القمار، الجنس، المخدرات

عبدالباقي حسيني
كان آزاد معجبا بمنشورات صديقته شيرين على الفيسبوك، وخاصة عندما كانت تنشر صورا وفيديوهات لمكان إقامتها في هولندا. كان يستمتع بصور حدائق التوليبان الشاسعة ، وبالنهر الجاري في وسط العاصمة امستردام، وبشرح الدليل السياحي لتاريخ الأبنية والعمارات الواقعة على طرفي النهر، وكان ينبهر دوما بمنظر السدود الضخمة التي منعت “البلاد المنخفضة” من الغرق في بحر الشمال. كما أنه تعرف من خلال صديقته تلك على المتاحف الكثيرة والمتعددة في تلك المدينة الرائعة.
 أعجب آزاد بهولندا عموما وبعاصمتها خصوصا، لذا قرر أن يزورها قريبا، فبدأ يبحث عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن أصدقاء آخرين مقيمين فيها، فوقعت عينه على اسم صديق قديم له يدعى لازكين، كان يعرفه شخصاً مرحاً، نشيطاً، عملياً، محباً للحياة، فكتب له على الماسنجر التالي: 
– مرحبا يا صديقي، لي زيارةٌ لمدينتكم قريباً، أود أن ألتقيك.
فجاء الرد متأخراً بعض الوقت: أهلا وسهلا بكم.
بعد عدة أيام وصل آزاد إلى أمستردام، ونزل في فندقٍ راقٍ وفخمٍ، لئلا يحرج أحداً من أصدقائه وخاصة صديقه لازكين.
اتصل آزاد بصديقه من غرفة الفندق المقيم فيه قائلاً: أنا هنا في فندقٍ يتوسط أمستردام، تعالَ لنلتقي وبعدها نقرر ماذا سنفعل.
وبعد ساعةٍ تحديداً جاءته مكالمة هاتفية: ألو من؟
.- إنه أنا لازكين، تعال أنا واقف امام باب الفندق
.- تفضل إلى اللوبي (البهو) وسأحضر حالاً
– لا داعي، أخرج أنت، سأنتظرك في الخارج.
لم يستوعب آزاد فكرة عدم قبوله بالدخول إلى الفندق وانتظاره في البهو، لذا اضطر هو للخروج إليه قاصداً باب الفندق حيث ينتظره هناك، وحين رآه تفاجأ به وبهيئته، فقد كان يبدو شاحب الوجه، نحيل الجسم، رث الثياب، تفوح منها رائحة العرق وكأنه لم يستحم منذ أسابيع.
– ما أخبارك صديقي؟ وماذا حل بك؟ 
.- أترك الموضوع الآن ودعك مني، سأخبرك لاحقاً
ازداد الفضول واشتدت الرغبة عند آزاد لمعرفة الظروف التي آلت به إلى هكذا حال، فطلب منه أن يدعوه إلى بيته ليتعرف إلى أحواله وعائلته بحجة احتساء فنجانٍ من القهوة.
تململ لازكين قائلاً: لنشرب القهوة هنا في إحدى مقاهي امستردام الجميلة.
ولكن آزاد أصر على زيارة بيته ليكتشف سر رفضه، فاشترى باقة ورد بعد رضوخ لازكين لأمر الواقع، فاستقلا سيارة أجرة وتوجها إلى منزله الكائن في الضواحي المحيطة بالعاصمة، واستغرق سيرهما نصف ساعة أو أكثر وخلالها كان آزاد منهمكاً بتوجيه الأسئلة المحرجة إلى صديقه، بغية معرفة المزيد عن حاله.
– لماذا لا تشتري بيتاً في مركز المدينة ؟ آاااه صحيح، إنك من عشاق الأرياف والضواحي، وبعدها ابتسم ابتسامةً قصيرة وسكت.
وحينما وصلا نزلا من السيارة وقام آزاد بإلقاء نظرة على ما حوله وعلى المنطقة التي يسكن فيها، فلاحظ بأنها ملأى ببيوت قديمة تشبه الأحياء الشعبية البسيطة ومخيمات اللاجئين.
