حكمة الشعر..!

دهام حسن

اليوم سآخذ منحى آخر في الكتابة، منحى أدبيا خالصا بعيدا عن أجواء السياسة والسياسيين، سأحذو حذو الشعراء الكبار في أغراضهم الشعرية، وسأنثر بعض الحكم، كما فعل زهير بن أبي سلمى في معلقته، وكما هو شأن المتنبي في كثير من قصائده، فالحياة كانت لهما بمثابة مدرسة، ترفد ذهنهما بزاد معرفي وتصقّله بتجارب الحياة، وتخصب الخيال بتلونات الواقع وغزارته، وهنا أقول للتوضيح والتأكيد لست بصدد المقارنة بين ما أكتب من أشعار، وبين مدرستهم الرصينة، وقصائدهم ومعلقاتهم الفائقة الجودة، فهم كانوا مدرسة زاهية طالت قرونا، وما زلنا نقف عند معالمها
 وأنا من خلال هذه المدرسة أبغي أن أسوق بعض الأفكار كحكم لا لسبيل المقارنة بل لتحريك ذهن المتابع لما تتضمنه الحكمة من تلميح وتوجيه، وقد سبق لي أن نثرت بعض الحكم في قصيدتي (دولة الشعر) ليست غايتي من هذه الأبيات سوى أن يستأنس بها المتابع، وتوظيفها في المكان والظرف المناسبين.. ولكي أخفف عن صديقي الأستاذ حسين عيسو هذه المناوشات الثقافية التي يرشق بها بين حين وآخر..

واعلم جيدا من أن الحكمة لا يمكن اتخاذها كقاعدة نستشهد بها أو الأخذ بصوابيتها، فهي تأخذا أحيانا طابع التجربة الخاصة، ثم تعمم هذه التجربة، لتأخذ بالتالي الطابع العام، والحكمة تثبت ويتناقلها الناس وفق سوية المجتمع حسب العقلية السائدة فيه عند إطلاق الحكمة، والتقاليد السارية، والحكمة في الغالب بعيدة عن ميدان العلم.. لهذا فكثيرا من تلك الحكم لا نذكرها اليوم لأنها بنت ظروفها ولم تعد الأرضية اليوم صالحة لإشاعتها، أو مقبولة لتداولها، والحكمة هي نتاج مجتمع ما عند درجة من تطوره، أو خبرة بعض رجالاته.. فما كان صالحا بتداولها أمس قد لا يصلح تناقلها بنفس الوتيرة اليوم… أخلص أخيرا إلى القول.. إن الحكم هي وليدة تجارب إنسانية، وهي بمثابة أمثلة دارجة تدار على كل لسان، ولا تمت إلى العلم بصلة، وإن كانت في بعض جوانبها لا تعارض العلم.. وإن الحكمة في بعض جوانبها قد تأخذ جانبا سلبيا مثل قولنا : (اتقّ شرّ من أحسنت إليه)..

..وإليك فيما يلي هذه الأبيات، وهي لا تخرج عن سنة الشعراء القدامى من حيث إطلاق الحكمة، وإن كانت أقل جودة من حيث الصياغة والسبكة..طبعا الأبيات من نظمي.. ما أرجوه أن لا يقولنّ أحد أن (دهاما) يقصدني في هذا البيت أو ذاك، فلا بأس أن يلاحقنا الشك جميعا، ولا ضير بعده أن يتفكر واحدنا في موقعه وهل ينطبق عليه تهمة الحكمة أم لا..ويتصرف بإيجابية في ضوء ذلك

على الرواسي تتداعى سحب *** لكن تراها بددا عن تلّـة
تتكاثف السحب وتتجمع حول السلاسل الجبلية الكبيرة، لكنها تتبدد وتتفرق وتفرّ عن التلال الصغيرة..
عيب اللئيم طبعه لا ثوبه *** وغير ذا تطبّع في ملّتي
يعرف اللئيم عادة بطبعه لا بما يتظاهر هو بخلاف ذلك ..فكل ما يتظاهر به اللئيم يعد تطبعا وحيلة لا يستر لؤمه باعتقادي..
كلّ الكلاب في القرى نابحة *** دون أذى إلا كلاب قريتي
من عادة الكلاب في القرى النباح دون أن تلحق أذى بالسابلة..إلا الكلاب في قريتي فهي تنبح وأيضا تعضّ ..

الناظرون للسماء عزة *** ليسوا كمعتف جدا الأخسّة
المتطلعون للعلا بأنفة وعزة النفس ليسوا كمن يمد يده مستجديا العطايا من اللئام..
مهما علا في دمن نبت الكلا *** سينطوي على مزايا الدمنة
إن النبتة التي تنمو في وسط مزبلة، لا بد لها أن تحمل سجايا ذلك الوسط الذي خرجت منه..كان العرب يقولون: إياكم وخضراء الدمن.. أي عدم الانبهار بفتنة حسناء من منبت سوء…

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي

بحضور جمهور غفير من الأخوات والإخوة الكتّاب والشعراء والسياسيين والمثقفين المهتمين بالأدب والشعر، أقام الاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الكُرد في سوريا واتحاد كردستان سوريا، بتاريخ 20 كانون الأول 2025، في مدينة إيسين الألمانية، ندوةً بمناسبة الذكرى الخمسين لرحيل الأديب الشاعر سيدايي ملا أحمد نامي.

أدار الجلسة الأخ علوان شفان، ثم ألقى كلمة الاتحاد الأخ/ …

فراس حج محمد| فلسطين

لست أدري كم سيلزمني لأعبر شطّها الممتدّ إيغالاً إلى الصحراءْ
من سيمسك بي لأرى طريقي؟
من سيسقيني قطرة ماء في حرّ ذاك الصيف؟
من سيوصلني إلى شجرة الحور والطلع والنخلة السامقةْ؟
من سيطعمني رطباً على سغب طويلْ؟
من سيقرأ في ذاك الخراب ملامحي؟
من سيمحو آخر حرف من حروفي الأربعةْ؟
أو سيمحو أوّل حرفها لتصير مثل الزوبعة؟
من سيفتح آخر…

حاوره: طه خلو

 

يدخل آلان كيكاني الرواية من منطقة التماس الحاد بين المعرفة والألم، حيث تتحوّل التجربة الإنسانية، كما عاينها طبيباً وكاتباً، إلى سؤال مفتوح على النفس والمجتمع. من هذا الحدّ الفاصل بين ما يُختبر في الممارسة الطبية وما يترسّب في الذاكرة، تتشكّل كتابته بوصفها مسار تأمل طويل في هشاشة الإنسان، وفي التصدّعات التي تتركها الصدمة،…

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

لَيْسَ الاستبدادُ حادثةً عابرةً في تاريخِ البَشَرِ ، بَلْ بُنْيَة مُعَقَّدَة تَتكرَّر بأقنعةٍ مُختلفة ، وَتُغَيِّر لُغَتَهَا دُونَ أنْ تُغيِّر جَوْهَرَها . إنَّه مَرَضُ السُّلطةِ حِينَ تنفصلُ عَن الإنسانِ ، وَحِينَ يَتحوَّل الحُكْمُ مِنْ وَظيفةٍ لِخِدمةِ المُجتمعِ إلى آلَةٍ لإخضاعه .

بَيْنَ عبد الرَّحمن الكواكبي (…