عرض (أم بي سي) لمسلسل «تركيا الواحدة (الأرض الطيّبة)» التركي يثر موجة من السخط والغضب والخيبة بين الأكراد!.

 اسطنبول _ هوشنك أوسي

تحت عنوان “الدراما التركية حين تقع في مستنقع السياسة”، نشرت صحيفة “الحياة”، يوم 26 نوفمبر 2009 http://international.daralhayat.com/internationalarticle/80159)، لكاتب هذه السطور مقالاً، ارتأتيت من الأهميّة بمكان إعادة نشر مقتبس منه، كمدخل لمناقشة البلبلة التي أثارها عرض قناة “أم بي سي” للدبلجة العربيّة لمسلسل “تركيا الواحدة (تك توركيا – tek Türkiye)”، تحت اسم جديد، هو؛ “الأرض الطيّبة”:

“فضلاً عن كونها سلعة ثقافية فنيّة حضاريّة ذات مردود اقتصادي، يمكن للدرما أن تكون المعبر الأوسع والاسرع لبث قيم الخير والحب والتصالح والتحاور… ونبذ مظاهر الكراهيّة بين الأفراد والمجتمعات والشعوب.
 ونظراً لمدى فاعليّة الدراما واتساع دائرة تأثيرها، فقد صارت صنعة وحرفة وسلاحاً، ذات مردود فكري ونفسي، تساهم في تغيير المشاعر والأفكار، وصوغ وتوجيه الرأي العام، عبر تمرير ما يُراد تمريره من معلومات وانطباعات، قد تكون صائبة، وقد تكون مضلَّلة. وهنا مكمن الخطورة، في أن تساهم الدراما في إتلاف العرى والأواصر الاجتماعيّة، بدلاً من تمتينها وتوثيقها. وفي السنوات الأخيرة، خطت الدراما التركيّة خطوات مهمّة في العالم العربي، عبر تقنيّة الدبلجة. وعزز الدراما التركيّة حضور ودور تركيا في العالم العربي سياسيّاً واقتصاديّاً وثقافيّاً ونفسيّاً، وساهمت في تغيير الكثير من الانطباعات والأفكار السلبيّة المتوارثة والمتداولة عن تركيا. بمعنى، دفعت الدراما التركيّة باتجاه إحداث اختراق في العالم العربي، وحجزت لتركيا مواقع متقدّمة فيه، في فترة زمنيّة قياسيّة. وهذا ما عجزت (…) سجَّلت الدراما التركيّة خطوات للوراء، وبل وضعت نفسها على منزلقات خطيرة، أقلّها، النفخ في القوميّة، وإثارة النزوع العنصري التركي، لحدّ الشوفينيّة. وعلى سبيل المثال لا الحصر، عرض قناة “سمان يول – أس” التركيّة لعملين دراميين، موجَّهين خصّيصاً لتشويه المجتمع الكردي، والكفاح السياسي والعسكري الكردي في تركيا، وتمجيد العنصر التركي. حيث يتناول المسلسلان محاربة الجيش التركي مقاتلي حزب العمال الكردستاني كخلفيّة لهما. ويظهران الجنود الاتراك أبطالاً وبواسل، وفي منتهى النبل والحساسيّة والرهافة والودّ…، فيما نرى المقاتلين الأكراد في منتهى الوحشيّة والبربريّة والإرهاب، ومجرّدين من أبسط القيم الإنسانيّة، ومناهضين للإسلام والقيم الاجتماعيّة…الخ!. فمسلسل «تركيا الواحدة» (تك تركيا)، يعرض قصّة طبيب يأتي من اسطنبول إلى إحدى القرى في جنوب شرقي تركيا، ويجد نفسه في معمعة الصراع بين الجنود الأتراك والمقاتلين الأكراد. ويواجه الدكتور طارق (لعب دوره أوزان تشوبان أوغلو) صعوبات هناك، ويكون شاهداً على «معاناة» القرويين الأكراد على أيدي «الإرهابيين». كما يظهر المسلسل قائد مجموعة المقاتلين هناك واسمه بوطان (لعب دوره كاديم ياشار) على انه طاغية متغطرس وهمجي…الخ. كما نرى القرويين الأكراد جهلة متخلّفين مهزوزين، مجبرين على تقديم المساعدة للمقاتلين”. انتهى المقتبس. ومن الاهميّة بمكان ذكر: إنّ النسخة الأصل من المسلسل التركي المدبلج للعربيّة، وتعرضه “أم بي سي” الآن، لا زال يعرض مساء كل يوم خميس على قناة “سمان يول – أس” الإسلاميّة القوميّة، المقرّبة من جماعة فتح الله غولان الاسلاميّة، الدعم الرئيس لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا. ووصلت حلقاته لغاية كتابة هذه المادة 110 حلقة. مدّة الواحدة منها تزيد عن 90 دقيقة، قد تتجاوز 120 دقيقة مع حساب زمن الإعلانات التي تعرض خلاله. وليس سرّاً القول: أن “تك توركيا _ الارض الطيّبة” (الإخراج تشليك بكسوي والسيناريو لصالح أصلان)، لا يحظى بنسبة مشاهدة عالية بين المسلسلات التركيّة. خلاف ما جاء في صفحة المسلسل (الأرض الطيّبة) على موقع “أم بي سي”. بل ربما هو الأقل. وهذا العمل، يُعرض في السجون ومراكز البوليس وفي  الجمعيّات الاسلاميّة والقوميّة المتطرّفة. وأحياناً، يُجبر السجناء السياسيين على مشاهدته كنوع من العقاب والتعذيب، لما فيه من إهانات اجتماعيّة وسياسيّة وقوميّة للأكراد، وإعلاء من شأن العنصر التركي، وتضخيم من العسكر التركي وتنزيههم عن الجرائم التي يقترفونها جنوب شرق تركيا!. ليس هذا وحسب، وبل وجاء في تعريف الفنانين المشاركين في العمل، على الصفحة الالكترونيّة لـ”الأرض الطيّبة” في الموقع الالكتروني لـ”ام بي سي”، بأن أوزان شوبان أوغلو (دكتور طارق. واسمه في النسخة الاصليّة للعمل، أيضاً طارق)، وبأن شوبان أوغلو، شارك في مسلسل “تك توركيا”!، وكأنّ هذا المسلسل، ليس “الأرض الطيّبة”!؟. وعليه، إمّا أن إدارة “أم بي سي” تعي ذلك، وتخفي الأمر على المشاهدين؟!. أو أن الشركة المدبلجة “غالب الظنّ أنّها سوريّة”، لم تعطِ المعلومات التفصيليّة الكاملة عن “تك توركيا” لـ”أم بي سي”، وصوّرت أن “تك توركيا”، ليست “الأرض الطيّبة”!. وهنا، أيضاً يمكن فتح قوس لسؤال مفاده: لماذا غيّرت الشركة المدبلجة عنوان المسلسل، ولم تبقيه على أصله؟!. هل لتخفيف جرعة العنصريّة القومويّة التركيّة، في هذا العمل، والبادية من عنوانه الأصل؟!، تفادياً لما يقال في العربيّة الدارجة: “المكتوب مبيّن من عنوانه”!.

