سلاما إلى روحك: غازي

محمد قاسم (ابن الجزيرة )

عرفته عندما كنت في الثانوية وهو يعمل موجها فيها(غازي يونان) كان شابا في مطلع عمره لا يزال جديدا في ممارسة عمله كمعلم انتدب إلى التوجيه ولكني لمست فيه شابا لطيف المعشر نقي السريرة، لين الطباع بخلاف العديد من أمثاله. كان يمثل درجة معقولة من طبيعة وظيفته بما يحاول من تحقيق الألفة مع محيطه(الإدارة والسلك التدريسي والطلاب،)

واخص هنا مع الطلاب فقد كانت هناك فجوة واضحة بينهم وبين البعض ممن يمارسون هذه الوظيف ة- وخاصة مدربي التربية العسكرية منهم – والذين أتاحت لهم صفتهم العسكرية في التمادي أحيانا مع الطلاب إلى درجة يتجاوزون فيها حدود ما هو مقبول كما حصل ذات مرة عندما دق جرس الفرصة وكان الطلاب والمدرسون جميعا ينزلون من على الدرج من الطابق الثاني، وإذ ببعض هؤلاء( مدربي التربية العسكرية) قد فتحوا الباب المقابل للدرج – في هذه الأثناء- وهم يعاقبون طلابا بضرب (الفلقة) بضرب أرجلهم بالعصا ضربا قاسيا علما بان هؤلاء الطلاب كانوا في المرحلة الثانوية،وقد استنكرت حينها الحادثة وأبلغت الإدارة التي كانت شبه عاجزة أمام صلاحيات التربية العسكرية لأسباب لا أعلمها تماما،ولكن الغريب أن الموضوع عندما نوقش في مجلس المدرسين أصر المربون العسكريون على موقفهم وسلوكهم مع الطلاب ومنه إرسال بعض المخالفين إلى الصفوف حفاة بعد معاقبتهم بقسوة لأسباب بسيطة منها تأخر بعض دقائق أو أي سبب آخر يمكن أن يجعلومنه حجة لإرضاء نزعة التعذيب لديهم حيث كانت تشعرهم بقيمة ما من وجهة نظرهم-سيكولوجية منحرفة-. .وقد أكدت حينها بأنني لا أستقبل هذه الحالات مهما كلف ذلك من أمر. غازي كان موجها مدنيا- إذا جاز التعبير- وكان يحسن معاملة الجميع وفيما بعد كنت التقية أحيانا ،فأجده باشا ذا ملامح منفردة،طلق المحيا بحيث يجذبك إليه ،ويوجد ألفة بينك وبينه.. وعلى الرغم من قلة المرات التي كنت التقي به إلا أن ملامحه لم تفقد السحنة الهينة واللينة،ولقد وجدت أن الذين عملوا معه في مدارس أخرى ومنها الثانوية الصناعية –مدرسين وطلابا – لا يختلفون في حسن الشهادة له. ولكن..! ويا حسرة الو (لكن هذا..) فإن خصائصه الإنسانية النبيلة هذه لم تشفع لرصاصة غدر أن تخترق جسمه فترديه قتيلا وهو في ريعان شبابه ولا يزال مصدر ثرا للعطاء في مجتمعه بحيوية ونبل ومرونة يفتقر الكثيرون إليها، من الذين يعملون في مثل عمله. وقد علمت بان سبب القتل رغبة ثأرية عن حادثة مضى عليها سنون طوالا (أكثر من ربع قرن) وكانت المصالحة قد تمت بين والده وخصومه حينها ودفعت الدية لذوي المثؤور له – افتراضا -.. فما الذي أيقظ رغبة القتل الثأرية بعد تسوية طال أمدها..؟ وكان قد نسي المرحوم أنه ذو عداوة فلم يكن يحسب للأمر حسابا كأن يحترس مثلا من أعداء مفترضين. -وهو من هو – الرجل الوديع البشوش ذو سريرة نقية وسلوك نبيل..! وما الذي جناه القتلة من فعلتهم هذه المأساوية والشنيعة أيضا سوى قضاء زهرة عمرهم في سجن معتم محرومين من حقوقهم كبشر ينبغي لهم أن يعيشوا ويؤسسوا أسرة يأنسون إليها،وأولاد يحملون ذكرهم من بعدهم في سكة حياة بانية لا سلوك مدمر كما فعلوا هم..!هل هذه قيمة الحياة؟(وما ذنب بنيات كزغب القطا رددن من بعض على بعض)-كما يقول الشاعر وما وجه الفائدة في هز السلم الاجتماعي هزا يحرم أبناء المجتمع زمنا من الشعور بالألم وتأتي حادثة أخرى يظهر فيها الجهل والحماقة يجر فيها الطمع ورد الفعل الأعمى والأحمق أيضا إلى قتل شخص و جرح بليغ لاثنين..فيحرم هذا السلوك العشائري البغيض والمتخلف أطفالا من آبائهم ونساء من شركاء عمرهن،ومجتمعا من عطائهم..فضلا عن اهتزاز السلم الأهلي والعيش في رعب تبادل الثار مرة أخرى عبر سلوك يستنزف مالا وجهدا ويوجد توترا في المجتمع.لا يستفيد منه سوى المتصيدون – الرسميون أو العشائريون” رموز التخلف والعائشون على مثل هذه المناسبات لاكتساب قيمة اجتماعية بدلا من العمل على بناء مشاريع خيرية أو إنتاجية تدفع نحو التمدن وإيجاد فرص عمل إضافية تعود على المجتمع والمنطقة بالخير والرفاه والسلم الأهلي.. هل ستظل عقلية الثار المتخلفة تحصد أبرياء لا جريرة لهم ولم يحضروا الحوادث التي قد يكون احد أسلافه سببا..! ألا ينبغي أن يحرص الجميع على سلامة أخلافهم عندما يتصرفون؟ ألا يمكن أن يكتفي ذو الثار ببديل عندما يكون الخلف بريئا؟ ألا يمكن أن يعتمد المجتمع القانون لإحقاق الحق في مسائل كهذه؟ وحتى إن قصرت السلطة لسبب ما في إحقاق الحق ألا يمكن أن نكتفي بذلك محملين السلطة مسؤولية التقصير هذا دون أن نلجأ إلى الثأر المباشر والذي قد يجر ثارا آخر فتصبح العملية حالة ثأرية قد تطال الكثيرين كما حدث في قرية الخشينية التي خسرت أكثر من ثلاثة عشر قتيلا ثم تصالحت.ألم يكن ممكنا أن يكون الصلح قبل هذه الخسارة المبالغ فيها من النفس والأموال والهدوء الاجتماعي..؟! ليست الشجاعة أن تزهق نفسا قد تكون فيه متجاوزا بل ((.. الشجاعة من يملك نفسه عند الغضب)) كم يقول الرسول صلى الله عليه وسلم. ألم يعف الرسول مشركي مكة من كل ما فعلوه به وبأصحابه عندما فتح مكة وقال لهم:((اذهبوا فانتم الطلقاء)). ألسنا نزعم بأننا مسلمون فلم لا نقتدي بنبي الإسلام..؟! ألا يقول الإنجيل ما معناه: ((من ضربك على خدك اليسر فأدر له الأيمن)). ألسنا نزعم بأننا مسيحيون فلم لا نقتدي بإنجيل المسيحية..؟!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عصمت شاهين الدوسكي

