شريحة ساخنة من لحم الطفل الإيزيدي

 ابراهيم محمود   

 
الطفل الإيزيدي يخرج من
بيته في نهار داكن 
 
تعتمر قلبه مشاهد هي
كوابيس لا يُشَك في أمرها
تقوده قدماه المرعوبتان حتى أعالي الردفين
 
لحمه الطري المرعوب هو
الآخر يحسّسه بانفلات زمن
 
عيناه.. عيناه
البركانيتان 
 
تقودان أحدث صورة ملتقطة
لغاز أرعن اللحية والسماء 
 
وهو يقطّع في أوصال أمه 
 
الطفل الإيزيدي ينقل صورة النهار الداكن بكلّيته المرعوبة 
 
إذ يتربع الغازي الأرعنُ
السماء في وسطها بحدودها إلى عالم 
 
يستلم منه الأمانة الجارحة
النازفة تلك

*****

 

الطفل الإيزيدي حل في
الشارع الذي أمر فيه كل يوم 

 
الطفل الإيزيدي صار
شارعاً لهواجس ومخاوف تذرع لحم جسده الينبوعي ذهاباً وإياباً 
 
الطفل الإيزيدي مجنون
” خالص ” وهو ينهش لحمه على مرأى من الجميع 
 
ثمة صورة الأم التي تُبث
عبر مساماته وتنفجر بصرخاتها في كل اتجاه 
 
الطفل الإيزيدي شارع نظرات المارة اللامتناهي

أي ليل غيّب فيه طفولته
وأودعها نظرات المتطفلين وهواة اللقطات الدامية ؟

 ******
 

الطفل الإيزيدي في
الشارع الذي أسلكه يومياً 

 
” أنا ناقصك أيها الطفل الإيزيدي وطفولتي لا تنفك تتربص بي، وتبهرني بوقاحة
هوائها ؟ ” 
 
الطفل الإيزيدي في الشارع الذي يسلكني بكدماته يومياً 
 
الطفل الإيزيدي في الشارع الذي أودعني ازدحاماً لصور تصعّب قطعه 
 
الطفل الإيزيدي في الشارع الذي يخرج من صمته وهو ينجرف في مرمى نظراته الهادرة 
 

الطفل الإيزيدي في الشارع الذي يكاد يختفي عن الأنظار على وقع نظراته التي تستفز المارة
وما يتبضعونه

 ********
 الطفل الإيزيدي منقاداً بطفولته في الشارع المرصوص بأنظار موقوتة

الطفل الإيزيدي يتنفس طفولته وتلفظه هذه خارجها مضاعفاً في ازدحام المشاهد
المتوترة
 
الطفل الإيزيدي مأخوذاً بحمّى طفولته أبعد من حدود الشارع ودهوك وكردستان
ذاتها
 
الطفل الإيزيدي يفيض برؤاه الحية النفاثة على مرأى من الله ورقيبه وعتيده
 الطفل الإيزيدي يقلق خطى المارة ومحركات السيارات الحديثة جداً
 الطفل الإيزيدي يمشكل المرور وإشارات الترافيك ويخرج الصمت عن طوره

الطفل الإيزيدي يصرخ في وجه ابراهيم محمود: وأنت أيها المفلس كالعطش العالق
ماالذي أودعك الشارع هذا ؟
 ****** 
 الطفل الإيزيدي في الشارع المملوك باسمه حافي القدمين غير عابئ بسعير
الإسفلت الصيفي

الطفل الإيزيدي يشدني إليه وهو غير مبال باسترسال قدميه الحافيتين في
ملاصقة الإسفلت
 
الطفل الإيزيدي يجبرني على توقيفه وتحري أمر قدميه الحافيتين
 الطفل الإيزيدي يشير إلى جهة بعيدة، ويقول ” شنكال..شنكال ”
 الطفل الإيزيدي يسمّي حذاءه الذي تركه وراءه مضطراً راثياً إياه بطريقته
تلك
 الطفل الإيزيدي يرفض أعطية حذائية من أي كان
 الطفل الإيزيدي يلوح مشهراً حذاءه الشنكالي في وجه عالم فقد نبضه
 ****** 
 الطفل الإيزيدي يتهدد مَن حوله بملامح وجه غير معهود
 الطفل الإيزيدي يوتّر الهواء والضوء بوجهه الشنكالي الصارم الظلال
 الطفل الإيزيدي يضع كل شيء في مرمى وجهه المستمر في التصلب

الطفل الإيزيدي يعرض وجهه للسابلة والطيور المهاجرة عالياً ويوقف الزمن
عنده
 
الطفل الإيزيدي يتقدم بوجهه مخرِجاً المحلات وزبائنها من هدأة روتينية إلى
قيامة تثقِل عليه
 ×××××××× 
 الطفل الإيزيدي يفتقر إلى يدين حقيقيتين ترشّحان توتره جانباً
 الطفل الإيزيدي ملاصقة يداه بجانبيه بالكاد تتحركان
 الطفل الإيزيدي معلول اليدين حصراً موقوف بهما لافتاً أنظار السابلة أكثر
 الطفل الإيزيدي تاركاً أمر يديه وهو يشغل الشارع بنظراته العاصفة
 الطفل الإيزيدي لكم يعترض سبيلي بهيئته ويخلط التواريخ داخلي
 ********** 
 
