عبد الستار نورعلي
(سلام كاظم فرج) مثقفٌ عراقيٌّ بارز، ومناضل يشهد تاريخه، شاعرٌ وكاتبٌ سياسيٌّ، ومفكّرٌ كبير. لستُ بحاجةٍ لأنْ أضيفَ أو اشهد أو أقدّم دليلاً، فمكانته العالية في الثقافة العراقية، بمختلف صنوفها، ليستْ بحاجةٍ لشهادتي، فهي مصونةٌ مشهودةٌ. فمنتجه الإبداعي والثقافي والفكري يكشفُ عن نفسه من غير أستارٍ متعمدةِ السدول من البعض.
حين نقرأ لـ(سلام كاظم فرج) نصّاً إبداعياً (شعراً)، وبإمعانٍ وتسلُّل في زواياه وخباياه ومكامن مضامينه، نحسُّ أننا ندور في مكتبة عامرة بمختلف المؤلفات الثقافية، بكلّ الفنون والأنواع، فكريةً وأدبية ولغويةً، والعديد من الشخصيات الابداعية والتاريخية والنضالية الثورية اللامعة.
النصُّ السلاموي ـ وأسمحُ هنا لنفسي أنْ أنسبَ نصوصه لاسمهِ، وأصفها ـ نصٌّ متفرد: الشعرية فيه عالية، دون الولوج في دهاليز الصنعة المفتعلة لفظاً وصورةً وبلاغةً تقليديةً، للظهور بمظهر الشعر بمناهجه الكلاسيكية والحديثة المُقحمَة رغم أنف النصّ وذوق المتلقي، بل هو بتلقائية تعبيرية وموهبة كبيرة يسترسل معايشةً للتجربة الحسّية المكتنزة ممتزجةً بالفكر، لا بجموديته وصعوبة مسالكه، وإنّما بمقدار حيويته الحياتية المتلاحمة مع التجربة ومقدار اثرها في نفسه. وبالمقابل كمية الحس الذاتي تتسلل بعمق في النص، وفي كل نصوصه الأخرى. وهذه الخصائص دلالة غزارة الثقافة الفكرية والتاريخية والأدبية، وهضمها هضماً يتجلى بوضوح في نصوصه الشعرية، الى جانب الموهبة الفريدة، والتاريخ الطويل من تجربة نضالية وحرفة الكتابة والتأليف اضافةً الى الإحساس الراقي والخُلق الرفيع .
أما هذا النصّ (قيد القراءة) ففيه الكثير مما أسلفنا من خصائص، إضافة إلى الخصائص الفنية للعمل الإبداعي المائز ومنها:
(التناصّ) : قصة (ثمود والناقة)، وآيات من القرآن الكريم (سورة الحاقة).
(التماهي): ومنه (باسم الصين باعونا الحرامية ..) تماهياً مع شعارات العراقيين: “باسم الدين باگونا الحرامية”.
(التضمين): “أفكر بالرز المر…” وهو تضمين للفيلم الإيطالي القديم (الرز المرّ) 1950. وأسماء شخصيات عامة، فنانيين وسياسيين (موسى فرج) رئيس هيئة النزاهة العراقية السابق، (سيلفانا منجانو) إحدى جميلات وكبيرات السينما الإيطالية والعالمية في منتصف القرن الماضي.
وإضافةً إلى ما سبق يضمِّن لنا أيضاً (شواهد فنية) راسخة، ليس أبعدها الفيلم الرائع الراقي لواحدة ـ كما ذكرنا ـ من أجمل وأفضل الممثلات في تاريخ السينما العالمية، وهي الإيطالية (سيلفانا منجانو 1930 ـ 1989) وأحد أفلامها الراقية (الرز المرّ) الذي ظهرت فيه الى جانب الممثل الايطالي الوسيم (فيتوريو جاسمان 1922 ـ 2000) والممثل (راف فالون 1916 ـ 2002)، وهما من كبار الممثلين العالميين حينها، كما أنّ الفيلم هو أحد أفلام الواقعية الإيطالية التي سادت وغزت السينما العالمية في أعوام الخمسينات، وكان قمتها فيلم (الطريق) 1954 بطولة (أنطوني كوين)، الفيلم الذي نال عدة جوائز منها جائزة الأوسكار عام 1956، وهو من إخراج واحد من أكابر مخرجي تاريخ السينما العالمية، الإيطالي (فيديريكو فيلليني 1920 ـ 1993).
مرجعية (سلام كاظم فرج) الفنية الشعرية شكلاً هي ما أصطلح على تسميتها بـ(قصيدة النثر). أما لغته الفنية فمستمدة من لغة الكتابة في عامة شكلها اللفظي البعيد عن قاموس ومعاجم اللغة بتكويناتها الكلاسيكية القديمة المعتمدة على انتقاء ما هو صعب وماضٍ في الاستخدام، وبعيد عن مدارك القرّاء (العامة) بمستوياتهم غير المرتقية إلى مراقي المتخصصين والمضطلعين والخبراء، وذلك كي لا يقعوا في مزالق الصعب في إدراك ما وراء الألفاظ وعلاقاتها من معانٍ وصور ودلالات وإشارات، معتمدةً على البلاغة بقواعدها واشتراطاتها الصارمة التي يستند اليها النقاد في التحليل والتشريح والاستنباط. لكنه بمعرفته ومكنته اللغوية والثقافية و(الشعرية) العالية المستندة إلى جدار تاريخيٍّ ذاتيّ صُلب (التجربة) فإنّ نصوصه ترتقي ذروة الشعرية العالية. إنها حرفية ابداعية خلاقة كبيرة لمبدع كبير، امتطى جوادَ الكلمة سابحاً في ساحات المضامير الابداعية المختلفة. إنه عارف بما يُسطر قلمُه، وما تبوحُ أحاسيسه، وما تبثُّ نفسُهُ، وما يخلقُ خياله، وما ينير فكره. لذا نلتقي بالفكر مُضمّخاً بالحسِّ أينما ألقينا رحالَ عيوننا وذائقتنا وبصيرتنا فيما يكتب.
عبد الستار نورعلي
الأحد 19/4/2020
نصّ القصيدة:
أفكر بالجميلات…
شعر: سلام كاظم فرج
أفكر بالجميلات في ثمود اللاتي لم يسمعن بأمر
الناقة..
بالمنحدرات ما بين نهودهن الغضة..
أفكر بالهلع الذي يصيبهن حين تحق الحاقة..
أفكر بالهنود..
.تحصد أعمارهم كورونا الصين..
أفكر بالنيبال
تخرج في تظاهرات عارمة..
تصرخ شبيبتها: ( باسم الصين باعونا الحرامية ..)
أفكر بصديقي (موسى فرج) وكتاباته المفزعة عن كم الفساد في أروقة العراق.. ولافتاته اليومية عن حصاد السنين المر. .
أفكر بالرز المر…
والسكر المر..
وأفكر بسلفانا منكانا..
وأعود لمنشور صديقي موسى فرج وأخاف من تعليق اكتبه عدة مرات…
وأمحوه رعبا
مرات…..
إذ إني عبد !!!
عبد كهولتي تضيع وسط زحام الموت غيلة..
وعبد أيام شبابي.. وعبد.. وعبد…
كنت انتظر منذ زمن موت الموت وانتصار شباب العراق.
.. لكن مافتئ الموت يحصد جميلات ثمود
اللاتي لم يسمعن بأمر الناقة..
ولا سمعن بآيات كان يرتلها عبد حمود على مسامع سيده…
فتحصد العشرات من
جميلات ثمود اللائي لم يسمعن بأمر الناقة..
……
…..