ديرك مدينة في منقار البطة (9) قرية عين ديوار

محمد قاسم(ابن الجزيرة)
m.qibnjezire@hotmail.com

ذكرنا سابقا؛ أن قرية “عين ديوار” كانت المركز الأول للمستشار الفرنسي وعرفت بـ”قضاء عين ديوار”  ثم صارت

” قضاء الدجلة” قبل أن تصبح “ديرك” هي “قضاء الدجلة”  ومركزاً للمستشار الفرنسي ولدوائر الدولة المختلفة،ومن ثم- فيما بعد- منطقة المالكية..ولا تزال بهذه التسمية،من الناحية الرسمية.
هذه القرية-عين ديوار-“[i] “تطل على نهر دجلة  الذي ينساب حيناً ويهدر حيناً ، ينشر الحياة  حيث سار، نابعا من كردستان تركيا،وصابا في سواد العراق حيث نهر الفرات مشكلين ما يعرف بـ”شط العرب” ليصبا معا –دجلة والفرات- في بحر العرب.
 ومن جهة أخرى فإن قرية “عين ديوار”  تطل على مدينة “جزيرة بوطان” القديمة،  والجسر الأثري المعروف بـ( برا بافت او بافد -pirabafid) كما يسميه الكرد، أو الجسر الروماني  كما يرد في الأدبيات العربية  ويعد أهم أثر  (( … يتألف من ثلاثة  أقواس تحتوي على أبراج كما يبدو إنها كانت تستخدم   لرصد فصول السنة   من خلال اتجاهات الشمس )) 16
ويذكر السيد “جمال الولي”  بأن طبيباً فرنسياً كان  في عين ديوار  قتل لأسباب أخلاقية . فحل محله الطبيب الكردي الشهير “احمد نافذ بك”. في صيف حزيران عام 1930 … اقترح على رئيس بلدية عين ديوار حينذاك،  السيد “عبد الكريم ملا صادق” أن يتم تجميع المياه في حوض كبير،  وتزرع حوله الأشجار  المثمرة، نجح  المشروع وزرعت “عين ديوار” بالأشجار المثمرة )) 17
وتوجد آثار عدة في عين ديوار منها ( مناروك) ومنها (عين غيدا) أدنى الجسر الروماني وبجانبه أطلال يقال أنه لجامع. هذه القرية السياحية الجميلة – المهملة من المعنيين بكل أسف –  مرشحة لأن تكون أفضل موقع سياحي يجمع بين جمال  التضاريس، والتواء  نهر دجلة الموغل في التاريخ ، المشبع بالأحداث  والحكايا، والمطل على جزيرة بوطان حيث ملحمة “مم وزين” الخالدة والتي خلدها أحمدي خاني  شعراً، وترجمها إلى اللغة العربية ؛ الدكتور محمد سعيد البوطي  في عدة طبعات أهمها الطبعتان  الأولى والثانية  واللتان تتميزان بمقدمة تعد جريئة حين صدورها  في مطلع الخمسينات .
وهذه صورة للغلاف الأول والأخير الخارجيين لقصة “مم و زين”-أو” مموزين” بتعديل من الدكتور البوطي.،وصور عن المقدمة المذكورة.وقد صورتها عن نسخة لا يزال يحتفظ بها سليل شيخ الدين-شيخي دين-الأستاذ المحامي نواف جافي.والشكر له على ذلك.
لقطة لنهر دجلة في عين ديوار ويظهر جزء من مدينة “جزيرة بوتان” وجبال كردستان تركيا.

 

لقطة ثالثة ورابعة واللقطة الأخيرة هي للجسر المعروف بالجسر الروماني( Pirabafid )

 

 

