اليوسف
أشرطة الكاسيت تحولات كبيرة، ليس في عالم الفن، وحده، فحسب، وإنما في
مجالات أخرى عديدة، باعتبارها احتضنت الأغنية والموسيقا، مدة عقود من الزمن،
لاسيما في الثلث الأخير من القرن الماضي، إلى ذلك الوقت الذي ارتفع فيه الخط
البياني لاستخدام الحاسوب، وبات يدخل بيوتاتنا جميعاً، ومعه أنواؤه الأنترنيتية
الكونية التي تعيش ذبذباتها معنا، أينما كنا، ولما تزل تلك الأشرطة تؤدي
جزءاً من مهمتها ، وإن في حدود جزئية، بعد أن استطاعت وسائل التوثيق
الإلكتروني أن تتطور، في عالم الخطاب الثقافي الفني كاملاً.
كان الكاسيت-بحق-
حاملاً ثقافياً فنياً، ووسيلة لنشر الثقافة والفن، حيث خلاله تم تداول قصائد كثيرين
من الشعراء البارزين، عبر هذا القرص المدمج، كما أن بعض أصحاب الخطاب السياسي أنفسهم
لجؤوا إليه، من أجل إيصال أصواتهم إلى جمهورهم، لاسيما في ظل ظروف المنع، والسدود،
والحدود التي كانت توضع في وجه ما هو غير مستحب، أو مقبول من الأفكار المناسبة، ناهيك
عن أن رجل الدين ذاته استخدم هذه الوسيلة في نشر رؤاه.
من هذه الأشرطة، وهكذا لربة الأسرة، وأبنائها وبناتها، حيث أنها تحدد المزاج الثقافي والفني لكل منهم على
حد سواء، كما كانت هناك مكاتب لهذه الأشرطة
لدى شرائح المجتمع كله، بدءاً من سائق التاكسي، ومروراً ببائع السوبرماركت،
وليس انتهاء بالمربي، أو الأكاديمي، في المدرسة أو الجامعة.
مرة مع “الفونوغراف” الذي عدّ أعجوبة عصره، وكانت له طريقة تسجيله المسبقة، قبل أن ينتشر بديله “المسجل”
على نطاق أوسع، وهو يحمل مزايا أكثر، إذ أنه قادر على تسجيل الأصوات تلقائياً، بوساطة
شريط مختلف، وإن كنا هنا أمام مرحلة إمكان
توثيق الأثر ومحوه، في آن، وكان له زخمه، ودوره في تطوير الفن والثقافة والأدب والخطاب.
حيث أن الشريط-هنا- انعكاس لحالة وعي محددة، بل إنه استطاع أن يؤثر على
المزاج الشعبي العام، من خلال التجسير مع روافد محددة، عبر الخطاب والموسيقا والإبداع، كما أن هذا التأثير قاد
إلى تغييرات جذرية في أكثر من مكان جغرافي.
تطور كبرى في تاريخ الثقافة والفن، بل وإذا كان الفيلم السينمائي، قد استعان بالصوت، أم اقتصر على الصورة، فإن شريطاً
من نوع آخر، كان يحضنه، جاء عبر تطور ثورة
الصورة، أو ثورة “الكاميرا” وبات للفيلم حضوره العميق في حيوات أوساط
جد واسعة، بل كانت له تأثيراته في عملية البناء وتطور المعرفة والوعي.
وبعيداً عن الاستعانة بسجل الولادة التاريخي، وتفاصيل بيانات كل مرحلة
من هذه المراحل، فإن شريط الفيديو حقق ثورة فعلية، في هذه المجالات كلها، وذلك لأنه جمع بين خاصيتي: الصوت والصورة
معاً، ولا تزال له أهميته، لاسيما أنه احتضن السينما والأغنية ، والمسرح، والخطاب،
وكان أداة توثيق لأفراح المرء، و أتراحه، وحاضنة لعصارة روحه، ولحظاته.
باتت في مستوى إيقاع ما بعد الحداثة، لاسيما عندما نجد هذا الجهاز تجاوز الميزات التي باتت تتمتع به الرقاقة الكمبيوترية،
أو “السيدي” حيث في إمكان كليهما أن يحضنا مكاتب عملاقة من الكتب، تختصر
المنجز المعرفي للإنسان منذ بداية العالم وإلى الآن.