التَّاجُ الذَّهَبي.. مسرحية للأطفال

أحمد اسماعيل اسماعيل


إهداء

إلى جين، ابنتي في
ربيعها الأول، بانتظار ربيع قادم أجمل لها ولكل ابناء جيلها. 

المشهد
الأول
                     ( قصر فخم، مزين بمنحوتات وأشكال
ورسومات.. الملك كورش يتربع على عرش فخم في منطقة قريبة منه يجلس قائد الجند
ومستشار له.. رئيس الحجاب أمام الباب العالي. ينادي بصوت ومهيب)
رئيس الحجاب  : الوفد
الأشوري.
                     ( يهز الملك كورش رأسه
فيدخل الوفد الأشوري.. يتقدمون صوبه بمهابة وقد حملرئيسهم صندوقاً. ينحنون حين
يقتربون منه. يضعون الصندوق ويمضون. وحين يخرجون..ينادي رئيس الحجاب )
الوفد الحثي. ( ومرة أخرى يأمر الملك بالدخول بحركة من
رأسه..يدخلون ويقدمون الهدية ويخرجون. ) الوفد
الميدي.
                     ( تنقبض تقاسيم وجه الملك وينظر إلى
المستشار وقائد الجند بتساؤل..تمضي لحظات والملك في حالة تردد، يشير له المستشار
برأسه. فيأمر الملك بحركة من رأسه بدخولهم. يتقدم أعضاء الوفد وهم يحملون صناديق
الهدايا.. الملك وحاشيته ينظرون إليهم بتوجس وشك. يضعون الهدايا
)
رئيس الوفد  : مولانا الملك كورش العظيم.. باسمنا
وباسم كل الميديين نتقدم لك بأسمى آيات الشكر لإنقاذك إيانا من حاكمنا الظالم
استياك..
المستشار   : يستحق مولانا الملك
كورش منكم أكثر من الشكر أيها الميديين، فقد انتفض ضد جده أستياك من أجل رفع الظلم
عنكم.
رئيس الوفد :أرواحنا فداء مولانا كورش
العظيم.
                     ( يهز الملك رأسه
بالإيجاب) ما فعلتموه من أجلنا كان عظيماً يا
مولانا.
المستشار      :هذا صحيح أيها
الميديين، فلو لم يهب مولاكم كورش لإنقاذكم من بطش ملككم لكنتم الآن تائهين في
الجبال أو موتى بلا رؤوس في القبور.
رئيس الوفد : يعلم كل
الميديين فضل مولانا كورش عليهم، ولذلك يرفعون له الدعاء مع طلوع شمس كل
يوم.
المستشار      : لا تنسوا أن تذكروا ذلك
للأجيال القادمة.
رئيس الوفد  :سنفعل يا
سيدي. سنفعل. أدام الإله أهورا مزدا عز مولانا وحماه من كل
الشرور.
                     (يشير الملك له برأسه
فينحني رئيس الوفد وينحني من معه. ويخرجون، يشيع  الملك وحاشيته الوفد بنظرات
الدهشة.. وما أن يخرجوا حتى ينفجر الملك في ضحك عال)
الملك
كورش  : حمقى، هؤلاء القوم حمقى. جاءوا يقدمون لي الشكر والهدايا رغم
استيلائي على كل ما في مملكتهم ميديا من خزائن وكنوز ومنحوتات.بل
وكتابات.
المستشار     : ولكنك أنقذت رؤوسهم
من سيف جدك أستياك يا مولاي وهذا يكفي.
الملك كورش  :
رؤوس فارغة تستحق ما كان يحدث
لها.
المستشار     : وستبقى
فارغة.
                     ( يضحكون..يدخل جندي وهو
يلهث)
الجندي   : مولاي.. مولاي الملك المعظم،
العفاريت يا مولاي.
الملك كورش : ماذا؟
عفاريت؟! من هو هذا الجندي وكيف دخل إلى
هنا؟
المستشار     : اهدأ أيها الجندي وقل
ماذا حدث لك.
الجندي     : (للملك) مولاي
المعظم،حين كنا ننقل الرقم الطينية والمنحوتات والكنوز من معابد أقباتان عاصمة
الميديين وقصر ملكها إلى هنا يا مولاي. وجدنا الرسوم المكتوبة على الرُقم وقطع
الطين تضج بالحركة وهي تنطق مثل البشر.
الملك كورش  :
ما هذا التخريف أيها الجندي؟!
الجندي      :
أقسم إني وجدتها بعيني هاتين وسمعتها بأذني
هاتين.
الملك كورش   : ( بضيق) أيها
الحراس.
                      ( يدخل أكثر من حارس) 
حارسان       : أمر
مولاي.
الملك           : خذوا هذا الجندي
المجنون و ألقوا به في السجن.
الحارسان     :
أمر مولاي.
الجندي     :(برعب) لست
مجنوناً يا مولاي. أقسم إني رأيتها، رأيتها وهي تضج وتتحدث عن العلم والمعرفة وعن..
وعنك يا مولاي.
المستشار     : (ينهض) قفا
أيها الحارسان. (للملك) عفواً يا مولاي. 
                     (يشير الملك بيده للحارسين،
فينحنيان ويخرجان) ما يقوله الجندي خطير يا مولاي.(للجندي )
ولكن أصدقني القول أيها الجندي ولا تكذب، هل حقاً شاهدت وسمعت ذلك أيها
الجندي؟
الجندي       : نعم يا سيدي. أقسم
بذلك.وسمعه كل من كان هناك من جنود، حتى قائدنا سمع ورأى ما
رأينا..
المستشار      :وهل حقاً تحدثت عن
مولانا الملك؟
الجندي       : نعم يا سيدي، 
الملك كورش  : وماذا قالت؟ 
الجندي    
 :سمعناها تتحدث بكلمات غريبة عن العلم والحضارة وعن حضارة ميديا.. ثم
وفجأة راحت تتحدث عن مولانا. 
