سعيد يوسف كان فناناً وشاعراً ومبدعا كردستانياً.

 عبدالقادر خليل
بعد أن تلقيت نبأ رحيل صديقي الفنان الكردي الكبير سعيد يوسف، اليوم، أصبت بصدمة كبيرة، إذ إنني لم أقطع الأمل في شفائه لحظة واحدة، وذلك لأن صورة سعيد يوسف ذلك الشاب الذي كان في مطلع عمره وغنى لأول مرة في احتفالات قريتنا “جمعاية” كانت ماثلة أمام عيني بل إن صورته هذه ما لبثت أن استمرت تكبر شيئاً فشيئاً طوال عقود، وهو يحقق الإنجاز تلو الإنجاز، ليكون أحد أهم رموزنا الفنية الكردية ولا أقول نجومنا فقط.
وإذا كنت أتحدث عن علاقتي بسعيد يوسف فإن هذه العلاقة انبنت على جانبين: جانب إنساني وشخصي، فقد كان من الأصدقاء المخلصين لنا أنا ومجموعة مقربة منه وكانت لقاءاتنا في الستينيات رغم صغري متتالية، وهو المميز بين أبناء جيله من خلال أناقة روحه. واهتمامه بشخصيته من جوانبها كاملة، كما أنه كان مبدعاً كبيراً، وقد غنى منذ مطلع حياته لقضية شعبه كردستان، في ذلك الزمن الذي لم يكن أحد يستطع كثيرون ذكر كلمة كردستان، وقد اعتمد في إبداعه على التراث الفني الفلكلوري الكردي بالإضافة إلى ما هو معاصر، ولذلك فقد كانت أغنيته تردد في كل بيت. كل منزل وعلى كل فم.
استطاع الفنان الكبير سعيد يوسف أن يشكل مدرسة في الفن وإن كثيرين من كبار الفنانين الكرد غنوا من أعماله وألحانه، كما أن كبار الفنانين العرب غنوا له، وأحبوه، وقد سمي بأمير البزق وعزف على آلة البزق التي كان يعزف عليها الفنان الراحل محمد عبدالكريم أمير البزق الشهير، وهوكما نعلم أول من سمى مدينته قامشلو بمدينة الحب.
اختلف الفنان سعيد يوسف عن بعض الذين يشتغلون في مجالات الفن والإبداع بأن نفسه كانت عزيزة عليه، إذ لم يستجد أحداً، وقد سألته ذات مرة: لم لا تفعل كذا؟ فقال: أتريدني أن أكون مثل فلان، وقد كانت ثقته بنفسه وقوة شخصيته تدعوانه إلى أن يكون جريئاً في مواجهة الخطأ، وكثيراً ما استفز قوله للحقيقة بعضهم الذين تربوا على أن يتم مدحهم حتى وإن كانوا جهلة ومكررين لإبداع غيرهم.
نال الفنان سعيد يوسف جوائز كثيرة جداً، وتم تكريمه من قبل جهات عديدة كردية وسورية وعربية ودولية، وأتذكر أنني اقترحت في حزب الوحدة على الراحل إسماعيل عمر أن نكرمه في يوم الموسيقا العالمي فوافق، وكنت آنذاك ونجله زوره وهو معاً، وأعددنا تكريماً مهماً له، قال عنه مازحاً بعد عام في احتفال أقامه حزب آخر: لقد كرمني أبو شيرو ورفاقه ولا تزال عبوات الماء الصحي موجودة في بيتنا بعد سنة.
هذا ما أقوله الآن على عجل في رحيل الفنان الكبير أبي زورو، وسوف أكتب عنه في وقفات أخرى، فهو صديق العمر. صديقي الشخصي وأنا آحد محبي فنه وشخصه. لروحه السلام، وعزاؤه أن كل أبناء شعبه آلمهم رحيله، بل إن رئيس إقليم كردستان عزا به. إن العزاء به يتم في بيت كل كردي في كل جزء من أجزاء كردستان لأنه كان فناناً وشاعراً ومبدعا كردستانياً.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

حيدر عمر

تمهيد.

الأدب المقارن منهج يعنى بدراسة الآداب بغية اكتشاف أوجه التشابه والتأثيرات المتبادلة بينها، ويكون ذلك بدراسة نصوص أدبية، كالقصة أو الرواية أو المقالة أو الشعر، تنتمي إلى شعبين ولغتين أو أكثر، و تخضع لمقتضيات اللغة التي كُتبت بها. ترى سوزان باسنيت أن أبسط تعريف لمصطلح الأدب المقارن هو أنه “يعنى بدراسة نصوص عبر ثقافات…

نابلس، فلسطين: 2/7/2025

في إصدار ثقافي لافت يثري المكتبة العربية، يطل كتاب:

“Translations About Firas Haj Muhammad (English, Kurdî, Español)”

للكاتب والناقد الفلسطيني فراس حج محمد، ليقدم رؤية عميقة تتجاوز العمل الأدبي إلى التأمل في فعل الترجمة ذاته ودوره الحيوي في بناء الجسور الثقافية والفكرية. يجمع هذا الكتاب بين النصوص الإبداعية المترجمة ومقاربات نقدية حول فعل الترجمة في…

سربند حبيب

صدرت مؤخراً مجموعة شعرية بعنوان «ظلال الحروف المتعبة»، للشاعر الكوردي روني صوفي، ضمن إصدارات دار آفا للنشر، وهي باكورة أعماله الأدبية. تقع المجموعة الشعرية في (108) صفحة من القطع الوسط، و تتوزّع قصائدها ما بين الطول والقِصَر. تعكس صوتاً شعرياً، يسعى للبوح والانعتاق من قيد اللغة المألوفة، عبر توظيف صور شفّافة وأخرى صعبة، تقف…

عبد الجابر حبيب

 

أمّا أنا،

فأنتظرُكِ عندَ مُنحنى الرغبةِ،

حيثُ يتباطأُ الوقتُ

حتّى تكتملَ خطوتُكِ.

 

أفرشُ خُطايَ

في ممرّاتِ عشقِكِ،

أُرتّبُ أنفاسي على إيقاعِ أنفاسِكِ،

وأنتظرُ حقائبَ العودةِ،

لأُمسكَ بقبضتي

بقايا ضوءٍ

انعكسَ على مرآةِ وجهِكِ،

فأحرقَ المسافةَ بيني، وبينَكِ.

 

كلّما تغيبين،

في فراغاتِ العُمرِ،

تتساقطُ المدنُ من خرائطِها،

ويتخبّطُ النهارُ في آخرِ أُمنياتي،

ويرحلُ حُلمي باحثاً عن ظلِّكِ.

 

أُدرِكُ أنّكِ لا تُشبهينَ إلّا نفسَكِ،

وأُدرِكُ أنَّ شَعرَكِ لا يُشبِهُ الليلَ،

وأُدرِكُ أنَّ لكلِّ بدايةٍ…