واحدة تدعى “عدولي” وكانت تقطن في منزل جانب كنيسة العذراء ))(1)
…………………………………..
هوامش:
1- كتاب المالكية – ديرك ص 102 – وبذكر السيد احمد مارديني في كتابه محافظة الحسكة …. ص220 (( وفي عام 1936أصبحت مدينة المالكية -ديرك آنذاك – مركزاً للمنطقة وقد تبدل اسم ديرك فأصبح المالكية وذلك في عام 1960/1961))
كما يذكر ذلك السيد يوسف القس. في كتيبه : كنيسة العذراء ولمحة عن المالكية حيث يقول:
(( وفي عام 1957 وبقرار وزاري سميت المالكية ، وتحولت فيها القيود والسجلات الرسمية.وألغي اسم ( ديرك ) .
الملاحظ أن تاريخ تغير الاسم يختلف بين أحمد مارديني وجمال ويوسف – وربما كان الأول منهم يقصد من ذلك التداول الفعلي للاسم ووضعه في سياق النهج التعريبي الذي تصاعد منذ بداية الستينات في المناطق الكردية.
وأما اسم ديرك فأعتقد أن اللفظة الصحيحة كرديا لها -قراءة وكتابة – هي ( ديرك ) سواء بفتح الراء أو بكسرها إذا اعتمدنا أن التسمية آتية من الدير الوحيد. وتصبح (د ريك ) أو (ده ريك) إذا اعتمدنا أن التسمية آتية من الطريقين، وهذا ما أرجحه استناداً إلى لفظ ديرك .
أما ( عدولي ) فتقول الحاجة وضحه بأنها ابنة حمكو لا حفيدته – وقد ماتت في حوالي 1955 عن عمر ربما بلغ الثمانين ولم تتزوج .
وهناك رؤية تزعم أن حمكو من عشيرة هسنان التي تعرف المنطقة المحيطة شرقاً خاصةً من ديرك باسمهم (دشتاهستان) . ولكن لا سند موثق لذلك في أيدينا الآن. فقد سألت السيدة الحاجة وضحة فأنكرت ذلك، ووعدت بمتابعة ذلك، وقالت ربما كان من عشيرة هارونان-لكنها لم تؤكد ذلك.
وكان من الطبيعي البحث عن مصادر يمكن أن تنفعني، ولكنها – كما يبدو – عزيزة. فـ/ديرك/ ليست مدينة كبيرة لكي تحوز على اهتمام الباحثين، كما أنها ليست قديمة-بحسب معرفتي- بحيث أجد معلومات كافية عنها في كتب التاريخ المتداولة عن المنطقة.
جلّ ما حصلت عليه هو مصادر كتبها صحفيون أو موظفون يمثلون التوجه الرسمي – على الأغلب – وهي تتناول الجزيرة – محافظة الحسكة – ويرد اسم “ديرِك” فيها لمامًا. ومع ذلك فقد ساعدت المعلومات فيها على تحديدات، أو تواريخ، أو أسماء، أو معالم أو أحداث معينة… تبقى مفيدة في هذه المرحلة. ريثما يمكن الاطلاع على مصادر جديدة – إذا توفرت – لذا فقد جمعت بين ما ورد في هذه المصادر المكتوبة، والأجوبة التي حصلت عليها عن أسئلتي ميدانياً، من بعض سَكان “ديرك” القدماء، ومنهم من تجاوز عمره تسعين عاماً.
أما المصادر المكتوبة فهي:
1- كتيب لا يتجاوز عدد صفحاته /60/ صفحة من القطع المتوسط عنوانه :
(الجزيرة في عهد الاستقلال والحرية بحث ودراسة عزالدين السمّان وشوقي البعّاج، طبعة عام 1946).
2- كتيب بنفس الحجم بعنوان:
(الأرض الطيبة بقلم الصحفي صبحي عبد الرحمن.نسخة شرف- طبعة ثانية عام 1965. مطبعة الشباب – مكتبة دار اللواء – القامشلي).
3- كتيب صغير بعنوان :
(كنيسة السيدة العذراء ولمحة عن المالكية. يوسف جبرائيل القس تحقيق جوزيف أسمر 1993 )
4- كتاب يتجاوز /415/ صفحة من القطع الكبير بعنوان:
(محافظة الحسكة . دراسة طبيعية تاريخية بشرية اقتصادية – تحولات وآفاق مستقبلية – احمد شريف مارديني – طبعة أولى نيسان 1986 مطبعة خالد بن الوليد – دمشق –
5-كتاب صدر حديثا بعنوان :
(كتاب المالكية – ديريك – جمال الولي – طبعة أولى 2007. مركز الإنماء الحضاري. حلب).
