«دراما رمضان» على «العربيّة»: ريادة يشوبها التسويق

هوشنك أوسي

كثيراً ما تناول الكتّاب والصحافيون في الصحافة العربيَّة، دراما رمضان، بالنقد والتحليل، وطالبوا بإعداد برامج تلفزيونيّة خاصّة، كضرورة ملحّة، تتناول المواسم الابداعيّة الدراميّة الرمضانيّة، رصداً وتحليلاً، بعمق ودقّة وشموليّة، وصولاً لاستخلاص نتائج من شأنها رفد حركة الدراما العربيّة برؤى محفِّزة ومنشِّطة ومغذِّية ومعزِّزة للقيم الجماليَّة والمعرفيَّة والابداعيَّة فيها. ولعلَّ محاولة قناة «العربيَّة» في إطلاق برنامج يومي، مساء كل يوم رمضاني، بعنوان «دراما رمضان»، يقدِّمانه كل من راوية العلمي وجميل ضاهر، لهي خطوة مهمّة، وفي الاتجاه الصحيح، وتأتي استجابة لتلك الضرورة… وأن تأتي هذه الخطوة من قناة إخباريَّة، هو أيضاً مثار تقدير وإعجاب. ومن الاهميّة بمكان، أن نجد نسخاً من برنامج «دراما رمضان» في قنوات إخباريّة أو قنوات فنيّة ومنوّعة أخرى، إلاّ أن السبق، يبقى مسجّلاً باسم «العربيَّة».
يحاول برنامج «دراما رمضان» إجراء رصد يومي للمسلسلات الدراميّة التي تعرضها الشاشات العربيَّة، سواء على مستوى التعريف، والتقاط أفكار أو مشاهد معيّنة، وتحليل الإيقاع الدرامي فيها. إلى جانب استضافة نقّاد دراميين، وأبطال أعمال دراميّة معيّنة، في الاستوديو أو عبر الهاتف، لمناقشة أفكار أو ظواهر أو إشكالات تعتري الموسم الدرامي هذا العام، أو تشوب حركة الدراما العربيّة على مدار السنة. إضافة إلى رصد آراء الناس، حول الاعمال الدراميّة، وأبطالها، في محاولة إشراك المُشاهد في عمليّة التقويم النقدي لهذه الأعمال. فضلاً عن عرض تقارير سعود الخلف، حول الاعمال الفنيّة التي تضيف لـ «دراما رمضان» حيويّة وقراءة مختلفة، لما يطرحه مقدّما البرنامج. كل هذا من دون أن ننسى رصد البرنامج للصحافة الفنيّة حول دراما رمضان، وتبعاتها ومظاهرها وما وراء الكواليس. وبالتالي، برنامج «دراما رمضان» يسعى لأن يكون شاملاً، يحيط الموسم الرمضاني الدرامي من كلّ الجوانب.
ولكن، من خلال الحلقات الخمس الأولى من هذا البرنامج، نجده دوماً يفتتح نفسه بتناول مسلسل «باب الحارة» بنسخته الخامسة. وتكون جرعة المدح لهذا العمل بادية، إلى جانب تقارير ترصد آراء المشاهدين التي ينتجها البرنامج، فتأتي منسجمة مع جرعة المدح تلك، لكأن ليس في فيض الاعمال الدراميّة الرمضانيّة إلا «باب الحارة»! أو كأنّه لا يوجد هناك أيّ مثلب أو خطأ أو هفوة، سقط فيها كاتب السيناريو أو مخرج «باب الحارة»، لفتت انتباه العلمي وضاهر، أثناء متابعتهم المسلسل! والحال هذه، وكأنّ برنامج «دراما رمضان»، أعدَّ خصيصاً كي يسوِّق لـ «باب الحارة» على اعتبار ان قناة «العربيّة» وقناة «إم بي سي» التي تعرض العمل، هما من مجموعة القنوات ذاتها. وإن «إم بي سي» هي التي وقفت وراء إنتاج «باب الحارة»!. وبالتالي، مطلوب التسويق لهذا العمل، وبشكل يجانب الحرفيّة في النقد الدرامي، وعلى قناة إخباريّة مهمّة هي «العربيّة»!.
ولا شك أن الحلقات الأولى من «دراما رمضان»، كانت بمثابة دعاية ولفت انتباه المُشاهد إلى «باب الحارة» عبر ذكر عبارات من قبيل: «ازدياد جرعة التشويق والاثارة»، و «ارتفاع إيقاع الحبكة البوليسيَّة»، و «تطوّر الشخصيّات» في العمل، التي يتبادلها مقدّما البرنامج، بخاصّة جميل ضاهر! بالتالي، لولا التسويق الواضح والفاقع الذي يمارسه برنامج «دراما رمضان» لهذا المسلسل، لكان هذا البرنامج، كامل الأوصاف، كما يُقال!. ومن الاهميّة ذكر: إن التسويق السطحي والمكرر، لأي عمل فنّي، ومهما علت جودته، يسيء للعمل نفسه، قبل أن يسيء للمسوّقين أنفسهم!.

عن صحيفة الحياة اللندنيّة

الخميس, 19 أغسطس 2010

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…

ماهين شيخاني.

 

وصلتُ إلى المدينة في الصباح، قرابة التاسعة، بعد رحلة طويلة من الانتظار… أكثر مما هي من التنقل. كنت متعبًا، لكن موعدي مع جهاز الرنين المغناطيسي لا ينتظر، ذاك الجهاز الذي – دون مبالغة – صار يعرف عمودي الفقري أكثر مما أعرفه أنا.

ترجّلتُ من الحافلة ألهث كما لو أنني خرجتُ للتو من سباق قريتنا الريفي،…

إبراهيم سمو

عالية بيازيد وشهود القصيدة: مرافعةٌ في هشاشة الشاعر:

تُقدِّم الكاتبة والباحثة عالية بيازيد، في تصديرها لأعمال زوجها الشاعر سعيد تحسين، شهادةً تتجاوز البُعد العاطفي أو التوثيقي، لتتحوّل إلى مدخل تأويلي عميق لفهم تجربة شاعر طالما كانت قصائده مرآةً لحياته الداخلية.
لا تظهر بيازيد في هذه الشهادة كامرأة تشاركه الحياة فحسب، بل كـ”صندوق أسود” يحتفظ…