صعدا الدرج ووصلا للطابق العلوي من البناء حيث الملحق، ولاحظ آزاد اتساخ البناية المقيم فيها، فقصاصات الورق وأعقاب السجائر مرمية هنا وهناك.
– ماهذا ياصديقي؟ 
– هنا أنظف من الداخل.
اندهش آزاد من كلامه ودخلا الشقة، فالفوضى كانت تعم المكان وكل شيء مبعثر على ذاك الاثاث القديم المهترئ، وفي الزاوية طاولة مكسورة متحطمة ولا شيء فيها يشبه السكن، كان الهدوء يسود في ذلك المنزل لدرجة الرعب.
نادى لازكين على “جيسيكا” فأتت على الفور. كانت امرأة نحيلة منكوشة الشعر، شاحبة الوجه، وتحت عينيها بقع سوداء كأنها تدمن المخدرات، لم يكن فيها شيء جميل يلفت النظر سوى مؤخرتها الكبيرة.
– من هذه؟ 
– إنها صاحبتي من أمريكا اللاتينية، نعيش معاً في هذا الكوخ الحقير.
– أو ليس لديك عائلة وأولاد؟ 
– لا. 
كان الثلاثة ما زالوا واقفين في وسط البيت فلا مكان مناسب للجلوس.
ولمرة الثانية نظر آزاد من حوله وبنظرة عاجلة وهو يقول في نفسه “لن أشرب شيئاً، وفي هذه القذارة”. 
– أنا اسف يا لازكين، ربما سببت لك بعض الإحراج، فقد كنت أعتقد أنك مستقر اجتماعياً واقتصادياً ولكن على ما يبدو أن ظروفك صعبة وتعيسة.
– اعط باقة الورد لجيسيكا، فطوال معرفتي بها لم أهديها شيئاً سوى سجائر الحشيش وبعض من إبر الهيرويين.
ابتسم آزاد ابتسامة مصطنعة وسلم باقة الورد لجيسيكا، ثم التفت إلى لازكين: 
– هيا بنا لنعود إلى المدينة ونتناول طعام العشاء وبعدها تعرفني على معالمها. 
في طريق العودة استرسل آزاد في حديثه وهو لا يكف عن الكلام:
– عجباً حسب علمي أنك تقيم هنا منذ عشرين عاماً، فكان عليك أن تدبر أمورك بشكل أفضل من ذلك، وبالمناسبة ما مصير المطعم الذي كنت تديره؟ أعتقد أنك كنت تملك مطعماً هنا، أليس كذلك؟ 
– نعم يا صديقي ولكن أرجوك لا تحاول أن تفتق جروحي، فأنا ما زلت أعاني من آثار الفشل من ذاك المطعم، وجيسيكا هي إحدى مصائبه، لقد كانت تعمل لدي وتحضر الوجبات الإسبانية، لكن إدماني على المخدرات أجبرها على التعاطي أيضا، وها أنت ذا رأيت مصيرنا.
– شيء مؤسف، كنت تملك أموالا كثيرة، فأين أضعتها؟ 
– أسمعني إذا، ولكن يجب عليك أن تكون كريما هذه الليلة، اتفقنا؟
– اتفقنا.
ظنّ آزاد بأنهما ذاهبان لإحدى المطاعم الفخمة لتناول العشاء أو إلى إحدى المتاحف الأثرية او المسارح، وإن كان هذا سيكلفه بضع يوروهات……، فلا بأس بذلك.
– أتريد أن تعرف أين صرفت أموالي، أليس كذلك؟
– هز آزاد رأسه موافقا. 
– لنبدأ من هذا الشارع إذا، ألا ترى معي وجود هذا الكم الهائل من الكازينوهات وأماكن لعب القمار؟
– نعم إنها كثيرة بالفعل ومتوزعة على جانبي الشارع بشكل كبير.
– هيا لنجرب إحداها. 