6- دراسة سريعة نشرت في إحدى أعداد نشرة / الطريق / والتي كان يصدرها “حزب الشغيلة الكردي في سوريا” وقد انقسم هذا الحزب على نفسه، ثم اتحد كل قسم مع حزب آخر، ولم يعد له وجود مستقل-بحسب علمي- ومن الأسماء المعروفة التي كانت في قيادته الدكتور /عبد الباسط سيدا/ المقيم في السويد-الآن- والمرحوم / صبغة الله سيدا/.
وأما ميدانيا فقد التقيت عدداً لا بأس به من الناس، وسأظل ألتقي بهم وبغيرهم باستمرار- إن شاء الله- حتى تتكون معلومات وتصورات أقرب إلى الحقيقة التاريخية…
ومن هؤلاء كل من السادة : الحاجة “وضحة رمضان حاجو” أكثر من 80 عاماً – ملكي فارطو أكثر من 90 عاماً – حنا بولص تجاوز / 60/عاماً – احمد داوود تجاوز/60/عاماً – يوسف كامل تجاوز/60/ عاماً – عبد الرحمن رمضان حاجو حوالي /75/ عاماً – حاجي موسى شاهين – حوالي /65/ عاما أو أكثر ، تاج الدين قدري حوالي /57/ عاماً، إسماعيل إسماعيل حوالي /60/ عاماً، وغيرهم …
وفيما يتعلق بالمصادر المكتوبة فلم تكن دراسات متخصصة ومن باحثين متخصصين، لذا غلب فيها أسلوب سرد وصفي سريع، وذو طابع دعائي للنظام – على الأغلب –
إضافة إلى معلومات مستقاة من الميدان أو بعض المصادر الرسمية، وخاصة عن تاريخ الأحداث. ولعل المصدر الأكثر إفادة كان: (كتاب المالكية – ديريك) – ومع ذلك فقد حاولت أن استفيد من الجميع ما أمكن. وقد أشرت إلى ذلك في سياق الكتابة أو في الهوامش.
كما إنني كنت شاهداً على حياة المدينة منذ الفترة ما بين 1959 وحتى اللحظة الراهنة
/ 2010 /.
لا أزعم ،إنني أحطت بما ينبغي . ولكنني أزعم بأني حصلت على معلومات أولية حاولت أن أضعها في نسق يحاول تصوير مشهد المدينة التي أحببتها دوما “ديرك”.
هذه المدينة التي أرى فيها مشروع مدينة نموذجية –إذا أدرك المسؤولون عنها حقيقتها الجغرافية والبيئية والاجتماعية.. وعملوا بإخلاص على خدمة مدينتهم، ولم بعد لهم العذر في عدم الخدمة، فرئيس البلدية هو ابنها –مهما كانت الاعتبارات- ومجلس بلديتها من أبناء المدينة-مهما كانت الاعتبارات- بخلاف ما كان سابقا حيث يتولى شؤونها البلدية-والخدمية- مسؤولون من خارج المدينة..!!
وإنني لأتوجه للقراء الكرام بكل الرغبة والمودة أن يساعدوني على تصحيح ما قد يرد خطًأ فيه ، أو إغناء ما قد يكون ناقصا – وهو موجود بلا شك- ولهم مني الشكر الجزيل. فشعاري في هذا السياق، قول الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب:(( رحم الله من أهدى إليّ عيوبي )).
بقي أن أقول: إن سرد بعض الأحداث والمجريات، أو محاولة تفسيرها، ليس القصد منه أي نزوع سلبي؛ بقدر ما هي محاولة للتنبيه، أو لتسجيل- أو لتفسير- وقائع، وأحداث؛ تكون مذكّرة بالجانب السلبي في الممارسة الحياتية -في الماضي خاصة-للاتعاظ والانتقال إلى وعيِ قيمة الجانب الايجابي من الحياة، راهنا خاصة..
فالمهم أن نوظف الماضي -دون أن نشوّهه قاصدين- للمساهمة في بناء الحاضر، وهو الأهم في الحياة. ومن ثم الوصول إلى مستقبل أفضل دائماً.. لا أن نبقي الحاضر والمستقبل رهينة ماض قد يعكّر صفو الحياة أبدا.
والتجارب التاريخية والحياتية تعلمنا ان عيش الحاضر يقتضي تجاوز الكثير من مؤثرات الماضي وان اضطررنا إلى بعض تجاهل أو نسيان قد يكون مؤلما بعض الشيء، ولكنه لن يكون أكثر إيلاما من عيش الماضي في الحاضر ليعكر صفوه. ويعطل فعاليته الإيجابية.