الملك كورش   :
وماذا قالت؟
                      (يصمت
الجندي بحرج وخوف)
                     تكلم أيها
الجندي.. قل ماذا قالت عني؟ 
المستشار      : قل أيها الجندي
ولا تخش شيئاً.
الجندي     
: (بتلعثم وخوف) مولا.. قالت.. كو..رش
كذاب.. كورش سرق ميديا..كووو
الملك كورش  : (بغضب)
اصمت.
                     ( ينهض الملك
وكذلك المستشار وقائد الجند الذي يجرد سيفه)
قائد الجند   :
مولاي. يستحق هذا الجندي الأخرق ضربة سيف تفصل رأسه عن
جسده.
                      (يهم القائد بضرب عنق
الجندي المرعوب.. فيرفع الملك يده فيعيد القائد سيفه إلى مكانه) 
الملك          : وبعد، ماذا حدث بعد ذلك؟ تكلم أيها
الجندي.
الجندي     : حاولت هذه الكائنات
الخروج من مكانها وبدأت تتسرب من كل منافذ المكان وراحت تتجه صوب
المدينة.
المستشار     :وهل
هربت؟
الجندي      : لا ، يا سيدي. لا يا
مولاي، لحقنا بها، بل بمعظم من هرب منها، قال لنا قائدنا: الحقوا بها أيها الحراس
وعودوا بها إلى هنا قبل أن تفسدأبناء أقباتانوتجعلهم يقفدون
عقولهم.
الملك كورش   : ( ينظر إلى المستشار باستغراب)
أراك على غير عادتك أيها المستشار! ما
الأمر؟
المستشار     : لو صدق ما قاله هذا
الجندي فإن ما سلبناه من الميديين من كنوز وأراض وممالك وعلوم سيعود إليهم. وهذه
الحروف هي التي من ستفعل ذلك.
قائد الجند   : (
بحماس) ماذا؟ من يجرؤ على ذلك؟ أقسم إني سأحطمها كما أحطم رؤوسها ورؤوس كل
الميديين..
المستشار   :إنها الحروف يا
مولاي، حروفهم التي بعثت حية مثل طائر الفينيق هي التي ستساعدهم على فعل
ذلك.
الملك كورش  : حروف ورقم طينية تبعث
حية؟! لا بد أن في الأمر مؤامرة
ما.
                     ( ينهض المستشار ويبتعد عن
الملك قليلاً وهو يفكر)
قائد الجند    : لا شيء يصمد
أمام سيوف جنودك يا مولاي، لا حروف ولا
جيوش.
المستشار      : مولاي، هل سمعت بالوحش
ديو؟
الملك  كورش : الوحش ديو؟ (يفكر. بعد لحظات)
نعم.. إنه من الكائنات الشريرة.
المستشار    
:وهذا الوحش هو من سيحطم هذه الحروف ويهزمها ولا أحد
غيره.
الملك كورش  : (بغضب) هل تسخر مني أيها
المستشار؟
                     ( يتحسس قائد الجند
سيفه وينظر إلى المستشار بغضب)
المستشار  : (بخوف)
حاشا يا مولاي. من يجرؤ على فعل ذلك مع ملك الملوك، ومؤسس
إمبراطورتينا.
الملك كورش :وما معنى قولك: إن
هذا الوحش هو من سيهزم هذه الحروف لا أحد
غيره؟
المستشار     : مولاي. الكلمات كائنات
لا يمكن أن تُهزم سوىبوساطة كل ما هو ظلامي وشرير، وأنت ليس كذلك. 
الملك كورش : ولكنه خرافي وليس
حقيقياً.
المستشار    :صدقت يا مولاي، ولكن
المدرسة الأولى لهؤلاء القوم جعلته حياً .
الملك كورش 
: المدرسة الأولى؟!
المستشار      :
الأمهات.
أمهاتهن.    
( تزوغ عينا الملك في لحظة تفكير.. ثم يضحك ) 
الملك كورش : أحسنت ..أحسنت أيها المستشار الذكي.
لقد ذكرتني بحكايات أمي حين كنت ولداً شقياً، كانت تلجأ إلى إخافتي بهذا الكائن
وبالجان والعفاريت حين أرفض الاستسلام
للنوم..
المستشار     : المعذرة يا مولاي،
هذا لأنها كانت منهم:ميدية.
                      (
يضحكان. ثم يشاركهما قائد الجند الضحك مجاملة وعلى وجهه سيماء
الحيرة)
الملك كورش  : نهوض هؤلاء سيفقدنا لذة ما
حققناه. ولكن ماذا بشأن من هرب منها؟
قائد الجند   :
سنلاحقها يا مولاي. لن ندعها بسلام. حتى من بقي منها أصواتاً لا شكل ورسم
لها سنقبض عليها ونحطمها شر تحطيم.
المستشار     :
لا، ديو هو من سيقوم بهذه المهمة.
قائد
الجند   :ديو ؟!
المستشار     :يجب
أن يكون ديو ماثلاً أمام هذه الحروف أنى توجهت. ولذلك أجد من الضروري الاسراع في
الاتصال بملوك الشمال والغرب والجنوب يا مولاي كي يساعدوننا في حربنا على
هؤلاء.
الملك كورش  : حسن، سنفعل.والآن أريد
رؤية الوحش ديو.
المستشار     : ادخلوا
ديو.
                     ( يتبادل الجميع نظرات
الترقب والسرور. يدخل كائن ضخم ذو أربعة وجوه .. ينظر إليه الملك باندهاش ثم يضحك..