دخلا أحد هذه المحلات ولاحظ آزاد أن رواد هذه الأماكن أغلبهم من الأجانب (ذوي الرؤوس السوداء) أي الآسيويين والشرق أوسطيين.
– هنا الهولنديون يجمعون الأموال ولا وقت لديهم في إضاعته في هكذا أماكن، فقط هؤلاء الحمقى يحلمون – كما كنت أحلم دوما – بأنهم سيصبحون أثرياء بين ليلة وضحاها، لذا يضعون جميع رواتبهم في آلات القمار والتي يتحكم بها شخص هولندي من خلف الجدران.
نكش لازكين آزاد بكوعه طالبا إياه أن يجرب حظه اليوم، فوافق آزاد على الفور ووضع مئة يورو في ذلك الجهاز وشاركه لازكين اللعب، ربما يحالفهما الحظ هذه المرة، ويكملا معا ليلتهما بشيء من الفرح والسعادة. 
خسر آزاد أول مئة يورو، ثم هم بوضع مئة أخرى، وما هي إلا دقائق حتى خسرها هي أيضا.
قال لازكين : يبدو أن لا حظ لك في هذه الأجهزة، دعنا نجرب لعبة الروليت، واتجها إلى طاولة اللعب ووضع خمسين يورو على الرقعة الحمراء، ومن ثم على الرقعة السوداء. 
– لا لا الرقم صفر فيه ربح كبير، ضع خمسين يورو هنا أيضا. 
وخلال دقائق معدودة ايضا خسر المئة يورو، فطلب منه لازكين أن يجرب حظه في لعبة أخرى تسمى (بلاك جاك 21) فهي لعبة مضمونة لأنها تعتمد على الذكاء في العمليات الحسابية دون أن يكون للحظ دور فيها، وبدأ لازكين يشرح لصديقه ماهية هذه اللعبة وطريقة لعبها قائل: 
– صديقي آزاد ، احرص على أن يكون مجموع الأوراق لديك 21 فقط. 
فتوجها إلى طاولة البلاك جاك ووضع آزاد اليوروهات ليجرب ذكاءه هذه المرة، لكن محاولته باءت بالفشل والخسارة، حيث قال: كفى ، لم نقض هنا نصف ساعة حتى خسرت خمسمائة يورو. 
فضحك لازكين وهو يشعر بالخيبة قائلا: كنت أخسر يوميا مثل هذا المبلغ وأكثر. 
– يخرب بيتك، هذا راتب شهر كامل لشخص يعيش على معونات المكتب الاجتماعي (السوسيال).
– دعك من هذا الكلام، هيا بنا إلى المحطة الثانية، هناك ستسعد جدا، فقط دع يديك سخيتين. 
– إلى أين؟
– إلى الحوريات، هههه.
ذهبا إلى شارع خاص، قريب من الشارع الرئيسي، أضواؤه حمراء خافتة، والعاهرات يظهرن من وراء الزجاج وقد تمددن على أسرة في مخادع مغرية، وكأنهن معروضات للبيع وقد كتبت أسعار مضاجعتهن على ورقة بيضاء ملصوقة على بلور واجهة المحل ( 40 ) أربعون يورو فقط لساعة المتعة تلك. 
رأى آزاد ذلك المنظر بأم عينيه ، فسأل: ما هذا ؟
– إنه ثمن مضاجعة العاهرة لمرة واحدة. 
– واااووو يا إلهي!!! 
فتحا باب المحل ودخلا مخادع العاهرات واختار كل واحد منهما فتاة جميلة حسناء لقاء مئة يورو للاثنين ، دفعها آزاد مع بعض الزيادة كبخشيش. 
وبعد مضي نصف ساعة من الوقت خرجا وقد بدت على آزاد مظاهر الارتياح النفسي والجسدي، والابتسامة تعلو وجهه، كيف لا وقد دخل عالما جديدا، و قضى وقتا ممتعا مع حورية حسناء بمئة يورو فقط.