ديرك 2
كنت لا أزال طفلا ً لم يبلغ السادسة عندما أردفني المرحوم والدي خلفه على ظهر بغل-أو حصان- كان يركبه متجهاً من كركي سلمان (الصحية) إلى ديرك. عبر ممر ضيق يقطع السهول والمرتفعات البسيطة، والمغطاة -في كثير منها- بالحجر الأسود، سوى تلك الساحات التي امتدت إليها يد الفلاح العامرة؛ لتحيلها إلى مزروعات مختلفة؛ تمد البشر بضرورات الحياة.
ولا أتذكر كم من الوقت استغرقت رحلتنا-وهي ليست طويلة واقعيا- ولكنها بدت لي – حينذاك- مملة. غير أن وصولنا إلى “ديركا حمكو” والتي كنت أحلم-دوما وكأي طفل ريفي- برؤيتها، خفف عليّ شعوري هذا، بل انقلب إلى سرور، ونحن نجتاز كروم البلدة المخضرة؛ والتي كانت عناقيد العنب المختلفة تتدلى منها‘ وتظهر حييّة من خلف أوراق الكرم الساترة.
وعندما نزلنا في دار خالي /الحاج محمد عمر/ وهو واحد من مصادرنا الميدانية حوالي 90 عاما-توفي 2010 – كدت أطير فرحاً بلقائهم، و استقبالهم البهيج لنا .. ومما لازلت أذكره -كحادثة طريفة- أن خالي نقدني فرنكين ومثلها لابنه إبراهيم ، فاشترى كل واحد منا كأسا من الخرت- كما كانت تسمى- وهي عبارة عن بشر الجليد في الكأس وإضافة شراب حلو -غالباً ما كان صنعا محلياً- من الماء والسكر ومادة ملونة – وعندما وضعت ملعقة منه في فمي اشتدت برودته على أسناني فلم أحسن الاستمرار، لذا ناولت الكأس لابن خالي الذي تناولها مني فرحا، وكان قد انتهى من كأسه توا؛ فلهفها بسرعة وشغف ، كما فعل في الأولى وأنا أنظر إليه متعجبا، وربما ببعض حسد أيضا !.
وفيما بعد انتقلت إليها للدراسة في الفترة ما بين الأعوام 959-1962 حيث درست الصفوف الثاني والثالث والرابع من المرحلة الابتدائية. وعلى الرغم من الانتقال إلى “قامشلي” و الـ “حسكة” والـ “شام” للدراسة في المراحل التالية؛ إلا أن صلتي بالمدينة بقيت مستمرة عبر زياراتي المستمرة، وقضاء شهور الصيف فيها غالبا.. إلى سكنتها رسميا منذ العام الدراسي 1976/1977. حيث درّست في مدرسة المأمون الابتدائية، قبل أن أُندب من قبل مديرية التربية إلى التدريس في ثانوية الشهيد يوسف العظمة، وكانت في مبنى يشغله الآن مدرسة ابتدائية. بعد أن انتقلت إلى البناء الجديد الحالي.
من هنا نشأت صلتي بهذه البلدة التي تحولت إلى مدينة تكبر يوماً بعد يوم؛ خاصة في التسعينات من القرن العشرين وحتى هذه اللحظة. وكانت حركة البناء نشيطة لولا أن المرسوم/49/ قضى عليها، وأحالها إلى جمود.
كانت “ديرك” لا تزال بلدة صغيرة في مطلع الستينات، عبارة عن حي في الجنوب من موقع تمثال الرئيس الحالي. وهو الحي الذي ناله التخطيط أكثر من السلطات البلدية، فكانت أفضل تنظيما من الحي القديم -القرية- والمسماة “ديركا حمكو” ولا تزال، مع بعض تغيير لا يتوازى أبدا مع الأحياء الأخرى.
فالقرية “ديركا حمكو”- الحي الشمالي من البلدة- كانت تتجمع بيوتها حول دير العذراء -الآن – .
هذا الدير الذي كان مجرد أنقاض، أو آثار، تم بناؤه في عام 1954- ويتموضع في وسط إسلامي كردي من حوله. ويتمتع بقيمته كمعبد.. دون أية مضايقة أو إساءة..
هذا الواقع- الحالة- يشير إلى رابطة إنسانية قائمة –بدرجة ما- ينبغي أن تتطور لتكون أساسا يُعزّز باستمرار.
وفي أيام السبت عصراً تتوافد جماعات مسيحية، من ذوي –أو ذوات- النذور أو الآمال خاصة -فضلاً عن تلك المتعبدة- تتوافد إلى هذا الدير، عبر شوارع وأزقة الحي الإسلامي – الكردي – في حركة لطيفة، لأن الأغلب فيها، صبايا في مقتبل العمر !!!
