m.qibnjezire@hotmail.com
يبدو لي أن الحياة تتجلى في اتجاهين رئيسيين، عادة:
– الاتجاه الأول هو: الاتجاه نحو البناء والعمارة -كما هو مفترض- وتفرضه طبيعة المنطق- المعقولية – في التطور التصاعدي..للبشرية..
وربما كان مذهب الشك والشكاك واحد من العوامل المساهمة في إنعاش فكرة النقد الذي يفترض أن يهدم ليحل محله البناء –بالنسبة للبعض على الأقل.
لأن طبيعة التطور يفترض- ضمنيا ومنطقيا -الاضطرار إلى الهدم دائما في سياق البناء..
لكن الهدم بدوافع الشر أو تكريس وممارسة القيم السلبية، كالطمع، وشهوة السلطة، والغنى، والجاه، والثروة..الخ أمر مختلف ومذموم..
والمفترض أن الفعل البشري – في تطور فعاليته- يسعى إلى التقليل من مساحة وتأثير هذا التوجه في حياة البشر، جماعات وأفرادا..
ونقول: العقل البشري،لأن القوة الفاعلة –وعيا- في الإنسان هي: العقل
وإذا كان البعض يرى في العفوية، والفطرة، ومعان أخرى مثلهما- وان اختلف التعبير عنها- إذا كان هذا البعض يرى فيها أولوية على العقل، فإن ذلك لا يوافق ما تخبرنا عنه التجربة البشرية..على الرغم من الجمال الذي يكمن في مثل هذا المعنى..
فالسلوك، إذا كان يحمل قيمته، ومساره، صحيحا؛ وفقا لفطرة فطره الله عليها،أو ما يمكن تسميته بالعفوية والطبيعية وغير ذلك..حينئذ، تكون الحياة سلسة تمشي في يسر،كما يصف نزار قباني: الحب :
لماذا لا يحب الناس في لين وفي يسر
كما الأسماك في البحر
كما الأقمار في أفلاكها تجري..؟!
إنها عفوية في سياق طبيعي، تجري الأمور فيها على قاعدة:
“دع المقادير تجري في أعِنّتها = وطب نفسا إذا حكم القضاء “.
بغض النظر عن احتمالات تفسير قد تختلف بحسب الرؤية الفلسفية أو العقيدة الدينية.
بناء عليه فإن التدخل العقلي بأدواته المنطقية التحليلية والتركيبية والمقارنة ..الخ. يصبح ضرورة؛ باعتبار العقل – كما سبق القول- قوة مشتركة بتكافؤ – بحسب ما نلاحظ – بين البشر جميعا، عبّر عن ذلك بعضهم بالقول:
“على صعيد العقل يلتقي البشر”.
ولا ينبغي أن يوحي هذا الفهم لمعنى العقل ؛ بأنه مستقل عن القوى العفوية –الفطرية..- لأن وجود العقل بذاته وجود فطري..- إنما يتمازج العقل -كقوة واعية وقابلة للتغيير والتطور باستمرار- مع كل القوى الكامنة في ثنايا تكوين الشخصية الإنسانية.
إن خلاصة التفاعل بين القوى النفسية جميعا في تكامل ؛هي التي تفرز المساحة التي يحتلها كل من القوة العقلية، أو القوى النفسية الأخرى كالقوة العاطفية الانفعالية ..الخ.
ومن المتعب -والمشكل معا- أن العقل -هو ذاته- الأداة في هذه الفهم والتتبع والتحديد.
لذا كانت دراسة الإنسان من أصعب الدراسات في الكون على الإطلاق –بحسب بعض الفلاسفة-. فهو نفسه الدارس – الباحث- وهو نفسه موضوع الدراسة- البحث – في الوقت ذاته.وهذا يعطي جهده تعقيدا لا يسهل تجاوزه .ولذا فإن الدراسات في العلوم الإنسانية لا تزال متخلفة عن الشوط الذي قطعته العلوم الأخرى التي تبحث في المادة .. كالعلوم الطبيعية عموما.