 والجزيرة(جزيرة بوتان-أو جزيرة ابن عمرو)  مدينة حبلى  بحكايا التاريخ العلمي  والإداري والحروب، ومنها  مثلاً : أن الأمير سأل مستشاره (علو) وعلو تصغير –تحببا أو تحقيرا –بحسب الحال لاسم علي.:
 ما هو الأطيب من الطعام بلقمة واحدة؟   فقال : البيض..  وسكت الأمير حتى مر عام كامل، وفي نفس اليوم  قال الأمير: علو، بماذا ؟!
 فرد علو سريعاً : بالملح أيها الأمير.!!
وحكاية أخرى:
 غضب  علو من الأمير لسب ما، فاختفى  … فاضطربت أحوال إدارة المدينة مما اضطر الأمير إلى البحث عنه ، ولكنه كان قد أحسن اختفاءه .  فأشار بعض العقلاء على الأمير بتوزيع خرفان  على قرى الإمارة، والطلب إلى الأغوات والمخاتير  أن يربوها أفضل تربية ،شريطة أن لا تسمن خلال فترة حددها لهم، وعندما جاؤوا بالخرفان كانت تنقط  شحماً سوى خروف واحد  كان محتفظاً بحجمه . فسأل الأمير صاحبه : أين علو ؟!
وحاول التهرب لكن الأمير حاصره فاضطر للاعتراف.  وعندما سئل الأمير كيف عرف  ؟ قال : لأنه لا أحد سوى علو يعرف أن  وجود جراء ذئب مقابل الخروف يمنعه من السمنة خوفاً….. ويقال إن ذلك كان مشورة من احد مستشاريه الأذكياء.
وحكاية ثالثة تقول : في غياب علو هذا ارتبكت احوال الإمارة فارسل من يطلب المشورة من احد مقربيه –وكان مسيحيا- فقال النقرب لرسول الأمير..انظر ما افعل ،واخبر المير بما فعلت..وكان في بستان مزروع بالخضرة كالجبس والبطيخ وما شاكل.فقام بقطف الكبيرة منها وضربها ببعضها وبالصغيرة…ثم قال له اذهب الى الأمير.فقال: لم تخبرني شيئا..! قال صف ما فعلته فقط.ففهم المير ان السيطرة على الكبار والمتنفذين يضمن السيطرة على عامة الناس.
وأود أن اختم البحث  بالحديث عن أول إمام لأول جامع في ديرك – الجامع القديم – الذي مرت الإشارة إلى أن السيدة (عائشة أم صالح استلي) اشترت الأرض وعمرته على نفقتها. 
لقد كان هذا الإمام هو- بحسب كل من الحاجة وضحه وأخيها عبد الرحمن – ويوسف كامل – هو العالم الفاضل الشهير الملا عبد السلام ناجي الجزري لكنه لم يدم طويلاً  بل ذهب إلى الـ”قامشلي” خوفاً من بعض الآزخيين الذين تناغموا مع الفرنسيين واستقووا بهم  فكانوا يقتلون المسلمين  – وهم الكرد هنا – مما أوجد ارتباكا في المنطقة  تمخض في بعض حالاته عن استقدام الإنكليز على يد والد يوسف القس-(كما يذكر كتاب المالكية -ديريك-جمال الولي) لضرب القرى الكردية ومنها قضاء رجب (قزرجب ) والتي أشعل النار فيها بعد أن دافع عنها  أبناؤها بما استطاعوا.. ولكن عدم التكافؤ بين سلاح الإنكليز المتقدم،  والسلاح المتخلف للأفراد كان السب في ترجيح كفة الإنكليز.  كما دخلوا قرية ( حناوية أو حنيوية) بعد مقتل (رمي فقه ) والد الشاعر الضرير (سلو كورو) الذي حفظ كثيراً من أشكال الغناء  والحوادث إلى جانب غيره من شعراء الكرد الغنائيين خاصة،  ومنهم (رمو دنكبيژ) شاعر آل حاجو . والذي قضى زمناً في ديرك  يرعى شؤون دراسة أولاده فيها، ولا يزال الكبير منهما-عبد الله-  مقيماً في ديرك .
 وأما الملا عبد السلام ناجي الجزري؛ فقد كتب عنه  مفتي القامشلي الملا  أحمد بن الملا محمد الزفنكي في شرحه لديوان الملا  الجزري المشهور والذي سماه : العقد الجوهري في شرح ديوان  الملا الجزري – قال في خاتمة الجزء الثاني منه :((ولكن الحق يقال إن الذي لقيت منه  معونة في ابتداء عملي  كان المغفور له العالم الفاضل الملا عبد السلام ناجي الجزري رحمه الله . والذي كان من  أعيان علماء الجزيرة وكان إماماً ومدرساً  في المدرسة الحمراء- بجزيرة ابن عمرو  – المدرسة التي بناها الأمير شرف خان في القرن العاشر الهجري   المعاصر للملا  رحمه الله والتي دفن فيها الملا أيضاً – يقصد الشاعر الملا الجزري صاحب الديوان – ثم هاجر الملا عبد السلام  لأسباب سياسية ودينية إلى سوريا  وكان إماماً في الجامع الكبير بمدينة القامشلي … فرحمه المولى رحمة واسعة وأسكنه غرف جنانه  آمين)) 18
 وآخر ما نختم به البحث؛ هي العبارات التالية التي وردت في دراسة عن منطقة المالكية (ديرك) عن أحد أعداد (( الطريق)) التي مررنا على ذكرها  في المقدمة .
((…عند القيام بأي بحث أو دراسة  حول منطقة المالكية لابد من العودة إلى تاريخ إمارة بوطان  – جزيرة ابن عمرو – نسبة إلى الحسين بن عمر بن الخطاب  واسمها القديم بالآرامية (( كازار تاي كوردو )).
 (( .. كانت إمارة بوطان أسوأ حظاً من الولايات الكردية.  إذ تجزأت إلى ثلاثة أقسام ، القسم الأكبر منها في سوريا، وجزء صغير في العراق، والباقي ظل في تركيا،  مع بقاء الجزيرة نفسها داخل تركيا ..)).
وهذا ما جعلنا نزاوج قليلاً بين الحديث عن جزيرة بوطان وعن ديرك . ونأمل  أن نكون قد قدمنا عرضاً مفيداً ولعلنا سنتبعه بعرض آخر  فيه تفصيلات أكثر، ونتناول الحكايات والقصص والأحداث  الطريفة والغريبة ومنها:الصراع بين الصوفية والسلفية أو ا لوهابية كما كانت تسمى. وحكاية شاكر وعفرا..وحكايا أخرى..مختلفة.
(كركي روال  و  كجكا به كزي) 
 Kurkê rewal-أو ” Kurkê rewan
ولكل تسمية دلالة
ف”روال” مختصر “رهوال” أي السريع في اللغة الكردية.واما روان فيعني الأمرد وقد سبق ان شرحت ذلك في حلقة سابقة.
======================================================   هوامش
16- كتاب الحسكة ….احمد مارديني ص69
وما يؤسف أن قوسين قد أنهارا ، ولم يتبقى  سوى القوس الأوسط وهو معرض للانهيار  – لعدم العناية به من قبل المعنيين  وهناك رواية تربط بين هذا الجسر وجسر دلال  في زاخو، بل يروي البعض بأن بانيهما واحد ، وتروى حكايات وأساطير حول ذلك.
17- كتاب المالكية – ديرك- جمال الولي ص 24
18 كتاب  العقد الجوهري  في شرح ديوان  الشيخ الجزري (احمد بن الملا محمد الزفنكي  – الجزء الثاني – طبعة ثانية – مطبعة الصباح 1407 هـ – 1987 م .
وهناك رواية سمعتها من المرحوم – ملا إسماعيل جزيري  – وكان تلميذاً للملا عبد السلام-و كان إماماً في قرية شيرو  – ثم انتقل  إلى كركي لكي – معبدة – كان يقول أن الجهد الأكبر في شرح الديوان هو للمرحوم الملا عبد السلام وكان مرشحاً لأن يكون هو المفتي للقامشلي لولا أن المرحوم  ملا أحمد الزفنكي   استعان بنفوذ الشيخ الخزنوي ليفوز هو بمقام الإفتاء بالقامشلي.رحم الله الجميع.