وينسب البعض اسم “ديرك” إلى وجود هذا الدير الوحيد. حيث أن الترجمة الكردية لـ(ديرك) بحسب هؤلاء هي : دير-يك أي الدير الوحيد. ولنا في ذلك رأي سيأتي لاحقا.
ولكن المذاهب في التسمية تتعدد. وقد حاول السيد جمال الولي – مدير مؤسسة البريد في ديرك حين تأليف الكتاب- أن يتقصى حول الأمر في كتابه: (كتاب المالكية – ديريك) فخرج بما يلي :
((….كان يطلق عليها اسم ديريك إلى تاريخ صدور المرسوم رقم 346 عام 24/3/1957 فأطلق عليها اسم المالكية…..
ويشتق اسم ديريك من اللغة السريانية (ديرونى) أي الدير الصغير- وباللغة الكردية يمكن تفصيل الاسم (دير) مكان العبادة ويك ، واحد ويصبح المعنى الدير الوحيد.
وتعني ديريك: دي ريك وباللغة الكردية: دي اثنين وريك طريق ويصبح المعنى : الطريقين تيمنا بالطريق الذي كان يربطها بالشمال والطريق الذي كان يربطها بالغرب))
ديركا حمكو معروف بهذا الاسم بحسب عدد كبير ممن سألناهم. ولم أجد رواية مختلفة.
وإن اشتقاق (ديريك) من (ديروني) يتنافى مع وجود أكثر من موقع باسم ديروني-لم يتغير إلى ديرك.مثلا: “ديرونا أغي”-“ديرونا قلنكا” “ديرون كفنكي””ديرون كمكي”.. وهي جميعا –الآن- قرى في منطقة آليان. فلم لم تتطور هذه التسميات إلى ديرك إذاً –مادامت كلمة “ديروني” هي أساس التسمية “ديرك”بحسب هذا التفسير..؟!
والمرجح-إذا- أن اسم “ديرك” مشتق:
– إما من “ده هرك” Dihirik أي المرتفعان الصغيران .أو” ده ريك” Dirêk أي الطريقان..
ويؤكد البعض –وهي غالبية-إلى أن” ديرك” كانت قرية مالكها هو السيد (حمكو) الذي لم يكن له سوى حفيدة واحدة تدعى “عدولي” وكانت تقطن في منزل جانب كنيسة العذراء ))(1)
…………………………………..
هوامش:
1- كتاب المالكية – ديرك ص 102 – وبذكر السيد احمد مارديني في كتابه محافظة الحسكة …. ص220 (( وفي عام 1936أصبحت مدينة المالكية -ديرك آنذاك – مركزاً للمنطقة وقد تبدل اسم ديرك فأصبح المالكية وذلك في عام 1960/1961))
كما يذكر ذلك السيد يوسف القس. في كتيبه : كنيسة العذراء ولمحة عن المالكية حيث يقول:
(( وفي عام 1957 وبقرار وزاري سميت المالكية ، وتحولت فيها القيود والسجلات الرسمية.وألغي اسم ( ديرك ) .
الملاحظ أن تاريخ تغير الاسم يختلف بين أحمد مارديني وجمال ويوسف – وربما كان الأول منهم يقصد من ذلك التداول الفعلي للاسم ووضعه في سياق النهج التعريبي الذي تصاعد منذ بداية الستينات في المناطق الكردية.
وأما اسم ديرك فأعتقد أن اللفظة الصحيحة كرديا لها -قراءة وكتابة – هي ( ديرك ) سواء بفتح الراء أو بكسرها إذا اعتمدنا أن التسمية آتية من الدير الوحيد. وتصبح (د ريك ) أو (ده ريك) إذا اعتمدنا أن التسمية آتية من الطريقين، وهذا ما أرجحه استناداً إلى لفظ ديرك .
أما ( عدولي ) فتقول الحاجة وضحه بأنها ابنة حمكو لا حفيدته – وقد ماتت في حوالي 1955 عن عمر ربما بلغ الثمانين ولم تتزوج .
وهناك رؤية تزعم أن حمكو من عشيرة هسنان التي تعرف المنطقة المحيطة شرقاً خاصةً من ديرك باسمهم (دشتاهستان) . ولكن لا سند موثق لذلك في أيدينا الآن. فقد سألت السيدة الحاجة وضحة فأنكرت ذلك، ووعدت بمتابعة ذلك، وقالت ربما كان من عشيرة هارونان-لكنها لم تؤكد ذلك.