حين يصبح الطلاق حلاً!

الدكتور شمدين شمدين

تجمع الأهل والأقارب في ليلة  تمنوها سعيدة ، كل يلبس ثيابه الزاهية الجميلة وعلامات الفرح والسرور بادية على الوجوه المتعبة ، تعالت الزغاريد وهتف الجميع بحماسة لحظة ظهور العروسين ، بدأ الغناء والرقص وأنشد الجميع لحن الحب ، داعين الله العلي القدير أن يتمم فرحتهم بزواج محمد من زينب ، لقد انتظر الجميع هذه اللحظة بفارغ الصبر، حيث كانت زينب الفتاة الجامعية النشيطة ومحمد الشاب الجامعي ذو الثقافة الواسعة ، كانا مثار إعجاب واحترام كل أهالي الحي البغدادي الجميل واليوم عرسهما الموعود ، لحظات الفرح تمر دائما سريعة

هكذا وبكبسة زر تحول العرس البهي إلى مأتم كبير ، انتحاري فجر جسده في عرس زينب ومحمد  اصطبغ الرداء الأبيض وبلحظة بلون الدم ، هذا الدم الذي أصبح فطور وغداء وعشاء العراقيين عموما وبغداد خصوصا ، مات محمد وماتت ز! ينب ومات معهما الأمل ، مات الأمل لان مجموعات كبيرة امتهنت الشر والقتل واللعب بأرواح الأبرياء، مجموعات لا يجمعها أي رابط سوى الحقد على هذا الشعب  المسكين ، وهذا البلد العريق بتاريخه وتراثه ، بلد القوانين والشرائع والأساطير ،بلد دجلة والفرات وحكايات الطوفان والخلق ، بلد سومر وبابل وأكاد وأشور وميديا ، بلد الغناء والمواويل الحزينة، بلد الغربة في الوطن والنفي في الوطن والموت في الوطن.

العراق بات ساحة لقتل أحلام الشباب ، في كل يوم حكاية جديدة للموت والقتل والخطف ، خطف بالجملة وقتل بالجملة وتمثيل بأجساد ميتة لا حول لها ولا قوة  ،والحكومة التي باتت مغلوبة على أمرها أخذت توزع الاتهامات شمالا ويمينا مرة للإرهابيين ومرة للتكفيريين ومرة أخرى للصداميين الذين يتلقون الدعم والسند من بلدان الجوار حسب زعم الحكومة ،أما الطرف الأخر أي المجموعات المسلحة والمعارضة أو التي تصف نفسها بالمقاومة فمن جهتها تتهم الحكومة ومن ورائها دول إقليمية معينة وعن طريق ميليشيات مسلحة بانتهاج سياسة تطهير مذهبي وطائفي ،وسياسة تمييز حكومي على أسس طائفية وعرقية ، أما أمريكا الحاضرة بقوة على الأرض، فباتت تواجه هذه المعضلة وباتت تغرق رويدا رويدا في المستنقع الذي نصبه لها أعداؤها ،وباتت أكثر اقتناعا بضرورة تفضيل المصالح على المبادئ وتفضيل الاستقرار بأية وسيلة كانت على ! حساب الديمقراطية والحرية ،ومن هنا يبدو أنها ستفتح أبواب الحوار مع دول تعتبرها واشنطن سبب المشكلة في العراق لكنها في الوقت نفسه ربما تكون سببا للحل  ، العراق الذي يشبه وضعه اليوم وضع لبنان أثناء الحرب الأهلية مع فوارق بسيطة بين الحالتين ، ربما ينتظر حلا شبيها بحل لبنان أي إعطاء دور اكبر للدول المجاورة للعمل على خفض درجة العنف والإرهاب هناك، لكن يبدو أن هذا الحل أيضاً صعب في ظل وجود قضايا أخرى كثيرة بين أمريكا والغرب من جهة ودول الجوار العراقي من جهة أخرى ، وفي الحياة الزوجية وعندما تشتد الخلافات بين الزوجين وحين تنسد كل السبل أمامهما ،ولا يبقى أي مجال للحوار والتنازلات يلجا الطرفان إلى الانفصال ليعيش كل منهما حياته كما يرغب ويشاء، ولتنتهي دوامة الخلافات والمشاكل التي تستهلك من نفسية الطرفين وتؤثر على نفسية وتفكير الأطفال ، في الشرق تبقى العداوة قائمة بين الطليقين حتى بعد الفراق وكان احدهما قتل والد الآخر،أما في الغرب فقد تستمر الصداقة والود حتى بعد التفريق والانفصال وربما يعودان من جديد بعد أن تهدئ النفوس وتنتهي الشكوك والظنون ، هل! وصل العراق كدولة والعراقيون كشعب في ظل التنامي الفظيع للعنف على أساس طائفي ومذهبي إلى وضع شبيه بوضع هؤلاء الأزواج؟ ربما ، إذا هل يقتنع الديمقراطيون المنتشون بفرحة النصر في الانتخابات بضرورة تغيير إستراتيجية التعامل مع العراق؟ وهل يسحبون قواتهم سريعا للحفاظ على سلامة جنودهم ويتركون العراق فريسة لكل من هب ودب؟ أم يلجؤون إلى حل الطلاق والتفريق قبل أن ينقرض العراقيون ويبقى العراق الواحد الموحد، وهل ينجح هذا الحل أم يجلب معه المزيد من العنف الإقليمي ؟  لا أحد يعرف الإجابات لكن أيا كانت هذه الإجابات يبدو إن العراق يتجه رويدا رويدا نحو هذا الحل، وما نتمناه أن يكون هذا الحل على الطريقة الغربية أي بقاء الود حتى بعد التفريق ،وربما حين تهدئ النفوس، وينتهي التدخل الخارجي في شؤون الأطراف المختلفة، يعود الجميع متوحدين إلى حضن الشرق العظيم ،لتنهض من جديد حضارة الرافدين العظيمة.