يشير المستشار لديو بالدوران حول نفسه فيزداد  ضحك الملك.  ينحني الوحش للملك فينزع
الملك كورش عنه قناعه ويرتديه ثم يطلق صيحة
مرعبة)
المشهد
الثاني
(معبد أو مكان  أشبه بمتحف، أكوام من
حطام، ودخان، يسمع صوت البدليسي وهو يغني )
صوت البدليسي :
(يغني) يا أطفال  يا حلوين  جاءكم شرف خان
من هولير من عفرين   من آمد
ووان
(يدخل ،يجوب المكان وهو يكرر
الغناء)
                     يا أطفال.. يا سكان
سوبارتو.. يا أحفاد كي أخسار وأبناء بدرخان، اخرجوا ولا تخشوا شيئاً، أنا شرف خان .
شرف خان البدليسي.. رسول نوروز.
                     ( تنهض الحروف من
وسط الركام وهي في حالة يرثى لها من التمزق  فيجمد البدليسي وهو ينظر إليها باندهاش
)
الحروف  : (بشكل متداخل) أنا.. من أنا.. من
أنا.. أنا.. من نحن؟
كا     :  (بصعوبة وهو
يحاول التذكر) أنا، أنا اسمي.. أنا
كا…كا.
البدليسي    : ماذا حدث
لكم؟
كا : (بصعوبة) وحش.. وحش
مريع..
البدليسي:
وحش؟!
كا:  وحش له أربعة
وجوه.
   (تتبادل الحروف نظرات الهلع وتثار حالة من
البلبلة)
حرف          : إنه
مرعب.
حرف          : أنا خائف
.
حرف          :
سيمزقنا.
حرف          : سيلتهم
رؤوسنا.
البدليسي     : اهدأوا يا
اصدقاء .
حرف        : سنعود إلى
الجبال.
حرف        : لا سند لنا سوى
الجبال.
حرف        : لا مكان سيحفظ لنا
رؤوسنا وحياتنا سوى الجبال.
الحروف     : 
إلى الجبال، إلى الجبال..( يهمون
بالخروج)
البدليسي    : لا فائدة  يا
أحبائي.
                      ( يصمتون ويلتفون إليه
ويحدقون فيه باستغراب) نعم لا
فائدة.
                     في السابق كانت
لكم أشكال وهيئات وأسماء.. فاستطعتم الحفاظ على رؤوسكم وأنقسكم، أما الآن، وبعد أن
أصابكم هذا التمزيق فأصبحتم كائنات غير مرئية، مجرد أصوات تُسمع ولا تُرى، ستتوهون
هناك، وسيسهل على عدوكم العثور عليكم والتهام رؤوسكم دون أن يهب أحد لنجدتكم. 
                     (يُسمع صوت زمجرة ديو فيدب الفزع بين
الجميع)
الحروف    : ( بهلع) النجدة..
النجدة..
البدليسي: لا فائدة من تسول
النجدة.
كا: إنه الوحش يا
سيدي.
حرف         :
سيمزقنا.
البدليسي : (بأمر ) هيا
اتبعوني.
كا              : إلى
أين؟
البدليسي:اتبعوني.
                         (يسير الجميع خلف البدليسي خارجين وهم يتساءلون بحيرة وتردد. يدخل ديو بشكله
المخيف، كائن كبير الحجم وله أربعة وجوه ، كل وجه ينظر إلى ناحية، يدور في المكان
كالعاصفة وهو يزمجر.. ومن تحت عباءته تخرج كائنات غريبة وتحيط به.
يهدأ)
ديو     : (بأمر ) لا أريد لهؤلاء أن تفلت
منكم. أريدها أشلاء ممزقة ورؤوساً مقطوعة. هل
فهمتم؟
الأشباح  : نعم يا
مولانا.
ديو      : ( وهو يشير لكل واحد منهم)
أنت وأنت اتجها إلى الشمال.
الشبحان 
: أمر مولانا.
                     (ينحيان
ويخرجان. لآخرين) 
ديو     :وأنت وأنت.. إلى
الجنوب.
الشبحان  : أمر مولانا. (
ينحنيان ويخرجان. للبقية)
ديو        : وأنتما.. إلى
الغرب.. وأنتما إلى الشرق.. هيا..
الجميع   :
أمر مولانا.
                     (ينحنون
ويخرجون، يعود إلى الدوران كالعاصفة وهو يطلق صيحات
مرعبة)
المشهد
الثالث
                        (دار الكتب،
مكتبة كبيرة في صدر المكان، الكتاب بزيّه الذي يشبه مجلّداً ضخماً يرتّب محتويات
المكتبة، يُطرق الباب، يلتفت  الكتاب نحو
الباب)
الكتاب             : مَن، مَن
الطارق؟
صوت البدليسي:  افتح الباب يا
صديقي.
الكتاب             : (لنفسه)إنه صوت
مألوف، ولكن.. مَن هو صاحبه؟
صوت البدليسي:
افتح يا خير جليس، أنا صديقك صاحب شرف
نامه.
الكتاب         : صاحب مَن؟
(يتذكّر) أوه، البدليسي؟ إنّه شرف خان البدليسي، أهلاً، أهلاً وسهلاً بشرف
خان. (يغنّي وهو يفتح الباب) أهلاً  أهلاً شرف خان.. جئت سهلاً من
وان..                                                            
                   (يفتح الباب فيدخل البدليسي ثمّ تندفع الحروف إلى الداخل،
يقف الكتاب جامداً مستغرباً) مَن هؤلاء أيّها الأمير والمؤرّخ
الجليل؟! كيف تسمح للغرباء باقتحام خلوتي يا رسول
نوروز؟
البدليسي      :  أعتذر يا صديقي!
ولكن هؤلاء ليسوا غرباء، إنّهم أصدقاؤك.
الكتاب       
: أصدقائي؟!
                        (يتأمّلهم بنظرات التفحّص) لا أذكر أنّي التقيت بهم من
قبل!
                       (يتأمل الكتاب  الحروف 
بنظرات التفحّص)  
البدليسي      : هؤلاء يطاردهم وحش
خطير. ولقد جاؤوا كي تنقذهم منه.
الكتاب        : (باستغراب)
أنا انقذهم من وحش
خطير؟!