ورصداً لردود الأفعال الكرديّة حيال عرض “أم بي سي” للدبلجة العربيّة لمسلسل “تك توركيا”، عبّر دنكيز فراتي، الناطق باسم المعهد الكردي في دياربكر (كبر المدن الكرديّة جنوب شرق تركيا) لـ”الحياة” عن أسفه الشديد، لهذا التشويه الذي يطال المجتمع الكردي، اجتماعيّاً وسياسيّاً، عبر الدراما التركيّة. وذكر: “أنّ الدولة تسعى عبر الفن والدراما، تشويه الحقائق وتضليل الرأي العام التركي، حيال ما كان ولا زال يجري في المدن والقرى الكرديّة، جنوب شرق تركيا، من قمع وصهر وإنكار ومجازر. ما يشاهده المواطن العربي عبر هذا العمل، هو الدجل والافتراء بعينه. ونأسف أن تتورّط مؤسسات إعلاميّة عربيّة في الانحياز لوجهة النظر التركيّة الرسميّة، عبر عرض هذا المسلسل. هذا العمل، يعكس وجهة نظر وموقف الدولة من المجتمع الكردي ونضاله التحرري”. أمّا سامي تان،
مدير المعهد الكردي في اسطنبول، فذكر لـ”الحياة”: “الأكراد، ساهموا في الحضارة العربيّة والإسلاميّة، بأسماء يهتزّ لها التاريخ، في العلم والفكر والثقافة والأدب والسياسة وحتّى في النضال من أجل القضيّة الفسطينيّة. لا أفهم، لماذا تزلق قناة عربيّة محترمة، لتمرير التضليل التركي الى المشاهد العربي؟!. ألهذا الدرجة وصل التهافت على فذكات أردوغان وبهلوانياته الكلاميّة!؟. ألهذه الدرجة وصلت لغة المصالح بين الدول العربيّة بأن تجعل مؤسسات إعلاميّة مهمّة تحنو هذا النحو وتخسر الأكراد، لإرضاء الأتراك؟!. عرض هذا العمل، خيّب أمل الأكراد في كل مكان. لكنه لن يدفعهم الى الندم على ما قدمه صلاح الدين الايوبي وأبو مسلم الخرساني، واحمد شوقي والعقاد وقاسم امين وآل تيمور وآل بدرخان… والقائمة تطول للعالم العربي والاسلامي. نشعر بأسف شديد جداً. حين نجد قناة تلفزيونيّة غير تركيّة، تعرض تشويهاً فظيعاً لمجتمعنا ونضالنا. ومِنْ مَنْ؟ من الأخوة العرب؟!”. في حين ذكر طيب تامل،
رئيس تحرير جريدة “آزاديا ولات” الصادرة بالكرديّة في دياربكر: “خَبِرَ الاتراك، من أين يمكن خداع العرب!. لقد كان الخروج العثماني من البلاد العربيّة على جثث النخب التركيّة. نسي العرب ما فعله الاتراك ببلادهم طيلة 400 سنة، واكتفوا بخطابات أردوغان. نسو المشانق والخوازيق التي كانت تنصب للنخب العربيّة. وماذا لو انجز العرب أو الارمن او شعوب البلقان أعمال دراميّة عن المذابح والمجازر التي اقترفها الاتراك بحق شعوب الشرق الاوسط والبلقان، هل ستقبل تركيا بذلك؟. وهل ستجرؤ أيّة قناة تلفزيونيّة عربيّة عرص هكذا مسلسلات؟. نحن الكرد، لم ننظر للعرب، أبداً أبداً، بعيون الاتراك، فلماذا يسعى العرب للنظر الينا بعيون الدولة التركيّة، الحليفة الاستراتيجيّة لواشنطن وتل أبيب؟!. إذا كانت مصالح العرب مع تركيا، تحول دون تضامنهم مع مظالم ونضال الكرد في تركيا، أقلّه أن ينأوا بأنفسهم على أن يكونوا صدى آلة الدعاية التركيّة المشوّهة لقضيّة الكرد ونضالهم”. في حين، أكّد تراتبي كيشين،