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبد الستار نورعلي

أصدر الأديب والباحث د. مؤيد عبد الستار المقيم في السويد قصة (تسفير) تحت مسمى ((قصة))، وقد نشرت أول مرة ضمن مجموعة قصصية تحمل هذا العنوان عن دار فيشون ميديا/السويد/ضمن منشورات المركز الثقافي العراقي في السويد التابع لوزارة الثقافة العراقية عام 2014 بـحوالي 50 صفحة، وأعاد طبعها منفردة في كتاب خاص من منشورات دار…

فدوى كيلاني

ليس صحيحًا أن مدينتنا هي الأجمل على وجه الأرض، ولا أن شوارعها هي الأوسع وأهلها هم الألطف والأنبل. الحقيقة أن كل منا يشعر بوطنه وكأنه الأعظم والأجمل لأنه يحمل بداخله ذكريات لا يمكن محوها. كل واحد منا يرى وطنه من خلال عدسة مشاعره، كما يرى ابن السهول الخضراء قريته كأنها قطعة من الجنة، وكما…

إبراهيم سمو

فتحت عيوني على وجه شفوق، على عواطف دافئة مدرارة، ومدارك مستوعبة رحيبة مدارية.

كل شيء في هذي ال “جميلة”؛ طيبةُ قلبها، بهاء حديثها، حبها لمن حولها، ترفعها عن الدخول في مهاترات باهتة، وسائر قيامها وقعودها في العمل والقول والسلوك، كان جميلا لا يقود سوى الى مآثر إنسانية حميدة.

جميلتنا جميلة؛ اعني جموكي، غابت قبيل أسابيع بهدوء،…

عن دار النخبة العربية للطباعة والتوزيع والنشر في القاهرة بمصر صدرت حديثا “وردة لخصلة الحُب” المجموعة الشعرية الحادية عشرة للشاعر السوري كمال جمال بك، متوجة بلوحة غلاف من الفنان خليل عبد القادر المقيم في ألمانيا.

وعلى 111 توزعت 46 قصيدة متنوعة التشكيلات الفنية والجمالية، ومتعددة المعاني والدلالات، بخيط الحب الذي انسحب من عنوان المجموعة مرورا بعتبة…