                      ( الجميع ينظر إلى
الكتاب بترقّب ولهفة)
الحروف      : أنقذنا يا سيدي،
أرجو يا سيدي.. النجدة.. أرجو يا سيدي..
..
كا              : (بأمر)
كفى.
                     (يصمت الجميع
ويوجهون نظرات الضيق للحرف كا ، يتأملهم الكتاب بتمعن)                       
المشهد
الرابع
                         (منظر عام
لمكان أشبه بدار عالية البناء، يدخل جنديان أشبه بالأشباح من جماعة ديو وهما يفحصان
المكان. فجأة يقف أحدهما يتأمل الأرض )
الشبح1            :
انظر. 
الشبح2            : ما
هذا؟
الشبح1            : (بريبة) آثار رماد.
أقدام متسخة بالرماد مرت من هنا.
الشبح2            :
ماذا تعني؟
الشبح1            :
إنها قريبة من هنا.
الشبح2            :
(بضيق) هذا يعني أن تلك التي اسمها الحروف مازالت حية (بحنق.
لنفسه) ما حكاية هؤلاء الجبليين يُبعثون بعد كل إبادة مثل طائر الفينيق؟! 
الشبح1            : ما بك تحدث نفسك
كالمجنون؟ هيا نلحق بها قبل أن تبتعد
كثيراً.
                         (يخرجان متتبعين
آثار أقدام الحروف)
المشهد
الخامس
                          (دار
الكتب، الكتاب يبحث في مجموعة من الكتب التي تعلو أمامه وهو منهمك في البحث وتقليب
الصفحات بجدّ وتعب، يُلبس بعض الحروف أشكالاً معيّنة فتصدر أصواتاً مزعجة) 
الكتاب        : (بعجز) لا أستطيع، لا أستطيع العثور
على أشكالها، لا أستطيع يا صديقي.
البدليسي     : 
ألا تذكر أي شيء عما كانت عليه من  أشكال وهيئات قديمة، حورية
سومرية..أفستية ؟
الكتاب        : لا، إن
التشوّه الذي أصابها كبير  ولذلك من الصعب فعل شيء
يفيدها.
                     (يسمع صراخ عنيف فينصت
الجميع بذهول وخوف.. يتكرر الصوت )
كا              : (بخوف)
إنه هو.
البدليسي:
ديو؟
                    ( تسري بين الحروف حالة من
الهلع)
الكتاب        :  ديو ؟! 
الحروف      :
الوحش!
الكتاب        : الوحش؟!
ولكني لا أسمع شيئاً!
البدليسي     : من
الطبيعي ألا تسمع ذلك يا مستودع العلم والمعرفة، هيا نخرج من هنا يا أصدقائي..
بسرعة.
                     ( يتكرر الصوت فيصاب
الجميع بالرعب ويطلقون أصواتاً خائفة.. يخرجون)
الكتاب       
: (لنفسه) ديو؟! ديو  ديو. هذا الاسم ليس غريباً..(يفتح كتاباً.
يقرأ)  ديو.. ديو.. آه. (تباً للديوات. اعترف بكوني
عدواً للديوات، تابعاً لأهورا.) الآن عرفت من يكون، ولكن هل يعقل أن البدليسي لا
يعرف من يكون ديو؟ (بعد تفكير، يضحك) أحسنت صنعاً أيها المؤرخ
الذكي. أحسنت.
المشهد
السادس
                            (المدرسة
الحمراء، بناء كبير مشيّد على مرتفع، يدخل البدليسي والحروف، ينظر الجميع إلى
البناء باندهاش وإعجاب)
حرف          : هل هذه هي
المدرسة الحمراء التي حدّثتنا عنها يا جدّو
بدليسي؟
البدليسي      : نعم. وهل
أعجبتك؟
حرف         : كم هي
جميلة!
حرف         :
وكبيرة!
البدليسي    :سيزداد
إعجابكم بها أكثر حين تدخلون إليها. إنّها نموذجٌ متقدّم من المدارس في هذه
الأنحاء  هيّا إلى الداخل.
كا             :
وهل سنجد فيها  ما نبحث عنه يا
سيدي؟
البدليسي    : إذا كنتم جادين فنعم..
المهم هو ألا تنسوا هدفكم أبداً.
كا             :
كيف نفعل ذلك وديو يلاحقنا ويريد التهام
رؤوسنا.
حرف        : إني
جائع.
بعض الحروف   : أنا جائع، وأنا أيضاً، 
وأنا..
البدليسي    : ستأكلون جميعاً،
ستأكلون بالمجان وتحصلون على ما جئتم من أجله بالمجان
أيضاً.
                   (يطلقون صيحة فرح ويتوجهون
إلى الداخل وهم يغنّون
بفرح)
                                                        المشهد
السابع
                        
                          (يدخل الشبحان، يدقق الشبح1النظر
في الأرض بحثاً عن آثار أقدام الحروف. ويقف حيث كانت تقف الحروف وينظر إلى آثارها
بتفرّس)
الشبح2            : هل وجدت
شيئاً؟
الشبح1            : لقد كانت
هنا.
الشبح2            :
كانت؟
                    (يكمل الشبح1 تتبع
آثار أقدامها، ثمّ ينظر إلى البعيد حيث المدرسة
الحمراء)
الشبح1            : لابدّ أنّها
هناك.
                         (يشير إلى حيث تقع
المدرسة)
الشبح2            : (بحنق) هيا بنا نهاجمها
ونحطمها مرة أخرى.
الشبح1            :
لا.
الجندي 2        :
لماذا؟!
الشبح1            : يجب الإسراع في
إبلاغ سيدنا ديو بالأمر .
                        (يسود الظلام فجأة وتنطلق من وسطه أصوات غاضبة لأشباح
ديو)
المشهد
الثامن
                     
                        (المدرسة الحمراء، باحة واسعة محاطة
بأبواب قاعات ثبت على أبوابها لوحات كتب عليها اسمها ( قاعة الفقه، قاعة الشعر..