 

ربما هناك ما یرھب الشاعر عندما یكون شعره تحت مجھر الناقد وھذا لیس بالأمر الحقیقي ، فالشاعر یكتب القصیدة وينتهي منھا لیتحول إلى تجربة جدیدة ،حتى لو تصدى لھ ناقد وبرز لھ الایجابیات وأشار إلى السلبیات إن وجدت ، فلیس هناك غرابة ، فالتحلیل والتأویل یصب في أساس الواقع الشعري ،وكلما كتب الشاعر…

فيان دلي

 

أرحْتُ رأسي عندَ عُنقِ السماءْ،

أصغيْتُ لأنفاسِ المساءْ،

بحثْتُ فيها عن عُودٍ ثقاب،

عن فتيلٍ يُشعلُ جمرةَ فؤادي،

ناري الحبيسةَ خلفَ جدرانِ الجليد.

 

* * *

 

فوجدْتُه،

وجدْتُه يوقظُ ركودَ النظرةِ،

ويفكّكُ حيرةَ الفكرةِ.

وجدْتُه في سحابةٍ ملتهبةٍ،

متوهّجةٍ بغضبٍ قديم،

أحيَتْ غمامةَ فكري،

تلك التي أثقلَتْ كاهلَ الباطنِ،

وأغرقَتْ سماءَ مسائي

بعبءِ المعنى.

 

* * *

 

مساءٌ وسماء:

شراعٌ يترنّحُ،

بينَ ميمٍ وسين.

ميمُ المرسى، عشبٌ للتأمّلِ وبابٌ للخيال

سينُ السموّ، بذرةٌ للوحي…

ربحـان رمضان

بسعادة لاتوصف استلمت هدية رائعة أرسلها إلي الكاتب سمكو عمر العلي من كردستان العراق مع صديقي الدكتور صبري آميدي أسماه ” حلم الأمل ” .

قراته فتداخلت في نفسي ذكريات الاعتقال في غياهب معتقلات النظام البائد الذي كان يحكمه المقبور حافظ أسد .. نظام القمع والارهاب والعنصرية البغيضة حيث أنه كتب عن مجريات اعتقاله في…

ادريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…