[i] -لا ادري معنى تسمية عين ديوار لأن الكلمة مركبة –كما يبدو من (عين) نبع و(ديوار) حائط، فكيف ركبت التسمية من كلمة من اللغة العربية-عين- وأخرى من اللغة الكردية- ديوار-.
 لذا قد تكون التسمية الأصلية “كاني ديوار” أو شيئا شبيها، ثم حصل التغير إلى عين ديوار ..(وهذا التفسير هو مجرد اجتهاد  يعتمد على تحليل التسمية فحسب.ولا يستند إلى وثائق أو استماع من أحد. أحيانا يلفظ الكرد الاسم (عِنديوَر) Indiwer-  وربما يكون لذلك دلالة لا نعرفها . وهي مقسمة إلى قريتين أحداهما قبل الحديقة في الوادي الذي مر ذكره على انه زرع باقتراح من الدكتور أحمد نافذ. وفيه  نبع كان مصدر مياه الشرب للقرية.وقد شاهدت بنفسي كيف أن النساء يجلبن الماء من هذا النبع على ظهور الحمير،وتسمى “القرية”  .كان ذلك في العام 1961 عندما ذهبت لزيارة والدي-رحمه الله- والذي كان يصطاف هناك بناء على حاجته الصحية فقد كان مصدورا ونصحه الأطباء في دمشق وبيروت أن يسكن الأماكن التي تتوفر فيها الهواء النقي. وكان هذا المكان هو خير ما يوفر ذلك فضلا عن ما فيه من إطلالة تشرح النفس.ووالدي المرحوم كان من هواة الجمال والخضرة.فقد زرع الأشجار في قرية رميلان الشيخ منذ العام 1944 ولا تزال آثار حديقته قائمة فيها.ومن الجدير بالذكر هنا أن غرفة  صغيرة من أغصان الأشجار  وأعمدة خشبية عمرت له،بمساهمة الكثيرين من سكان القرية ومنهم المرحومون محمد طيب وأولاده والحاج رمضان خالد وغيرهم ..جزاهم الله جميعا الخير كله. وذلك في المكان المطل على الوادي شرقي دار المرحوم أحمد الحاج حسين.
و أما القرية الثانية-وتسمى محليا- بـ”محل”. فكانت  بعدهما وفيها مخفر للشرطة ومقصف للسياح.وهي مطلة على دجلة ..وجزيرة بوتان.وطبعا الأولى أيضا تطل على دجلة  وبعض القرى التي ضمن الحدود التركية ..وفيها مدرسة ومركز البلدية المستحدثة منذ سنوات قليلة.وفيها دار أحمد الشيخ –الشاعر المتميز باللغة العربية والكرية معا.ومن بعض أبياته في وصف القرية:

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…