دمشق المجنونة.. إلى الشهيد أنس سيد عبدالله.. وإلى زافين.. ابني الـ مازال مرعوباً

عمر كوجري

نشرت بوست “دمشق المجنونة” الخميس الماضي مساء على صفحتي في الفايس بوك، بعدها بدقائق، أثبت دمشق حقاً أنها مجنونة، ففي السابعة مساء.
 كنت مع أفراد أسرتي، في غرفة البرندة والمطلة على الشارع، وإذا بصوت هائل، ونار كأنها التهبت، والتهمت  الغرفة.

نارٌ لم أرَ مثيلاً لها، برتقالية مرعبة، فتهشّم زجاج البرندة بالكامل  انخلعت باقي الشبابيك من شدة الصوت، وتعالت أصوات المارة وأصحاب المحلات، وانتشر الدخان والغبار من كل مكان.
خلال ثوان، رأيت الموت حقيقة، قلت هذه النهاية، على الفور تفقدت الأولاد وأمهم، كان الجميع بخير وسط انقطاع الكهرباء فوراً، فجاؤوني جميعاً يبكون، أرادوا أن يشقوا صدري، يدخلوا في قلبي من شدة الخوف والهلع، لم أفقد أعصابي، حاولت أن أهدّئ من روعهم، لكنّ المنظرَ كان أكثرَ من مرعب.
ولدي زافين” عمره تسع سنوات” كان أشد الخائفين من بقية الأولاد، وبدأ يهذي، ويرتجف، ويقول: بابا خلاص راح نموت، بابا خلينا نهرب، راح يجونا، ويبكي بشدة، بابااااا بابااااا، ويلتصق بي بشدة..
نظرت من النافذة كان الهرج والمرج في أقصاه، والدخان يتصاعد.. يتصاعد، الأولاد التصقوا بي، وأجبروني على عدم النزول للشارع، خوفاً على حياتي من تفجير جديد، كان هناك من يقول: اهربوا اهربوا.. في سيارة تانية راح تنفجر..
نزلت الشارع بعد ساعتين من الانفجار، كان الدمار فظيعاً، تحولت السيارة المتفجرة إلى قطع وشظايا، الجرحى كثر، والشهداء لم نعرف، كم عددهم؟؟ ما عرفته أن منزل جارنا السيد عبدالله” الصائغ” في الشارع المقابل، قد دُمّر بالكامل مع محل الذهب، أبو ماجد القادم من سنوات عديدة من مدينته” ديرك” اختار الإقامة هنا في الشام.
الأكثر ألماً وتفجّعاً كان وفاة ولده، أنس، الشاب الجميل والفائض حيوية وروحاً طيبة.
 أبكتنا أم أنس ببكائها الجارح، “wey kezeb enese mino kezeb- ez qurbana bejn u bala enes im- enes iro zavaye
 ” يا كبدي، يا ولدي أنس، روحي فداك، أنس اليوم عريس.
عادت العائلة الحزينة من المشفى، وتركت أنس الجميل بارداً ووحيداً في برّاد، كان يقول الرجل الطيب سيد عبدالله، الله أهداني إياه، والله أخذ هديته، آخ, لو زوّجته، وخلّف صبياً أو بنتاً، كنت سأشعر بدفء روحه معنا.
لليوم الثاني- ومازال- ولدي زافين حزيناً سارحاً هائماً، ينام دقائق، ويستيقظ على بكاء، واضطراب شديد، شهيته على الطعام معدومة، وجهُه أصفر، دامع العين، يقول: بابا أنا كتير بحبك، وبحب أمّي، ماراح أزعّل أمي أبداً، والله وحده من حمانا، معقول نحن ما متنا؟ معقول نحن عايشين؟
  السوءة والمصير الأسود، لمن دبّر هذا التفجير الجبان.
الرحمة على روحك يا أنس، وبقية الشهداء. للجرحى بلسم الشفاء
 الهدوء والطمأنينة لك يا زافين.. ولكلّ أطفال بلادي.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبد الستار نورعلي

أصدر الأديب والباحث د. مؤيد عبد الستار المقيم في السويد قصة (تسفير) تحت مسمى ((قصة))، وقد نشرت أول مرة ضمن مجموعة قصصية تحمل هذا العنوان عن دار فيشون ميديا/السويد/ضمن منشورات المركز الثقافي العراقي في السويد التابع لوزارة الثقافة العراقية عام 2014 بـحوالي 50 صفحة، وأعاد طبعها منفردة في كتاب خاص من منشورات دار…

فدوى كيلاني

ليس صحيحًا أن مدينتنا هي الأجمل على وجه الأرض، ولا أن شوارعها هي الأوسع وأهلها هم الألطف والأنبل. الحقيقة أن كل منا يشعر بوطنه وكأنه الأعظم والأجمل لأنه يحمل بداخله ذكريات لا يمكن محوها. كل واحد منا يرى وطنه من خلال عدسة مشاعره، كما يرى ابن السهول الخضراء قريته كأنها قطعة من الجنة، وكما…

إبراهيم سمو

فتحت عيوني على وجه شفوق، على عواطف دافئة مدرارة، ومدارك مستوعبة رحيبة مدارية.

كل شيء في هذي ال “جميلة”؛ طيبةُ قلبها، بهاء حديثها، حبها لمن حولها، ترفعها عن الدخول في مهاترات باهتة، وسائر قيامها وقعودها في العمل والقول والسلوك، كان جميلا لا يقود سوى الى مآثر إنسانية حميدة.

جميلتنا جميلة؛ اعني جموكي، غابت قبيل أسابيع بهدوء،…

عن دار النخبة العربية للطباعة والتوزيع والنشر في القاهرة بمصر صدرت حديثا “وردة لخصلة الحُب” المجموعة الشعرية الحادية عشرة للشاعر السوري كمال جمال بك، متوجة بلوحة غلاف من الفنان خليل عبد القادر المقيم في ألمانيا.

وعلى 111 توزعت 46 قصيدة متنوعة التشكيلات الفنية والجمالية، ومتعددة المعاني والدلالات، بخيط الحب الذي انسحب من عنوان المجموعة مرورا بعتبة…