ذاكرة ريشة

أفين إبراهيم

عندما أكتب أحبك. ..
لا أعني تماماً أني أحبك. ..
أعني إن كيس السيروم قد انتهى وصوت المرأة العجوز لا يقوى على نداء الممرضة التي مازالت تقرأ رواية حب منذ عشرين عاماً لتهرب من الحروب وتمسك بقلبك…
أعني أن كلمة أحبك وصلت قبل سيارة الإسعاف ومع ذلك مات ذلك الطفل تحت الأنقاض…
أعني…
أن للأوطان أيضاً معنى . ..
عندما تدير عربة القش وجهها لظهر صبية بالكاد نبت صدرها …
محتارة …
هل تطفئ الحريق أم تطعم ذلك الطفل الذي لا يكف عن الصراخ …
أعني للدهشة أيضا معنى… 
كأن يولد شعب بأكمله من فم النار وتظل الأرض في دوران مستمر تفكر بالرصاصة القادمة على أي جهة ستصوب للرأس …
للأغاني أم للرقص…
أعني للحزن أيضا معنى…
كما لو أني حمامة بيضاء ترتدي المعاني القوية كي لا يقال إن المآذن خائنة والجوع أشدّ من الكفر وتلك الشجرة تنتظر قبراً جديداً يغطي عري جذورها التي خرجت من التراب لتتنفس. 
..أعني أن للحب أيضاً معنى …
معنى مؤلم ..
مؤلم جدا …
كهذا المطر الذي يهطل …
يحمل معه الكثير من الذئاب والخراف التي ستموت اليوم…
اليوم وأنا نائمة في فراشي الدافئ…
على صدري قصيدة لم أكمل كتابتها لك…
أعني …
صوتك المخمل …
فضة أصابعك والبنفسج …
أنفاسك الطويلة والينابيع …
حربك الرائعة…
سباياك الجميلات …
عظام روحي على صدرك…
قرون الليل حين أغمسها في جوفك …
أعني حديث الملائكة والشياطين …
حوض الأسماك التي زرعتها تحت السرير…
أعني
أن طبقاً واحداً من الحب لا يكفي وجهك…
أني أقطع الأشجار على صدري…
أجمع القش من أصابع القمر…
ثم أبحث باكية عن لهاث صوتك الأبيض …
عن بقعة أخرى عمياء أراك فيها …
عن طريق يعود بي وبك إلى البيت
أعني أني ابتسم …
ابتسم الأن وأنا أردد .. ….
طبق واحد من الحب لا يكفي لونك …
أدفن وجهي في ريش الوسادة أني …
هناك حيث ساعة الجدار تعود إلى الوراء…
إلى زمن كان قلبك فيه يرقص كعيدان القصب …
ورئتك الصغيرة تمتلئ بأسماك ملونة …
إلى لحظة كنت فيها الورود تتساقط من جسدي كالمطر …
لمجرد أنك نطقت باسمي ولم يرك أحد.
أعني …
أن الشعر ضيق …
ضيق جداً ككفن …
كما وجهك شاسع …
شاسع كحقل من المطر المتعب وأصابع نوافذي بعيدة. ..
بعيدة كالقصائد حبيبي…
أعني 
أين الله من كل هذا …
ولم الخبز في يد هذا الطفل هكذا حزين …
أعني …
الخطوط الرفيعة حول معصمي …
بركة الدم الكبيرة…
الطيور المهاجرة لشمال قلبك…
النحلة التي تنتظر المساء لتبكي بصدق…
والمناديل التي شتمت الوداعات بصمت…
قلقي المريض …
من أن تعشقك تلك المرأة …
خوفي الجميل …
من أن تكرهك تلك المرأة…
أعني …
هذا القمر البري …
هذا القمر الذي رمى بجناحيه لسياج الأرض …
بانتظار قصيدة منك …
جرح آخر مني …
ليعبر الحب …
ليمر الموت بسلام وطمأنينة …
لتتفتح جثث الأطفال تحت التراب…
فتخرج وردة …
أعني إني أحبك …
أحبك دون حاجتي لكتابتها…
أحبك وماتزال دموع الحرب طويلة …
طويلة.
……………..
أفين إبراهيم
25/5/2015

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالرزاق محمود عبدالرحمن

كان في صدري شرفة تطل على سماوات بعيدة،
أعلق عليها أمنياتي كفوانيس صغيرة،
حتى وإن كانت الحياة ضيقة، كنت أزيّنها بخيوط من الأمل،
أجمع فتات الفرح، وأصنع منه أحلامًا تكفيني لأبتسم.
كنت أعيش على فكرة التغيير، أتنفسها كل صباح،
وأخطط، وأتخيل، وأصدق أن الغد قد يجيء أجمل.

أما الآن…
فالنوافذ مغلقة، والستائر مثقلة بغبار الخيبات،
وألواني باهتة، وفرشاتي صارت ثقيلة بين…

عِصْمَتْ شَاهِينْ اَلدُّوسَكِي

وَدَعَتُ فِي نَفْسِي ضِيقَ الْحَيَاة

وَأَلَمَّ الْأحْزْانِ والْجِرَاحَات

أَذْرُفُ الدُّمُوعَ بِصَمْتٍ

كَأَنِّي أَعْرِفُ وَجَعَ الْعَبَرَات

أُصِيغُ مِنْ الْغُرْبَةِ وَحْدَتِي

بَيْنَ الْجُدْرَانِ أَرْسُمُ الْغُرْبَات

 

**********

يَا حِرمَاني الْمُكَوَّرِ فِي ظَلَامي

يَا حُلُمي التَّائِهِ فِي الْحَيَاة

كَمْ أشْتَاقُ إلَيْكَ وَالشَّوْقُ يُعَذِّبُنِي

آَهٍ مِنْ شَوْقٍ فِيه عَذَابَات

لَا تَلَّومْ عَاشِقَاً أَمْضَى بَيْن سَرَابٍ

وَتَرَكَ وَرَاءَهُ أَجْمَلَ الذِّكْرَيَات

**********

أَنَا الْمَلِكُ بِلَا تَاجٍ

أَنَا الرَّاهِبُ بِلَا بَلَاطٍ

أَنَا الْأَرْضُ بِلَا سَمَوَات

وَجَعِي مَدُّ الْبَحْرِ…

ميران أحمد

أصدرت دار ماشكي للطباعة والنشر والتوزيع مؤخراً المجموعة الشعرية الأولى، للشاعر الإيزيدي سرمد سليم، التي حملت عنوان: «ملاحظات من الصفحة 28»، وجاءت في 88 صفحة من القطع المتوسط.

تأتي هذه المجموعة بوصفها التجربة الأولى للشاعر، لتفتح باباً على صوت جديد من شنكال، يكتب من هوامش الألم والذاكرة الممزقة، بلغة جريئة تشبه اعترافاً مفتوحاً على الحياة…

حاوره: إدريس سالم

تنهض جميع نصوصي الروائية دون استثناء على أرضية واقعية، أعيشها حقيقة كسيرة حياة، إلا إن أسلوب الواقعية السحرية والكوابيس والهلوسات وأحلام اليقظة، هو ما ينقلها من واقعيتها ووثائقيتها المباشرة، إلى نصوص عبثية هلامية، تبدو كأنها منفصلة عن أصولها. لم أكتب في أيّ مرّة أبداً نصّاً متخيّلاً؛ فما يمدّني به الواقع هو أكبر من…