كيف نستطيعُ أن نكون كتاباً حقيقيين؟؟

نارين عمر

لاشكّ في أنّ الكتابة وليدة حسٍّ وشعور وتكون بمثابة المتنفس للكثير عن الحالة النفسية والفكرية والوجدانية التي يعيشها ويتعايشُ معها , يحاولُ أن يخرجَ من خلالها تراكمات الكبت لديه وبأشكاله وأنواعه المختلفة والمتباينة.
وطبقاً لهذا فإنّ مَنْ يكتب يأمل من خلال الكتابة أن يخفّفَ عن نفسه عبء تلك التراكمات ولو بشكل بسيط وطفيف ولا يحق لأيٍّ منا أن يعاتبه على الكتابة, أو يعارضَ ويعترض سبيل كتابته ما دفعني للخوض في هذا الموضوع هو الحالة التي توصّل إليها بعضٌ من كتابنا وأدبائنا ممَنْ تمكن من تخطي الدّرجات الأولى من سلم الشّهرةِ والانتشار فيتراءى له أنّه توصّل إلى قمّة القمم بعدما يبني له خياله أبراجاً تضاهي السّماء في علوّها وشموخها

إلى الآخر لا يرى إلا أشباح أقزام تمرّ ونراه بمناسبة وبغير مناسبة يبدي تذمّره وتأففه من تزايد عدد الكتاب من دون رقيبٍ أو حسيب يوجههم ويشرف عليهم, وخاصة من ينشرُ على المواقع الانترنيتية بل ويذهبُ إلى أعمق من هذا فيتهم المشرفين على هذه المواقع والقائمين عليها وعلى صفحات المجلات والجرائد بالجهل الفكري والتخلف وضيق الأفق والنظر.
ليكتب كلّ مَنْ يريد الكتابة, وليستعرض عضلات قلمه وحسّه كما يحلو له والقرّء وحدهم مَنْ يحكمون عليه بالجودةِ أو نقيضها, بالنجاح أو الفشل, بالمثابرة والاستمرارية أو الانقطاع الأبدي وليلعب هذا الكاتب أو الأديب أو المثقف النادر الوجود دوراً إيجابياً في مسار كتابته فيشجّعه على  الكتابة, وليصوّب غلطه, ويقوّم اعوجاج قلمه وضبابية مداده فإن كان فالحاً سيتجاوب معه ويحقق تقدّماً ملموساً وبسرعةٍ قياسية, أمّا إن كان متطفّلاً على الكتابة والأدب فانّه سيكتشف
ضعف قدرته على الاستمرارية من خلال تعامل الآخرين معه.
قبل أشهر زارني شابّ جامعي كان أحد طلابي في المرحلةِ الثانوية وهو يسلمني دفتراً يضمّ مجموعة شعرية باللغة الكردية لأبدي رأيي فيها وأوّل ما قاله لي:
لقد عملتُ بنصحكِ وتركتُ الكتابة بالعربية لأنّي لم أجد نفسي فيها وتوجّهتُ نحو الكتابة بالكردية وبعد أن قرأتُ المجموعة أبديتُ بعض الملاحظاتِ حولها وكان يزورني بين فترةٍ وفترة ليفاجأني في إحدى المرّات بقصائد جديدة كتبها في غاية الرّوعةِ والإبداع, ولاحظتُ أنّه يبرمجُ كلّ ملاحظاتي وملاحظات الآخرين في ذهنه وقلبه مستفيداً من سرعة البداهة التي يتمتعُ بها وحسن الاستماع والإصغاء.