قاعة النحو ..)  تدخل الحروف إلى قاعة مزودة بمكتبة كبيرة وهي تتحسس البطون
)
حرف      : لقد كان الطعام
دسماً.
حرف      :
ووافراً
حرف      : لقد أكلت حتى
التخمة.
                     ( تجيل بنظراتها في
أنحاء القاعة، تسمع صوتاً يلقي الشعر. تتهامس)
حرف      
: ما هذه القاعة؟ا
حرف       :
لابدّ أن تكون مثل كلّ القاعات التي مررنا بها؛ قاعة الفلسفة أو النحو أو
الفقه!
حرف       : أقسم إنّي لم أفهم شيئاً
مما سمعته في تلك القاعات.
حرف       : وأنا
أيضاً.
كا            : أما أنا فقد استفدت،
وكم أتمنى أن أرى كل معلمي هذه المدرسة. الملا الجزري أو فقي طيران أو أحمدي خاني..
مهلاً. اصمتوا.
الحروف   : (بهلع) من
..الوحش؟
                     ( يتقدم من القاعة
ينصت، ثم يعود إليها. بهمس)
كا           : أسرعوا،
أسرعوا بالدخول. هيا.
حرف     : ماذا
رأيت؟
حرف     : هيا
قل..
حرف      : هل وصل الوحش إلى هنا؟ هل دخل المدرسة؟
قل.
كا         :لا، لا يا أخوتي إنه أحمدي
خاني .
الحروف   : من
؟!
كا           :الشاعر أحمد خاني يروي قصة
مموزين لطلابه.  أتبعوني ولن تندموا. 
الحروف   :
مموزين؟!
كا           : قصة
العاشقين مم وزين.. وكيف فرق بينهما بكو…هيا
ادخلوا.
                     ( يدخلون القاعة
بتردد)
المشهد
التاسع
                     ( قاعة كبيرة
وقي طرف منها يقف الشاعر أحمد خاني يلقي شعراً. تدخل الحروف بهدوء و”كا” يحذرها من
عدم إثارة الضجة..يلتفتنحوها الشاعر وينظر إليها باستغراب ثم يبتسم لها بود
وتعاطف.. ينشد)
الشاعر       :إذا علمت بأنني لم
أحظبوصل الحبيبة في الجنة
                 فمالي وهذه الجنان سأعود جثة هامدة
مرة أخرى
                        (تتململ الحروف، ثم  تنسحب الحروف
الواحد تلو الآخر.. يلتفت الشاعر وينظر في إثرها بحزن. تخرج كلها عدا “كا” الذي
يتابع الشاعر بمتعة)
                     بأي وجه
يبقون محرومين
                 ويكونون محكومين جميعاً
                  أنهم قد كسبوا بسيوفهم الشهرة البالغة
                 وسخروا بهمتهم
البلدان.
                     ( يلتفت الحرف “كا” خلفه حيث كانت تجلس
الحروف فلا يجدها، يحس بالضيق والحرج ويخرج من القاعة
بهدوء)
                                                          المشهد
العاشر
                        (قاعة كتب
عليها (قاعة التنجيم) الحروف داخلها في حالة هرج
ومرج)
الحروف     : فال، فال،
فال..
حرف        : فال، فال.. نكشف
الطالع.
كا             : ما هذا أيّها
الأخوة؟! هذا لا يجوز.
حرف        : فال،
فال.. ونعرف ما خبّأته لك الأقدار.. 
حرف        :
أيّها المنجّم، أيّها المنجّم، أريد أن أعرف طالعي.
حرف       
: افتح كفّك يا بني.
                      (يفتح الحرف كفّه، فيتأمّلها الحرف الآخر، ثمّ يشمّها بقرف. يدخل الحرف كا يتأمله
بضيق)
حرف       : قل يا سيّدي، هل تبشّر كفّي
بالخير؟
حرف       : هذه الكفّ الوسخة لا
تبشّر إلّا بالمرض.
                      (يبتعد عنه
وهو ينادي، يشمّ الآخر يده فيرتسم على وجهه تعبير قرف، يقف آخر وينظر  في فم زميل
له)
كا          : لماذا فعلتم ذلك؟ لماذا غادرتم
قاعة الشعر والأدب و الشاعر أحمد خاني يلقي
قصيدته؟
حرف       : لم نأت إلى هنا لنسمع
الشعر .
حرف       :جئنا إلى هنا من اجل
الراحة بعد رحلة طويلة من العذاب والخوف.
حرف       :
هذا صحيح يا
صديقي.                                                                                                 
كا            : يبدو أنكم نسيتم أننافي مدرسة ولسنا
في مكان للتسلية واللهو.
حرف       :
(يقاطعه) أف.. عدنا إلى الجد. لماذا تركت الشعر وجئت إلى
هنا؟
كا          : بل لماذا فعلتم أنتم
ذلك؟
حرف       : أنت الآن في قاعة التنجيم.
فهات يدك لأقرأ طالعك.
حرف       : ( وهو يتجول في
المكان) فال.. فال..
كا            : (بأسف)
حتى التنجيم هنا ليس كما تتصورون، إنه علم وليس خزعبلات
وأوهام..                         
حرف       :
(لاهياً. ل كا) افتح كفك لأقرأ
طالعك.
                     ( يفتح يده بالرغم عنه..
يتأملها بسخرية) أنت شخص ثرثار ومغرور وستموت من كثرة
الكلام.(يترك يده ويذهب بعيداً عنه. وهو يردد)
فال..فال..
كا            :
أنا؟!
حرف       :     (يمد كفه للحرف
المنادي) أيها العراف الحكيم. اقرأ لي
طالعي.
حرف       : (يـتأمل الكف الممدودة
أمامه) اسمع يا صاحبي، إذا لم تنظّف أسنانك يوميّاً، وتغسل وجهك وفمك
جيّداً، أقسم والله وبالله وتالله لن تجد مَن يصاحبك، بل وسيوجّه لك كلّ مَن يقترب
منك صفعة قويّة مثل هذه.