رأى لازكين السعادة المرسومة على ملامح وجه صديقه، وكيف أنه مرتاح لما فعله فقال له: إذا كنت ترغب بالمزيد فهناك بيوت فيها الكثير من السعادة والدلال، لكنها مكلفة بعض الشيء. 
هز آزاد رأسه كإشارة منه على الموافقة والرغبة في إشباع غريزته أكثر، فانطلقا إلى إحدى الشقق التي تقام فيها الدعارة وفتح الباب لهما وإذا بفتيات بعمر الورد، خدم وحشم، وأكل وشرب، و مشروبات كحولية بكافة أنواعها، فخاضا غمارهن وعاشا لذة جنونية في أحضان دافئة ولكن الثمن هذه المرة خمسمائة يورو. 
حين لاحظ لازكين أن صديقه آزاد مستمتع بما يراه ويعيشه، عرض عليه أسماء اماكن أخرى أكثر إمتاعا، فهي تضم مراكز خاصة بالمساج وتعمل فيه فتيات من الصين، يقمن بإجراء تدليك للجسم من أخمص القدمين إلى أعلى الرأس، في أجواء رومانسية تسودها الروائح الزكية والموسيقا الهادئة والشموع الحمراء، فكل شيء هناك يدعو إلى السحر والجمال وإلى اللذة والنشوة. 
– آزاد: وكم تكلفة هذا الدلال؟
– مائتا يورو فقط. 
– لنذهب إلى محطتك الثالثة و دعنا من الصينيات والمساج وو…
– محطتي الثالثة بعد لعب القمار وممارسة الجنس مع الحوريات، هي تعاطي المخدرات، لذا هلم بنا إلى البار، لنشرب نخب لقائنا ووصولك إلى بلاد العجائب هذه. 
وافق آزاد على الذهاب مع صديقه إلى البار لأنه في قرارة نفسه كان يريد أن يعرف أكثر أسباب تدهور أحوال صديقه إلى هذه الدرجة وكيف “اندمج” مع حياة مختلفة عن الحياة التي كان يعيشها في بلده ومجتمعه. 
– حقاً إنها لحياة غريبة !! يا إلهي!! 
دخلا البار وجلسا على كرسيين عاليين امام النادل وطلبا منه كأسين من الكونياك مع لفافتين من الحشيش، وبعد الشرب و التلذذ والاستمتاع أصيبا بنوع من الهوس أو الهستيريا وأصبحا يثرثران ويضحكان بصوت عال وبطريقة عجيبة، حينها نظر آزاد إلى صديقه لازكين وقال له: معك حق يا صاحبي ان تكون على هذا الحال وأن تعيش في هذا الفقر المدقع، إذا كنت تمر في اليوم الواحد بهذه المحطات الثلاثة، بالطبع ستحتاج إلى بنك كبير لتسديد كل هذه المصاريف، الآن وبعد كل هذا بدأت أفهم حالتك ووضعك الصحي وعرفت اسباب تدهور أوضاعك، لذا أرغب في إسداء نصيحتي لك، فإما أن تحكم عقلك وتسيطر على ذاتك ورغباتك وتعود إلى رشدك أو تعود إلى وطنك لتبتعد عن كل هذه الموبقات. 
– ضحك لازكين قائلا : بعد أن أدمنت هذه الموبقات واعتدت هذه الحياة المفعمة بالأخطاء والرذائل، فالتحكم بالذات بات شبه مستحيل، فكل هولندا موبوءة ب أكس، أكس، أكس (X.X.X) أي القمار والجنس والمخدرات، وأما ما يتعلق بعودتي إلى الوطن وإظهار فشلي في أوروبا فهذا صعب جدا، فأنا أفضل الانتحار على أن أصبح أضحوكة الناس والزمان. 
– ضحك آزاد وقال: حتى رموز البلد فسرتها على مزاجك، (X.X.X)، يعني الحريق والفيضانات والموت الأسود. 
– رد لازكين: مهما كانت التفاسير لهذه الرموز فستبقى النتيجة واحدة، وها أنذا نموذج حي للحريق والفيضانات والموت الأسود

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…