 

الكاتب الصّادق الإحساس لا بدّ أن يكتب بصدق, وما يخلق في رحم معاناة لا بدّ أن يكون صادقاً وصحيحاً ولا أقصد بالمعاناة الحزن والألم والبكاء فقط, بل قد نعاني من الحبّ والفرح والسّعادة فتدفعنا معاناتنا منها وفيها إلى أن نبحث عمّا يعبّر عنها فنجد القلم خير معبّر.
ما زلتُ أعيشُ اللحظات الأولى التي كتبتُ فيها خاطرة/ همسة ودّ لطفلتي/ تلك اللحظة التي ولدتْ مع ولادةِ ابنتي الأولى ولن أخبركم عن إحساس امرأةٍ تلجُ محراب الأمومةِ المقدّس لأوّل مرّةٍ وهي تضمّ وليدها الأوّل إلى حضنها وهو الذي شاركها في قرارةِ الرّحم حبّها وفرحها وحزنها وتوترها وغذاءها المادي والمعنوي. وإذا كانت الكتابة لحظة إلهام فإنّ تأمّلي كأمّ في ابنتي قد دفعني لكتابة تلك الخاطرة وأعمال أدبية أخرى.
الطريق القويم والمستقيم الذي يفترض أن ينتهجه الكاتب الحق والمقتدر أن يخطو خطواتٍ نحو التواضع والبساطة كلما خطا خطوة نحو المجدِ والشّهرة وأمثال هؤلاء موجودون بيننا وهم مَنْ نعتزّ بهم وننعم بظلال آرائهم القيّمة ونصائحهم السّخية وقلوبهم المحبّة للجميع وهؤلاء وحدهم مَنْ يلجون نفوسنا وقلوبنا ويتربّعون عرش الاحترام والتقدير فيها, وهؤلاء هم مَنْ سيخلدهم تاريخ الكتابةِ الأدبية والفكرية والثقافية بأحرفٍ من نور وضياء.

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماهين شيخاني

 

رجع “أبو شفان” إلى البيت في ساعةٍ متأخرة، يجرّ خطواته كما لو كانت أثقل من جسده المنهك. وجهه مكفهر، ملامحه كانت كمن ذاق مرارة أعوام دفعةً واحدة. ما إن فتح باب الدار، حتى لمح ابنه البكر “مصطفى” جالسًا في العتمة، ينتظره كأنه ينتظر مصيرًا لم يأتِ بعد.

– “أهلاً أبي… تأخرتَ الليلة”.

– “كنتُ في مشوار…

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

مَدرسةُ فرانكفورت ( 1923 _ 1970 ) هِيَ مَدرسة للنظرية الاجتماعية والفلسفةِ النَّقْدية ، مُرتبطة بمعهدِ الأبحاثِ الاجتماعية في جامعة غوتة في مَدينة فرانكفورت الألمانية ، ضَمَّتْ المُفكِّرين والأكاديميين والمُنشقين السِّياسيين غَير المُتَّفقين معَ الأنظمة الاقتصادية الاجتماعية المُعَاصِرَة ( الرأسماليَّة ، الفاشيَّة ، الشُّيوعيَّة ) في ثلاثينيات القرن…

عبدالاله اليوسف

 

لكن الهواءَ يحفظُ صوتكَ في الشقوق

بين تنهيدةٍ

ونَفَسٍ لم يُكمِلِ الطريق

 

قلبُكَ

ساعةٌ لا تُعيرُ الوقتَ اهتمامًا

تمرُّ عليها الأزمنةُ

ولا تشيخ

 

تخجلُ

من مرايا الوجوه

فتعيدُ تشكيلنا

كما تشاء

كأنك تصنعُنا من بُعدٍ

بحركةِ عينيك فقط

 

نلتفت

حولنا

أضيافك

نرتدي ظلالًا

ولا ندري

غريب ملا زلال

ليست سوى الحرب
تأكل أضواءنا
و رجالها
في دهاليز المملكة
يكيلون دماءنا
مُذ عرفت
أن الرب
في عليائه يستريح
كمحارب قديم
أتى تواً
من الجبل
و أحلامنا ..
آمالنا
تذهب في الريح
بحثاً عن أشلائنا
هل كانت الأمور
في السموات العشرة
على ما يرام
حين خلت المدينة
من أبنائها
إلا من بقي نائماً
تحت الركام
و زخات المطر
بعد القصف
هل كانت
دموع الرب في عليائه
على عباده
أم كانت
رذاذات صرخة
لطفل يبحث عن أمه
كل المعابد
لا تصلح لإطفاء الحريق
فالرب متعب
والكهان متعبون …