                  (يصفعه
ويهرب، يلاحقه الآخر بعد لحظة ذهول، يسود الهرج
والمرج)
كا           :  أيها الأخوة، هذا لا يجوز.
إنكم مخطئون.
                    (تلاحق الحروف بعضها
بعضاً وهي تصخب.يمر وقت غير قصير على هذه الحال،فيما”كا” يجلس غير بعيد عنها
يتأملها بحزن وعجز. يدخل البدليسي يتأملها بضيق
للحظات)
البدليسي       : الهدوء.. الهدوء أيتها
الحروف.
                     ( تهدأ الحروف
قليلاً)
                     يجب أن نغادر المدرسة
حالاً. بسرعة ..بسرعة.
الحروف       : لماذا؟! ماذا حدث؟ دعنا
هنا، إنه مكان جميل، ويقدمون طعاماً لذيذ..
وبالمجان..
البدليسي       : لقد عَلِم
عدوّكم بوجودكم هنا، وهو الآن في طريقه
إليكم.
الحروف       : (برعب) الوحش ذو
الرؤوس الأربع؟!
البدليسي      : لنغادر
المكان بسرعة قبل أن يصل و يهدمها فوق رؤوس
الجميع.
حرف          : ولكننا.. 
حرف          : لم يمضِ على وجودنا هنا زمن
طويل.
البدليسي      : لقد أضعتم وقتكم،
وإضاعة الوقت لمـَن هو في مثل حالكم حماقة بل
وانتحار.
كا              : لقد نبهتهم يا
سيدي ولكن الجميع تجاهل ذلك.
حرف        : ( بغيظ)
كذاب.
حرف         
:وثرثار.
حرف          : كذب وثرثار
ومغرور أيضاً.
البدليسي       : ما هذا
الكلام الغريب أيتها الحروف؟
كا                :
إنهم يكرهونني يا سيدي، يكرهونني لأنني لست احمقاً
مثلهم..
البدليسي       : هذا لا يجوز يا كا.
ما تقوله هو الغرور.
حرف          : ألم أقل
إنه مغرور.
 حرف           : ( بحنق) مغرور
وجاسوس، نعم جاسوس، فحين لم نسمع كلامه ذهب وأخبر”ديو” عن
مكاننا.
كا           :
أنا؟!
حرف        : حقاً
!
الحروف    : ( تتهجم عليه) مجرم، .خائن.. أنت
خائن.. اقتلوه. لا ترحموا هذا المغرور. إنه
خائن…
                     ( تحيط به وهي تحاول
ضربه وقتله، تمر لحظات من الصخب والهرج
والمرج)
                     ( يسمعون صوت “ديو”. يصمتون وهم
في حالة رعب) 
                     الوحش يقترب من
هنا، وقد يقتحم المكان في أي لحظة. هيا، يجب أن نغادر هذه المدرسة حالاً قبل أن يصل
فيقضي عليكم جميعاً وعلى أشقائكم ويهدم ما بنوه.. هيّا.. هيا
بسرعة.
                      (تغادر الحروف التي تصاب بالهلع المدرسة..
يدخل ديو ومعه الشبحان وهو يزمجر.. يبحث الشبحان في أرجاء المكان
)
المشهد الحادي
عشر
                               ( تظهر
الحروف وهي تتبع البدليسي بتعب وإرهاق، وجنود “ديو” يلاحقونها، تسقط بعد الحروف،
تساعدها حروف أخرى.. يستنهض الحرف “كا” الهمم.. يستمر المشهد  يقف البدليسي على
مبعدة منها )
البدليسي    : بسرعة، بسرعة يا
أصدقاء.
حرف        : لقد
تعبت.
حرف        : أريد أن
أستريح.
البدليسي     : لقد اقتربنا.. لقد
وصلنا إلى هوار.
الحروف      : هوار.. هوار.. 
 (تدخل الحروف الدار .. فيما جنديان من أتباع “ديو”
يقفان ويتأملان المكان وهما يتبادلان النظرات بتوجس)
المشهد
 الثاني عشر
                        (داخل
مدرسة هوار، باحة دار صغيرة، يظهر في العمق بابان خشبيان، يظهر من خلال أحد البابين
جانب من مكتبة غير كبيرة، أما الباب الثاني فمغلق. ثمة نافذتان لكل غرفة، باب صغير
يؤدي إلى المطبخ وآخر إلى الحمام. كل شيء في الدار يدل على المستوى المادي المتواضع
لساكنه، الحروف مجتمعة أمام الأمير جلادت بدرخان فيما الأمير يُنقل نظراته بينها
وبين البدليسي الذي يقف غير بعيد عنها)
البدليسي       :
هل عرفت مَن هؤلاء أيّها
الأمير؟
جلادت         : أبناء الأم
نشتمان.
الحروف       : (باستغراب) أبناء
الأم نشتمان؟!
البدليسي       : وكيف
عرفتها؟
جلادت         : من خلال
أصواتها.
                        (تتبادل الحروف
نظرات الاستغراب والدهشة)
                         لقد شُوّهت كثيراً؟
البدليسي      : ولذلك
جئناك.
جلادت        :  منحها ما فقدته ليس
سهلاً أيها المؤرخ الجليل.
البدليسي      : 
ومَن غير الأمير جلادت بدرخان يمكن أن يفعل ذلك.
جلادت       :
هذا الأمر يحتاج منها إلى صبر
وتعاون.
البدليسي     : ستفعل أيها الأمير،
ستفعل وإلا ستفقد رؤوسها. (للحروف) أليس
كذلك؟
كا              : بلى..
سنفعل.
الحروف    : حاضر.. سنفعل.. نعم
سنفعل.