محرر صفحة الرأي في صحيفة “غونلك” بأنه ثمّة مسعى تركي حثيث لقلب الحقائق، وربط النضال الكردي، بقوى خارجيّة، أمريكيّة واسرائيليّة، كي يضفي على حربه ضدّ الحركة الكرديّة مسحة إسلاميّة، وكأنّه قتال ضدّ الكفّار، وجهاد، وإلى ما هنالك من مسمّيات دينيّة. وهذا المسعى، يدخل في تحفيزه الإعلام والدراما والسينما، بخاصّة من الجهات الإسلاميّة وجماعة فتح الله غولان، الذي يوشك على ابتلاع تركيا. فتح الله غولان، هو الرئيس الظلّ للدولة والحكومة التركيّة. ومن المستغرب، أن المتابع العربي، ينبهر بظاهر المشهد التركي، ولا يسعى لسبر باطنه بدقّة وأمانة وحيّاديّة. ربما خوفاً من أن يتكشف بأنه كان مخدوعاً. من المؤسف القول: إن المتابع العربي متورّط عاطفيّاً في الانحياز لكل ما هو تركي، حتّى ولو كان كذب ودجل!”. بينما مدير القسم العربي في فضائيّة “روج تي في” الكرديّة التي تبثّ برامجها من بروكسل، فقال لـ”الحياة”: “أمّا نحن، فنرض تماماً أن نعرض في فضائيّتنا أعمال دراميّة تشوّه نضال الشعب الفلسطيني، وتهين المجتمع الفلسطيني والعربي، وتغمز من ساقية التبرير لوحشيّة إسرائيل. نرفض عرض هكذا سخافات وتضليل وتشويه للنضالات العربيّة، كما فعلت أم بي سي. ومن الصعب القول: إن إدارة قناة أم بي سي، غير مطلعة تماماً على واقع ووقائع المجتمع الكردي، وما ارتكبه ويرتكبه الجيش التركي من جرائم ومذابح طالت البشر والشجر والحجر في كردستان. وإذا كان مفهوماً إنجاز وعرض مسلسل (تك تروكيا) من الدولة، ولو بشكل غير مباشر، في إطار الحرب النفسيّة على الكرد، وتضليل الرأي العام التركي، لكن من غير المفهوم أن تنزلق قناة أم بي سي لهذا الدرك من الانحياز للحرب التركيّة على النضال الكردي. قناة أم بي سي، ليس مطالبة بوقف عرض هذا المسلسل المشبوه المغرض وحسب، وبل الاعتذار من الشعب الكردي وحركته التحرريّة”.

وفي السياق ذاته، وجّهت العديد من المواقع الالكترونيّة الكرديَّة انتقادات لاذعة لقناة “أم بي سي” لعرضها هذا المسلسل التركي. وأصدرت بياناً مشتركاً، وقّع عليه العشرات من المثقفين والكتّاب والفنانين والصحافيين الكرد، يطالبون في بوقف بثّ “تك توركيا _ الأرض الطيّبة”، والاعتذار من الشعب الكردي. ومن هذه المواقع الالكترونيّة: “باخرة الكرد” و”صوت كردستان”. وغالباً، لن ترضخ “أم بي سي” لنداء المثقفين الكرد، ولن توقف بثّ “الأرض الطيّبة”، كما فعلت حين أبطلت بثّ أعمال دراميّة عربيّة كـ”الطريق إلى كابول” رضوخاً للتهديدات. ويبدو ألاّ صوت يعلو على صوت المصلحة مع تركيا!، حتّى لو أدّى ذلك إلى تبنّى تشويهات تركيا للواقع والوقائع الكرديّة، اجتماعيّاً وسياسيّاً، عبر السينما والدراما.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…