من هنا نبدأ:
بالعودة إلى خطب وأحاديث ومقالات وكتابات وفلسفات الناس جميعا نلاحظ تأكيدا على فكرة العيش المشترك بين الناس جميعا ..بما فيه جوهر الإسلام كدين:
“لا إكراه في الدين ” الآية
“يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم”.الآية
وهناك العشرات من الآيات والأحاديث تتعلق بمثل هذه المعاني..ولكن (الذهنية-السيكولوجية ” الثقافة “) المتخلفة، و “الظلامية” كما يشير إليها البعض في التعبير؛ تأبى إلا أن تفهم المعاني الواضحة فهما مغلوطا ومغالطا، وتبحث في ثنايا ذلك عن ما يمكن تأويله لما يستجيب لسيكولوجيته الجاهلة..!
وإذا سألنا لماذا الشطط في (ذهنية – سلوكية ” ثقافة “) الإنسان، والمنحى المؤذي ؟
بالضرورة سنعود إلى نمط التربية –الأسرية-المدرسية-الاجتماعية –الكسبية- لديه، وخاصة الإيحاءات، والتأثيرات المباشرة لقوى سياسية عبر أجهزة لا تلتزم بقيم أخلاقية متعارف عليها، وخاصة القوى الاستخباراتية التي تجاوزت القيم المنطقية اجتماعيا؛ تحت عناوين سياسية تحت عناوين جذابة ولكنها لا تعني مضمونها في الواقع.
وهذا – للأسف – فَهم يبدو أصبح مقبولا في منطق السياسة إلى درجة مبالغ فيها، على الرغم من اتجاه الفكر العالمي نحو ما بات يعرف بـ”العولمة” أو “العالمية”..!.
وقد يختلف الفهم بين المصطلحين..بحسب بعض التفسيرات والشروح.
لكن ليس هذا الآن موضوعنا..
الموضوع هو أن البشر جميعا في أدبياتهم الدينية، والاجتماعية عموما؛ ومنها الأخلاقية والسياسية.. يتفقون على جوهر الحياة المشتركة، المفترضة،وان المظاهر السلبية في حياة البشر ما هي إلا تجليات لأحوال استثنائية في سياق الحياة..فلماذا إذا هذه المظاهر الاستثنائية تكاد تصبح مظاهر أساسية في العلاقات البشرية بعضهم ببعض..؟
بالطبع التفسير ميسور من ناحية اعتماد “مبدأ المصالح” والصراع من اجلها ..وهذا يتوافق مع بعض التوجهات التفسيرية لبعض معاني الحياة الفكرية-الفلسفية..لكن النتائج الفظيعة تجعلنا نرى في التوقف عندها مُبَرّرا ومشروعا .
يقول المصريون في أدبيات شعبية: “الحي أبقى من الميت”.
وكثيرا ما تكون الحكم والأمثال الشعبية ممثلة لضمير الإنسان الفطري-إذا صح التقدير- لأن البعض يرى –فلسفيا – أن الضمير مكتسب بالتربية، وليس فطريا، والبعض يجمع بينهما في محاولة توفيقية، والبعض يصر على فطرية الضمير “صوت سماوي خالد” –روس الفرنسي وغيره.
لكن الجميع يتفقون على أن الحضارة غاية أساسية وجوهرية في الحياة البشرية وهي منهج سلوك”حضاري” ونتيجة لهذا السلوك في حيوية موجودة، ومطلوب تفعيلها باستمرار.ومن أهم الجواهر –بل الجوهر الوحيد- في بناء الحضارة المفترضة هي القيمة الإنسانية متجلية في حقوق عديدة منه حق الحياة وحق الكرامة وحفظها وحق الحرية في التفكير والتعبير والعقيدة و التنقل ..و..و..الخ.
ولعل هذا ما قصدت إليه الآية الكريمة: “ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم“.
لماذا إذا ما نشهده في حياة الناس من سلوكيات تتجاهل المعنى الإنساني في التصرف ؟
وما كنيسة السيدة نجاة إلا غيض من فيض من مثل هذه السلوكية المشينة..!!
بالتأكيد عمل مُستنكَر كل ما يؤدي إلى اختراق حقوق الناس والاعتداء عليهم بأية وسيلة وأفظعها القتل بهمجية تحيّر الفطرة السليمة والعقل السوي..!!.
………………