                     ( تعلو أصواتها في حالة
من الهرج والمرج نتيجة الحماس والخوف)
المشهد
الثالث عشر
                         (قصر
ملكي، القاعة الملكيّة، يدخل أحدهم، يقف خلف كرسي العرش، حيث نشاهد مجموعة من
الأقنعة( سلطان، وحش، جندي..، يلتقط رأس ديو. يرتديه ثم يستدير ويتربع على العرش.
قائد الجند ورجال من الحاشية يقفون أمامه بخوف وصمت)
ديو  
         : ماذا كان اسم هذا العالم الذي لجأت إليه
الحروف؟
المستشار      : الأمير جلادت
بدرخان،إنه واحد من عائلة بدرخان التي نذرت نفسها لخدمة هؤلاء الحمقى يا
مولاي.
ديو             : (بحنق) نعم،
البدرخانيون؟
المستشار       :يقال إنه افتتح
مدرسة خصيصاً لهؤلاء واسماها هوار.
ديو             :
أقسم إنّي سأحطّم مدرسته هذه فوق رأسه قبل أن التهمه (بأمر)
أيّها القائد.
قائد الجند    : أمر
مولاي.
ديو             : جهّز الجند،
واتبعوني في الحال.
قائد الجند    : سمعاً
وطاعة يا مولاي. (يخرج)
المستشار       :
مولاي! أرى أن نستخدم الحيلة مع هذا
الأمير.
ديو             :
الحيلة؟!
المستشار      : نعم يا
مولاي! فالحيلة طريقة مجرّبة وناجحة.
ديو            :
الحيلة وسيلة الضعفاء أيها المستشار. وأنا لست
ضعيفاً.
المستشار      : المعذرة يا مولاي،
ولكن أمر هذا الأمير مختلف و..
ديو            : (بأمر
وصوت قويّ) إلى مدرسة
هوار.
                                      (يعلو
صوت الجنود  وتسود الظلمة)
المشهد الرابع
عشر
                         (باحة مدرسة
هوار، تتوزع الحروف في الباحة وهي ترتدي تيجاناً ذهبية، يتأمّل البدليسيّ التيجان
وقد رُسم على كلّ تاج شكل الحرف الذي يناسب صوت صاحبه، يدخل الأمير
جلادت)
جلادت  : هل
أعجبتك؟
البدليسي    : كيف لا تعجبني وأنا
أعلم أنه بهذه التيجان عرفت الأمم نفسها، وبها حَمتْ رؤوسها من شرّ
الأعداء. 
جلادت: 
صدقت.
البدليسي    : واحد وثلاثون
شكلاً لواحد وثلاثين صوتاً. 
جلادت      : في
الحقيقة هي أكثر من واحد وثلاثين صوتاً أيها المؤرخ
الجليل.
البدليسي    : أعلم ذلك، ولكن هذه
ستفي بالغرض..
جلادت      : سيتمّ توزيع هذه
الأشكال التي أمامك حسب صوت كل واحد
منها.
البدليسي    : ولكن أصواتها
مختلفة؟
جلادت     : ولذلك سيكون لكلّ حرف
الشكل الذي يناسب صوته.
البدليسي   : فكرة
ممتازة. (يتأمل الأشكال) كم هي
جميلة!
جلادت     : أرجو أن
تُعجبها.
البدليسي  : (ينادي الحروف بصوت عال
وفرح) أيّتها الحروف، يا أبناء نشتمان، يا أحفاد ميديا وميتان، هداياكم
جاهزة، هدايا نوروز لهذا العام وعلى طول الزمان. هيا أيّتها
الحروف.
                       ( تدخل الحروف وهي
تنظر إلى الأشكال باندهاش وسرور)
المشهد
الخامس عشر
                      (على مشارف
مدرسة هوار، خلاء واسع، يعلو  صوت زمجرة، يدخل بعدها “ديو” يتبعه المستشار
والأشباح، يقف الجميع فجأة حين يشاهد ديو المدرسة) 
ديو     : هل هذه هو
المكان؟
شبح     : نعم يا
مولاي!
ديو     : (يضحك بسخرية) إنّه كوخ،
ولن يحتاج هدمه سوى لحركة واحدة من يدي، بل لأصبع واحد من أصابع
يدي.
المستشار : إنّها مدرسة يا
مولاي.
ديو        : فليكن اسمها ما يكون،
سأهدمها على رأس صاحبها البدرخانيّ.
المستشار  :
ولكن يا مولاي..
ديو        : (بأمر)
هس، هيا، اذهبوا إلى هذا الكوخ الحقير وسدّوا على من في داخلها سبل
النجاة.
الأشباح    : سمعاً وطاعة يا
مولاي!
                        (تنحني
تخرج)
ديو         :  (بغيظ) أقسم إنّي سأمزّقهم هذه
المرة إرباً إرباً، وسأجعل من هذا الكوخ الذي لجأت إليه 
                       قبراً
لها.
المشهد السادس
عشر
                         (داخل المدرسة،
البدليسي وجلادت يتابعان الحروف التي اعتمرت التيجان الذهبيّة، الحروف المرسومة
عليها تشعّ بنور فوسفوريّ عاكس، الحروف تلهو بسعادة وهي تردد أسماءها وأسماء
شقيقاتها) 
حرف      : أنا: هاء. 
حرف       : وأنا: سين، آراس،  حرف من جبل في وطني. 
حرف       : وا. بحيرة
وان.
حرف       : وأنا بي يكتمل اسم الوطن. .
نون.
                       (تستمر الحروف في تعريف
أنفسها، تمرح وتتنادى بسعادة)
البدليسي     : كم أنا
سعيد بسعادتها!
جلادت       : لن تكتمل
سعادتي إلّا عندما أجدها تنتقل من طور الحروف والأسماء إلى طور آخر تستطيع فيه
تشكيل أفعال. 
البدليسي       : ستفعل إن شاء
الله.
جلادت         : يجب أن تفعل وإلّا لن
تصمد طويلاً.