الطفل الإيزيدي يعرض جسمه للبيع، لا مناص من ذلك 
 
الطفل الإيزيدي بلحمه الإيزيدي المر يستثير سخط الروائح في الشارع 
 
من له بشريحة ساخنة من لحم الطفل الإيزيدي ليختبر مرارة الألم الذوقية ؟ 
 
الطفل الإيزيدي يبلغ من العمر ألف عام وهو دون العاشرة تقديرياً 
 
الطفل الإيزيدي لا يكف بنظراته عن قول” طز ” لكل صاحب شياكة 
 

الطفل الإيزيدي يوقف ساعة المدينة ويخرج عن سياقه العضوي 

 
الطفل الإيزيدي يقذف بالشارع شوارع المدينة منفجراً بالصورة الملتقطة لأمه المذبوحة

لأهله المذبوحين، لبيته المذبوح، لشنكاله المذبوح، لسمائه المذبوحه، لاسمه
المذبوح، لعقيدته المذبوحة، لتاريخه المذبوح، لحيواناته المذبوحة سلفاً، لطرقه المذبوحة،
لحلمه المذبوح، لعمره المذبوح ممن يشتهون ذبحه في القرب والبعد 

 
الطفل الإيزيدي سدّد إلي ركلة نافذة بعينيه الضاريتين وجعاً : ردّها إن استطعت يا حارس
مرمى الكلمات 
 

الطفل الإيزيدي، طفلكم، كفلنا، طفل العالم الذي يملأ العالم ببراءته المذبوحة بشهوة من
افتقد الطفولة كلياً 

 
من يعيد الشارع إلى نصابه
؟ 
 
من يعيد الطفل إلى
شنكاله، وشنكال الطفل الإيزيدي إليه ؟ 
 
من يعيد أم الطفل
الإيزيدي إلى الطفل الإيزيدي ؟ 
 
من يهدّى من روع النهار
كرمى الطفل الإيزيدي الذي يشغل العالم أجمع ؟

من يستطيع تحرير ناظري من صورة الطفل الإيزيدي وقد تشرَّبها جهازي العصبي
بالكامل..

من …من ..؟

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

حاوره: إدريس سالم

تنهض جميع نصوصي الروائية دون استثناء على أرضية واقعية، أعيشها حقيقة كسيرة حياة، إلا إن أسلوب الواقعية السحرية والكوابيس والهلوسات وأحلام اليقظة، هو ما ينقلها من واقعيتها ووثائقيتها المباشرة، إلى نصوص عبثية هلامية، تبدو كأنها منفصلة عن أصولها. لم أكتب في أيّ مرّة أبداً نصّاً متخيّلاً؛ فما يمدّني به الواقع هو أكبر من…

ابراهيم البليهي

منذ أكثر من قرنين؛ جرى ويجري تجهيلٌ للأجيال في العالم الإسلامي؛ فيتكرر القول بأننا نحن العرب والمسلمين؛ قد تخلَّفنا وتراجعنا عن عَظَمَةِ أسلافنا وهذا القول خادع، ومضلل، وغير حقيقي، ولا موضوعي، ويتنافى مع حقائق التاريخ، ويتجاهل التغيرات النوعية التي طرأت على الحضارة الإنسانية فقد تغيرت مكَوِّنات، ومقومات، وعناصر الحضارة؛ فالحضارة في العصر الحديث؛ قد غيَّرت…

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

الخَيَالُ التاريخيُّ هُوَ نَوْعٌ أدبيٌّ تَجْري أحداثُه في بيئةٍ مَا تَقَعُ في المَاضِي ضِمْن ظُروفِها الاجتماعية ، وخَصائصِها الحقيقية ، مَعَ الحِرْصِ عَلى بِناء عَالَمٍ تاريخيٍّ يُمْكِن تَصديقُه ، والاهتمامِ بالسِّيَاقاتِ الثقافية ، وكَيفيةِ تَفَاعُلِ الشَّخصياتِ مَعَ عَناصرِ الزَّمَانِ والمكان ، ومُرَاعَاةِ العاداتِ والتقاليدِ والبُنى الاجتماعية والمَلابس وطبيعة…

فواز عبدي

يقال إن الأمثال خلاصة الحكمة الشعبية، لكن هناك أمثال في تراثنا وتراث المنطقة باتت اليوم تحتاج إلى إعادة تدوير عاجلة… أو رميها في أقرب سلة مهملات، مع بقايا تصريحات بعض المسؤولين. مثال على ذلك: المثل “الذهبي” الذي يخرجه البعض من جيبهم بمجرد أن يسمعوا نقداً أو ملاحظة: “القافلة تسير والكلاب تنبح” كأداة جاهزة لإسكات…