البدليسي      :بدون هذه
التيجان ستصبح رؤوسها لقماً سائغة في فم
عدوّها.
                       (تبتعد الحروف عن
جلادت والبدليسي، تعلو أصواتها فجأة وهي تتشاجر)
حرف         :
أنا أطول منك.
حرف         : وأنا
أجمل.
حرف         : وأنا أكثر طلاقة
منك.
حرف         : اصمت أيّها
القصير!
حرف         : بل أنت مَن يجب أن
يصمت أيّها الطويل الأهبل!
حرف         : أنا
أهبل أيّها القزم!
حرف         : لا ترفع
صوتك أيها الطبل!
حرف         : أنا طبل يا
أخرس يا صامت؟!
                       (يطل
الشبح1برأسه من مكان ما ويراقب بتشف وسعادة ما يحدث، يتقدّم  جلادت من الحروف وهو
في حالة دهشة وضيق)
جلادت       :  ماذا حدث، ماذا
يحدث هنا؟.
                       (تستمرّ المشاجرة،
ينسحب الشبح1 وقد انطبعت على وجهه ابتسامة انتصار
وتشفّ)
نون        : إنهم يتشاجرون يا
سيدي.
جلادت     : الهدوء، الهدوء يا
أحبائي..
كا           : (بأمر) كفى. 
                    (تصمت الحروف وهي تلكز بعضها بعضاً
وتتهامس وتتواعد)
                      كفى يا زد،
كفى يا جيم. اصمت يا سين (تهدأ وهي تنظر إليه بحقد تتقدم صوبه متوعدة..
يتراجع بخوف) إنها أوامر الأمير. لقد طلب منا جميعاً التزام
الهدوء.
جلادت        :  نعم، هذا
صحيح.
                      ( يكفون عن التقدم
والوعيد) ماذا حدث حتى انقلب فرحكم إلى
مشاجرة؟!
حرف قصير  : هذا الطويل يسخر من قصر
قامتي.
حرف طويل  : لقد حاول هذا القزم نزع
ما أضفته على تاجي أيها الأمير.
حرف        
: وهذا يسخر من صوتي المهموس.
حرف         :
بل هو من سخر من صوتي العالي.
حرف قصير  :
أريد مثل تلك التي وضعتها على تاج الحرف (أو) أو الحرف
(إي).
حرف قصير: وأنا أيضاً أريد واحدة من
تلك العلامات.
                        (تتشاجر محاولة
 نزع التيجان عن رؤوس بعضها بعضاً، يدخل البدليسي  يشاهد ما يحدث والأمير حائر
ومنزعج )
البدليسي: ماذا حدث ؟ لماذا تتشاجر
وتتصايح؟
الحروف      : (بأصوات متداخلة) إنها الحروف
الطويلة يا سيدي..
                     – لا
بل أنتم من بدأ بالمشاجرة أيها القِصار. 
                 – ومن بدأ بالسخرية
أولاً. 
                 – أنتم.. 
                 –
لا.
                 – بل أنتم.. 
                 –
أنتم..
البدليسي    :  كفى، قلت كفى. (يصمت
الجميع) هل تريدون العودة إلى سابق عهدكم، لا شكل ولا هيئة، أصوات هائمة
في الجبال والبراري؟ إذا كنتم تريدون ذلك فانزعوا هذه التيجان عن رؤوسكم وغادروا
المدرسة لتصبحوا لقماً سائغة
لعدوكم.
                  (يصمت الجميع وهم يتحسسون
تيجانهم بتوجس وحرص)
جلادت     : اعلموا يا أحبائي
أنني ما لجأت إلى هذا الأمر إلا بقصد التمييز بين الأحرف الصوتية القصيرة والأحرف
الصوتيّة الطويلة. وبينكم وبين أحرف الأمم الأخرى فقط. 
الحروف الصوتية
القصيرة: فقط؟
جلادت            :
نعم، فقط.
ح. ص. القصيرة: هل صحيح
أن الحروف الطويلة أقوى منا نحن
القصيرة؟
جلادت            : لا، لا يمكن
لحرف أن يكون قويّاً بمفرده فقط.
البدليسي          :
ما يقوله الأمير صحيح تماماً، تكمن قوتكم في وحدتكم، ولا يمكن لأيّ واحد
أن يشكّل فعلاً بمفرده، أليس كذلك أيّها
الأمير؟
جلادت            : بل ولا يمكنه أن
يشكّل أيّ اسم أيضاً؛ إذ لا معنى لوجودكم فرادى. أنتم مثل الأشجار، فشجرة واحدة لا
تشكّل غابة ووردة بمفردها لا تصنع
ربيعاً.
البدليسي          : هل فَهِم الجميع
ما قاله الأمير جلادت؟ هيا ليتقدم كل واحد منكم بالاعتذار من
الأمير.
جلادت         :  بل ليعتذر كل واحد
منكم من أخيه.
                       (يتبادل الجميع
كلمات الاعتذار والتصافح، تعلو وَجْهيْ جلادت والبدليسي ابتسامة
رضى)
المشهد السابع
عشر
                         (على مشارف
مدرسة هوار، “ديو “ومرافقوه ينظرون إلى المدرسة، يدخل شبح وهو فرح،
ينحني)
الشبح              : مولاي “ديو”
المعظم!
ديو                 : ما وراءك
أيّها القائد؟
الشبح              : مولاي!
لا حاجة لسدِّ منافذ المدرسة.
ديو                 :
لماذا؟
الشبح              : ولا
حاجة للهجوم عليها يا مولاي!
ديو                 :
(بحنق) هل غادر هؤلاء الحمقى هذا المكان؟ اسمع، لو حدث ذلك
فسأمزقك.
الشبح              : لقد عاد الخلف
إلى ما كان عليه السلف يا مولاي!
ديو                
: (بعدم فهم) عاد الخَلَف إلى.. لم أفهم. وإلى ماذا عاد
الخَلََف؟

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…